” .. نسمع ونقرأ منذ فترة عن كيف أن الأميركيين "سلموا العراق لإيران بعد تدمير قدراته"، وكأن بقية الدول العربية لم تشارك في الحملة الأميركية/الغربية على العراق لغزوه واحتلاله. وكذلك كيف أن واشنطن "ماطلت في حسم الوضع في سوريا ضمن حساباتها مع إيران" وكأن المطلوب أن تقوم أميركا بدور أقرب لجماعة النصرة أو داعش بتمويل عربي!.”
ـــــــــــــــــــــــــــ
سيظل الجدل والنقاش والتحليل والتعليق على اتفاق الاطار لتسوية ازمة ايران مع العالم مستمرا حتى موعد التوصل إلى اتفاق كامل بنهاية يونيو القادم. ومنذ اللحظة الأولى لم يقتصر الأمر على التفسير والتحليل والاستنتاجات، بل إن الخلاف بدأ حول نص الاتفاق نفسه واتهمت ايران الولايات المتحدة بإعلان "قائمة حقائق" مغلوطة حول تفاهمات الإطار فيما خرج الشارع الإيراني في مظاهرات تهلل لما اعتبر نصرا إيرانيا على "الشيطان الأكبر" في ساحة المفاوضات ودون خوض معارك بالسلاح. هذا عن الطرفين الأساسيين: طهران وواشنطن، أما الأوروبيون فموقفهم أن تفاهمات الإطار تتيح فرصة لاتفاق نهائي يحقق بعضا من التطمينات التي كان شركاء أميركا الأوروبيون يسعون إليها قبل الاتفاق. حتى إسرائيل، التي تعارض الاتفاق مع إيران بالأساس أصبح مطلبها أن يتضمن اي اتفاق نهائي اعترافا إيرانيا بدولة اسرائيل. وكانت ملاحظة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعد عودته لطهران بأن الخلاف بين وبلاده واميركا على القضايا الإقليمية ما زال قائما ذات دلالة مهمة تتعلق أيضا بما يمكن أن يكون عليه الاتفاق النهائي بعد نحو ثلاثة اشهر.
يبقى القلق العربي، والخليجي تحديدا، من عودة إيران إلى الساحة الإقليمية والدولية بقوة قد تجعلها تعزز نفوذها مع استمرار احتفاظها بالقدرة التقنية والامكانيات الأساسية للتسلح النووي. ويردد البعض أن اتفاق الاطار، والاتفاق النهائي، يفتح الباب أمام سباق نووي في المنطقة وأن ما يتاح لإيران نوويا سيكون مطلبا شرعيا لبقية دول المنطقة. والحقيقة أن أحدا لم يمنع دول المنطقة من تطوير قدراتها النووية ـ في إطار الاستخدام السلمي وضمن بروتوكولات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ـ ومن ثم لا مجال للمخاوف من سباق نووي خطير. ويختلف موقف الدول العربية القلقة من القدرات النووية الإيرانية عن موقف اسرائيل، التي تريد ان تكون متفردة في امتلاك سلاح نووي يضمن تفوقها على بقية دول المنطقة عربا وعجما. أما عودة إيران فإن في بعضها نفع لبعض دول المنطقة، خاصة ما يتعلق بالتجارة مع طهران بعد رفع العقوبات.
يبدو أن القلق العربي ليس فقط من مكاسب إيران من الاتفاق، ولكنه قلق أكثر من الطرف الثاني في الصفقة وهو الولايات المتحدة. فالعرب لم يدركوا إلى حد كبير الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة والعالم، والتي بدأت مع الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق جورج بوش الابن. فتوجه واشنطن نحو "فك الارتباط" يتضمن بالضرورة ترتيب حماية مصالحها في مناطق العالم المختلفة عبر وكلاء محليين وتقاطعات تختلف إلى حد كبير عن تحالفاتها التقليدية السابقة. وهنا جاء دور تركيا وغيران كلاعبين في إطار استراتيجية فك الارتباط الأميركية، وكلا البلدين لديه من البراجماتية السياسية ما يؤهله للعب دور ـ كما أن الحكم في كلا البلدين يتمتع بملاءة دينية تمكنه من تفادي اي ضغوط محلية. وفي سياق اعادة حسابات واشنطن في المنطقة لم يعد الاميركيون مستعدين للتدخل النشط والمباشر في القضايا الإقليمية الا بالقدر الضروري وفي حالات استثنائية. وهكذا بدا الأمر لحلفاء اميركا التقليديين في المنطقة ان واشنطن "تتخلى عن حلفائها لصالح بناء علاقات جديدة مع إيران".
لهذا نسمع ونقرأ منذ فترة عن كيف أن الأميركيين "سلموا العراق لإيران بعد تدمير قدراته"، وكأن بقية الدول العربية لم تشارك في الحملة الأميركية/الغربية على العراق لغزوه واحتلاله. وكذلك كيف أن واشنطن "ماطلت في حسم الوضع في سوريا ضمن حساباتها مع إيران" وكأن المطلوب أن تقوم أميركا بدور أقرب لجماعة النصرة أو داعش بتمويل عربي!. ثم بعد كل ما كان من قبول عربي لما تقوم به أميركا في اليمن وكأننا نكتشف الآن أن التدخل الأميركي لم يقض على القاعدة في اليمن وانما زاد من قوة ونفوذ جماعات مختلفة (من بينها أنصار الله) لتنال كلها من وضع الدولة اليمنية التي انهارت وتركت البلاد مشرعة على كل الاحتمالات الكارثية.
جاء اتفاق الإطار بمثابة مخرج للطرفين، الأميركي والايراني، يمكن الرئيس الاميركي باراك اوباما من انهاء فترة حكمه بما يمكن ان يسجل تاريخيا من فتح باب مصالحة مع ايران ـ بغض النظر عن صمود الاتفاقات من عدمها. ومن هنا كان الخط الأهم في الترويج الاميركي للاتفاق ان وزير الخارجية جون كيري "تمكن من وقف نمو قدرات إيران لتطوير قنبلة نووية". ورغم أن إيران أكدت مرارا وتكرارا أنها لا تسعى لتطوير سلاح نووي حتى وان حسنت من قدرات تخصيب اليورانيوم لديها، إلا أن طهران لن تمانع في تسويق الإدارة الاميركية للاتفاق على هذا النحو. وإيرانيا، لا تمانع واشنطن في أن تسوق حكومة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني للاتفاق بأنه انتصار إيراني برفع العقوبات الظالمة عن بلاده دون التخلي عن قدراتها النووية كاملة. وحتى الاتفاق النهائي، يمكن لطهران تسويق الأمر داخليا بأن سياستها في المنطقة لن تتغير بسبب أي "تفاهمات" مع الأميركيين.

د.أحمد مصطفى
كاتب صحفي مصري