يُعدّ الغش منافيا للأخلاق النبيلة التي تربينا عليها ومناقضا لقيمنا الدينية السمحة، ومن يمارس الغش فقد خان ضميره ومبادئه وقيمه السامية وخان الوطن والمجتمع الذي يعيش فيه لأنه ببساطة يشتري على حساب غيره دون وجه حق ويأكل الحرام عن وعي أو بدونه وعليه أن يعلم أن الحرام قد يغري لكنه لن يثمر. وممارسة الغش جهارا نهارا دون خوف من ناب او ظفر يعني موت للضمائر وكبوة للمبادئ والقيم فهم يبيعون صحة الانسان بأبخس الأسوام في تجارة بائسة يائسة لا تهدف سوى جني الارباح وجلب المال بطرق فاحشة مذعنين إلى آرائهم وتصرفاتهم التي خلت وانعدمت من المسؤولية واللياقة والأدب في السلوك واعتبار الغش مذهبا اعتياديا يذهب اليه بعض التجار الذين أصبحوا عبدة للمال والشهوات.
إن ما يمكن ملاحظته من خلال متابعتنا لبعض التجار عديمي الضمير هو استشراء ظاهرة الغش واستفحالها هادفين إلى جمع المال بكل الطرق غير المشروعة والتي تنم عن تدنّ في الأخلاق وفقدان للقيم السامية النبيلة وتمس من سمعة التجارة باعتبارها مصدر رزق وانعكاساتها السلبية على الفقراء والمحتاجين ومتوسطي الدخل ناهيك إن تعلق الأمر بصحتنا وصحة أبنائنا وأهلنا فإن الوضعية حينها تكون خطيرة وجب مواجهتها بكل الطرق والوسائل الممكنة للتصدي للظاهرة والضرب على أيدي العابثين الذين لا يفكرون إلا في جمع الأموال وتكديسها غير عابئين بنتائجها السلبية على الفرد ماديا وصحيا وتعد استنزاف للمقدرات الوطنية وتضر بشكل مباشر بالاقتصاد الوطني وتستنزف خزينة الدولة باعتبارها تتحمل المسؤولية في توفير العيش الكريم للمواطن والضامنة لصحته .
تلك حقيقة وواقع أدركنا من خلالها خطورة الغش الذي يستفحل بشكل رهيب ويضرب الأعماق حين يدسّ في سلع ومنتجات نحن بأمس الحاجة إليها تتمثل في الماء والغذاء فتلك الطامة الكبرى التي لا ينبغي السكوت عليها مطلقا، وما يصعب على المسامع أن يكون ذلك منتجا محليا نعمل معا في هذا البلد على دعمه وتشجيعه ودفعه إلى شط الأمان والحد من المنتجات المستوردة بهدف تصدره قائمة المبيعات وبقاءه لافتخارنا أنه منتجا محليا ويستحق أن نضحي من أجله. إلا أننا نتفاجأ بأنه سلعة بها ريبة تهدف الى جني الارباح دون مراعاة لصحة المستهلك تلك حادثة نشرت عبر قنوات التواصل الاجتماعي، أثارت جدلا واسعا في النطاق المجتمعي حين منحنا الثقة لبعض الشركات المنتجة لمياه الشرب، والتي يجب ان تكون صالحة للشرب خالية من الغش والتدليس ذلك ما كشفته المديرية العامة للرقابة الصحية والصرف الصحي بوزارة البلديات الاقليمية وموارد المياه عند سحبها لعينة عشوائية من مياه الشرب المتداولة في الأسواق المحلية والتي تم دراستها وتحليلها في مختبرات الأغذية والمياه والتي أظهرت نتائج تحاليلها عدم مطابقتها للحدود المسموح بها للمواصفات القياسية في تخليل عنصر البرومات.
على كل حال؛ لا بد أن ندقّ ناقوس الخطر لإنارة الرأي العام ولفت أنظار المسئولين ودعوة المجتمع المدني للإحاطة بالظاهرة وإدراك مدى خطورتها والعمل على البحث عن الوسائل الممكنة لمجابهتها، والحدّ منها وتجنيب المواطن مخاطرها فإننا نعوّل على الوعي الجماعي وعلى أبناء الشعب بأن يلعبوا دورهم الرقابي وممارسة حقهم في التصدي لكل الظواهر المهددة لصحتهم والمستنزفة لجيوبهم والإعلام عن كل تجاوز يمارسه عديمي الضمير تجاههم لأننا جميعا معنيون بالتصدي لكل الظواهر الغريبة والمسيئة لقيمنا وأخلاقنا والمناقضة لديننا وبتظافر كل الجهود الخيرة يمكننا الانتصار على كل من تسوّل له نفسه الأمارة بالسوء الإساءة إلى مجتمعنا وعزلهم ومحاسبتهم على تجاوزاتهم بما يسمح به القانون المنظم لممارسة التجارة آخذين بعين الاعتبار المصلحة العامة التي هي فوق كل الاعتبارات الشخصية لنعيش في أمن وسلام ونحقق أهدافنا الوطنية ونرتقي بمجتمعنا ونقيه من كل المخاطر المهددة لحياتنا فلنطبق معا الحديث النبوي الشريف القائل "من غشنا فليس منا" ولا ريب أنّ الاعتناء بالصحة العامة للأفراد هي أول واجبات المسؤولين ونركز في هذا الجانب ما يتعلق بسلامة مياه الشرب. وأخيرا ليدرك ذوو الالباب كما جاء في المثل الفرنسي: "أنّ من ملك الصحة ملك كل شيء ومن فقدها فقد كل شيء".

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]