تساءل شاب في مجموعة تتبادل التنمية البشرية عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ عندما طالع اعلانا لدورة سوف أقيمها بعنوان " اكتشف موهبتك واستثمرها" تساءل قائلا: هل يمكن اعتبار كل إنسان موهوبا؟ أجبته بثقة: نعم! كل إنسان جاء إلى هذه الدنيا بقدرات خارقة. أثبتت دراسات الذكاء أن عباقرة غيروا فهم العالم لم يستثمروا من إمكانياتهم سوى قدرا محدودا يقل عن 10% وأن أغلب البشر يموتون دون أن يستثمروا نسبة 1% من طاقاتهم الخلاقة التي أعطاها الله لهم.
لكن ما الذي يحرك موهبة الانسان؟ ما الذي يحفز عنده التفكير المتميز؟ ما الذي يجعله مبدعا وخلاقا؟ هل هي الوراثة؟ هل يأتي بعض البشر بجينات عبقرية بينما يولد آخرون بجينات الغباء والخمول والكسل؟ هل يثبت لنا تاريخ الأمم المتحضرة التي تقود حركة التاريخ اليوم من خلال استحواذها على التكنولوجيا وسيطرتها على أبحاث الفضاء وتفجيرها لثورة الاتصالات وتحطيم جميع الحواجز بين الممكن والمستحيل؛ هل يثبت لنا تاريخ هذه الأمم أن أسلافها جاءوا الى الدنيا وهم عباقرة وخارقون؟ ألم يثبت لنا التاريخ أن شرارة العبقرية جاءت من أمم الشرق كالمصريين والعرب الذين سكنوا بلاد الرافدين واليمن والهنود والصينيين وأمم أخرى انقرضت مثل أجدادنا من عاد وثمود وجديس وغيرهم ممن أشادوا حضارات لم يخلق الله مثلها في البلاد؟
إذن فالجينات البشرية واحدة والموروث البشري للذكاء متماثل، فأين يكمن التميز إذن؟ لقد استطاعت أمم ناهضة من أمثال اليابانيين والكوريين والماليزيين والسنغافوريين أن تحقق مراكز متقدمة في اختبارات الذكاء والتحصيل العلمي في الرياضيات والفيزياء والعلوم البحتة الأخرى، واستطاعت الأمم الغربية التي تحظى بالاستقرار والديمقراطية أن تستورد عقولا لامعة من الدول العربية. فالذي تتاح له فرصة زيارة مراكز البحث العلمي والجامعات ووكالة ناسا لأبحاث الفضاء سيكتشف أن العبقرية ميراث أممي وليس حكرا على لون العيون والبشرة وطول القامة وشكل الرأس، فأغلب العلماء ممن غيروا حياة البشرية هم من الجنس السامي سواء من اليهود أومن العرب من فيهم الأنبياء والقادة الروحيين والعلماء.
من هنا فإن كل إنسان موهوب في مجال ما. وقد ينقضي عمر هذا الإنسان دون أن يفطن إلى أنه عبقري؟ لكن أين العبقرية؟ أين الموهبة؟ أين يختفي الإبداع؟
عندما يبدأ فرد ما في حصر عدد أفكاره في يوم عادي، سيكتشف أن عقله يتناول عددا هائلا من الأفكار تتراوح ما بين 60000 الى 80000 فكرة في اليوم الواحد. وسيدرك أن عدد المشابك العصبية التي تنشط في عقل الإنسان العادي لا يمكن بأي حال حصرها. وقد أثبتت نظريات الذكاء الحديثة من بينها نظرية الذكاء المتعدد في القرن الحادي والعشرين للدكتور هوارد جاردنر من جامعة هارفرد أن مفهوم الذكاء التقليدي الكمي يجب أن يكون مكانه المتحف! لأن الذكاء البشري يتسع ويتسع إلى ما لانهاية، والبشر يحتاجون اليوم إلى سياج أخلاقي وديني لكي يضبطوا حركة عبقريتهم التي تتجاوز في أحيان كثيرة الحدود الأخلاقية التي حافظت على تميز الجنس الآدمي وبقائه.
قلت للشاب الذي يتساءل: أنت تتمتع بموهبة قد لا تدركها لأن المدرسة وتجاربك الشخصية وغياب تركيزك على أشياء محددة تنشط عقلك فيها؛ كل ذلك قد يضلل مسعاك ويوهمك بأنك لست موهوبا، لكنك والله موهوب؛ متى ركزت تفكيرك في أفكار إيجابية منتجة، متى تحدثت إلى عقلك بأنك بالفعل موهوب ومتى تبنيت أهدافا تعشقها وتحبها. لأن الإنسان عندما يركز عقله على فكرة محددة يحبها ويعشقها ويهواها و يواظب على ذلك؛ فإنه يخلق من تلك الفكرة كما هائلا من الأفكار التي يمكن أن تتبلور إلى منتجات ومشاريع وابداعات خلاقة. فمن خلال استمرار تفكيرنا في موضوع معين فإن ممرات عصبية جديدة تظهر في الدماغ فتوجه مسار تلك الأفكار مما ينتج عن ذلك بناء أو دمارا. فعندما يتناول الشخص فكرة إيجابية ويتبناها فإن عقله يفرز هرمونات إيجابية تحفز مشاعر وعواطف إيجابية فتعزز التآزر العقلي الجسدي الذي يطلق شرارة الموهبة. من هنا فعلي كل إنسان أن يتحرى عن عبقريته ويصقلها ويطورها من خلال توجيه عقله للبحث عما يثير اهتمامه ورغباته فيعيش من أجله، ويركز تفكيره في ذلك فقط وينمي تميزه بالعمل والتدريب ولن يحتاج مطلقا إلى من يثبت له بأنه فعلا موهوب!

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية