[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
أين حقي في العمل؟ أو أين حقي في المنحة الشهرية التي قطعت دون استحقاق الحق في وقته المناسب؟ وما مصيري؟ تلكم التساؤلات يطرحها كل باحث عن عمل وعد بالوظيفة عام 2011 ومنح مكرمة سامية تجلت في راتب شهري قدره (150) ريالا حتى يجد له فرصة عمل، وقد قدر عددهم آنذاك (50) الف باحث، وبعضهم فعلا قد تم توظيفهم والبقية الأخرى هم الآن دون عمل ودون منحة، وقد انضموا إلى قافلة الباحثين عن عمل الذين اعدادهم في تزايد وفي تراكم سنوي مقلق؟ ولم يقابله مساع جادة تشعرنا بأن مستقبل الوضع سيكون تحت السيطرة، وما تقوم به الجهات الحكومية المختصة من عمليات توظيف وتعمين سوى اجتهادات فردية ومنعزلة اي بمعزل عن وجود أية خطة وطنية استراتيجية للتوظيف والتعمين.
وقضية ما تبقى من باحثين عن عمل الذين كانوا يستحقون المنحة الشهرية، تدعم ما طرحناه في مقالنا الأخير،، صراحة .. تحكمها الحقائق الرسمية،، والذي أوضحنا فيه أننا بعيدون كل البعد عن الحل المقبول لقضية توفير فرص العمل لشبابنا، استرشادا بما كشفته دراسة حديثة للمركز الوطني للإحصاء عن المدد الزمنية الطويلة لاستحقاق الحق في العمل، واعداد الباحثين الذين يتراكمون سنويا، ومن ثم فتحنا الافاق الاستشرافية لماهية التداعيات المحتملة إذا لم نسارع إلى استيعاب طموح الشباب في العمل الأمن والمستقر، ويأتي فتحنا لقضية ما تبقى من الباحثين عام 2011، للاستدلال بها على حجم وماهية المشكلة والذي يرجع في جزء منه إلى عدم المعالجة الفورية للقضية، وهذه المشكلة الجزئية لا تزال قائمة، مما ولدت مجموعة مشاكل كبرى منها التراكم العددي، ومعها غاب الحل الشامل، إذن، إلى أين نسير بأهم قضية وطنية تخص الشباب؟ وماذا ينبغي أن نتوقع مستقبلا من مشكلة التراكم العددي وغياب الحل الشامل؟ وهل يمكن أن نرجع جزءا من الإخفاق في معالجة هذه الجزئية إلى،،الواسطة،، نشير إلى هذا العامل المهم في ضوء ما كشفه لنا المركز الوطني للإحصاء من معلومة في غاية الأهمية، وهي أن (3 من كل 5) عمانيين يعتقدون الحصول على وظيفة يحتاج لـ ،، واسطة،، وهذه نسبة مرتفعة جدا، تصيب الإحباط وتبعث على اليأس في نفسيات الباحثين، وقد تتقاطع في مرحلة مقبلة مع معطيات أخرى أكثر خطورة، وبالتالي نطرحها هنا في ضوء استقصائنا لكل العوامل المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى فشل توظيف شباب المنحة الشهرية في عام 2011، وهي بالتالي تعمق أزمة الباحثين عدديا ونفسيا، صحيح (نكرر) قد توظف الكثير من شباب المنحة، لكن الأصح، أن هناك أعدادا كبيرة منهم قد أصبح الزمن يأكل من عمرهم أفضل زهوره اليانعة، وقد أصبح احساسهم به مرتفعا، وهم من حملة الشهادات الجامعية (الدبلوم والبكالوريوس)، وقد بعثوا لنا برسالة فيها بعض التساؤلات سالفة الذكر والاخرى قد صغناها ايحاء منها، وفي رسالتهم يقولون فيها كذلك، إن الأوامر السامية كانت تقتضي بأن يتم التوظيف قبل نهاية العام 2011، فأين هذا العام من عام 2015؟ حتى بيان مجلس الوزراء الصادر بتاريخ (28) اغسطس 2012 الذي حث فيه الحكومة على استكمال إجراءات توظيف الحاصلين على المنحة الشهرية لم يحل قضيتهم، مما بدا لنا التساؤل قائما حول من هو المستهدف بالبيان الحكومي؟ فمن يخاطب من؟ بمعنى من تحث الحكومة هنا على توظيف بقية أعداد الباحثين الذين كانوا يحق لهم المنحة؟ هل الحكومة تحث نفسها بنفسها؟ والا فمن هو المستهدف بالبيان؟ هذا يوضح لنا جزءا من انكشاف الخلل البنيوي في الأداء التنفيذي المؤسساتي وبالذات علاقة الوزارات بكيانها السياسي المعنوي العام،،السلطة التنفيذية ،، ودور كل وزير في تنفيذ الاستراتيجيات والتوجيهات والسياسات الثابتة والمستجدة، ومرجعية الكيان عليهم، ومسئوليته عنهم، ومدى صلاحيتهم من عدمه، وهذه في حد ذاتها من كبرى الاشكاليات في بلادنا، لأنه لا يعقل أن تناشد السلطة التنفيذية الوزير أو الوزراء وهم اعضاء فيها على القيام بالعمل الذي هو من صلب صلاحياتهم، وهي مسئولة عنه سياسيا، واخفاق الوزير من اخفاق من؟ وهذا يفتح لنا ملف مستقبل التركيبة الهندسية لمجلس الوزراء، وحتمية استقلالية رئاسته عن المؤسسة السلطانية، فالإصلاح قد أصبح ضرورة وحتميا الآن بالذات تفعيلا لمواد دستورية ـ سنتناوله في مقال لاحق ـ لأن الاخفاق لم يعد منحصرا في هذه الجزئية المهمة بل وفي القضية كلها، اي التوظيف في عموميته، والتعمين في شموليته، بدليل التراكمات العددية في كل سنوية، ومعدل أربع سنوات متوسط حصول كل باحث عن عمل (اربع سنوات) وهو ما يعادل نصف الباحثين، والبقية بين ما ينتظرها أكثر من تلك المدة الزمنية وبين من يحصل عليها خلال عام من البحث، وفق دراسة المركز الوطني للإحصاء، وحتى فكرة نسبة التعمين في الشركات قد أصبحت تلقي بظلالها السلبية على القضية نفسها بدلا أن تكون عاملا مساعدا في حلها، بل ومؤثرا فيه، اي الحل، على اعتبار أن القطاع الخاص المعول عليه في استيعاب التوظيف بعد التحولات التي طرأت على دور الدولة في الحياة الاقتصادية منذ عام 1996، فالحيل والاساليب الالتوائية تتخذ اشكالا وأنواعا متعددة، فمثلا، من أجل استكمال نسبة التعمين المفروضة تلجأ العديد من الشركات إلى اعطاء بعض المواطنين ومن الجنسين، ومن النساء أكثر، ما بين (40-50) شهريا من أجل تسجيلهم في سجلات القوى العاملة.. عملية التوظيف شكلية وليست فعلية، وهكذا تجد الشركات نفسها مضطرة للتحايل .. هذا فقط نموذج يعكس لنا الواقع وما يحدث فيه من تخبط وعدم صدقية ومصداقية .. وإذا ما أضفنا إليه الحقائق التي ذكرناها في المقال السابق، كتركيز عملية التعمين على الوظائف والمهن الدنيا بينما تظل الوظائف المتوسطة والعليا حكرا على الوافدين .. مع ما يستتبع ذلك من حصرية المرتبات العالية على الوافدين، وكذلك المتاجرة بالأيدي العاملة الأجنبية والوطنية على حساب عملية التوظيف والتعمين الحقيقية .. فإن بلادنا تكون الآن بعيدة كل البعد عن استيعاب معظم شبابها في وظائف ومهن آمنة ومستقرة، وقد كشفت لنا الاحصائيات الرسمية عن وجود (6788) يعلمون في القطاع الخاص مرتباتهم تتراوح بين (325- 400) ريال وهو ما يشكل (34%) من حجم القوى العاملة الوطنية بالقطاع الخاص، حسب احصائيات فبراير 2015، طبعا ما عدا قطاع البنوك الذي وصلت نسبة التعمين فيه أكثر من (92%) وفي مختلف الوظائف بما فيها العليا والمتوسطة، وبسبب ذلك الوضع في القطاع الخاص ، يفضل (95%) من الباحثين عن عمل ، العمل بالحكومة ، وفق الدراسة سالفة الذكر.
هل هناك من يقلقه هذا الوضع؟ لا ينبغي أن يشغل بلادنا اية انشغالات أخرى، داخلية أو خارجية غير قضية التوظيف والعمل، ولا ينبغي أن تسرق منها انجازاتها الخارجية هذه القضية حتى لا تتفاجأ بانفجاراتها، بل إننا نرى من الأهمية الوطنية أن نعيد بوصلة الاهتمام السياسي لها فورا، والعمل على اصلاح هيكلي وبنيوي يشمل المؤسسات والآليات والسياسات والاستراتيجيات والأطر التي تدير عملية التعمين والتوظيف وتوفير الفرص وفق رؤية وطنية جديدة بعيدا عن الشعارات وفق ما حددناه في مقالنا السابق، لأن المؤسسات بآلياتها الراهنة لن تنجح في حل مشكلة التعمين والتوظيف وتوفير الفرص، وكل معطياتها تشير إلى اعادة الملف إلى سابق عهده قبل عام 2011 ، وبالتالي لا بد من تقييمها ومن ثم دمجها وتوحيدها في كيان معنوي واحد بدلا من تعددها وتشتيتها كصندوق رفد والهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومراكز ومعاهد التدريب الحكومية والمؤسسات التي تعنى بالتوظيف والتعمين للزوم وحدة العمل ووحدة الرؤية ووحدة التخطيط ووحدة التنفيذ ومن ضمانة النتائج على أن يفتح باب مساءلتها اولا بأول من قبل مجلس الشورى ومؤسسات الرأي العام، ويختار لها كفاءات تخرج من رحم الوطنية المهنية لا أن يختارها وزير أو صاحب نفوذ له مصلحة في الاستفادة من التعمين ومن أموال رفد والمؤسسات الصغيرة والكبيرة .. فهل هناك من ينبغي أن يقلقه وضع التوظيف والتعمين وتوفير فرص عمل لجيل كامل من شبابنا ؟ للموضوع تكملة ثالثة .