[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
جاء اتفاق لوزان التاريخي بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد بشأن البرنامج النووي الإيراني بمثابة مفاجأة كبيرة لدى العديد من دول المنطقة خاصة أنه يأتي في ظل الوضع المتوتر الذي تشهده المنطقة العربية حاليا، وهو ما اعتبره بعض المحللين السياسيين ضربة غير متوقعة لحلفاء أميركا التقليديين في المنطقة حيث إن هذا الاتفاق سيمنح طهران قوة كانت في أشد الاحتياج إليها خاصة فيما يتعلق بتعليق العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها والتي كانت سببا رئيسيا في عدم تحسن الوضع الاقتصادي وتأزمه في بعض الأحيان، فضلا عن أن هذا الاتفاق يميل إيجابا لصالح البرنامج النووي الإيراني.
ورغم أن هذا الاتفاق لا يزال يحتاج إلى تفاصيل أكثر دقة يجب الاتفاق عليها حتى الـ30 من يونيو المقبل مثل مصير مخزون اليورانيوم الأعلى تخصيبا لدى إيران وما هي الجوانب التي ينبغي لطهران الكشف عنها فيما يتعلق بأبحاثها النووية وكيفية الوصول إليها .. والمتأمل لهذا الاتفاق يجد أنه لم يعكس الموقف الأميركي الذي كان مطروحا من قبل والذي يستهدف حرمان إيران من استكمال البنية التحتية لبرنامجها النووي، حيث إن الاتفاق يحافظ على هذه البنية واستمرار أبحاثها مع تقييد استخدامها لما تتوصل إليه من تكنولوجيا متطورة لمدة عشر سنوات، وهذا يعني أن الموقف الأميركي تغير من منع إيران من امتلاك برنامج نووي إلى تقييد قدراتها على تطوير هذا البرنامج مع تمتعها ببنية تحتية وقدرات بحثية.
إن ما حصلت عليه إيران هو أكبر ما يمكن الحصول عليه من خلال المفاوضات الصعبة التي تحاط بضغوط سياسية وعقوبات اقتصادية شلت تقريبا العديد من القطاعات الحيوية في الاقتصاد الإيراني، كما أن الاتفاق يؤكد في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة ليست لديها أي نية للخيار العسكري تجاه إيران وبرنامجها النووي .. وأيضا هذا الاتفاق يمنح طهران شرعية دولية كانت تفتقدها، فضلا عن خروجها من الحصار الدولي والسماح لها بتطوير قدراتها الاقتصادية خاصة في مجالات البترول والغاز .. المكاسب إذن كثيرة ويكفي طهران أن هذا الاتفاق لم يعالج قضايا رئيسية كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تعتبرها قضايا استراتيجية حاكمة في العلاقة مع إيران أهمها الأنشطة الإقليمية لإيران في المنطقة وبرنامج طهران الخاص بالصواريخ الباليستية وأيضا فيما يتعلق بمزاعم تلك الإدارات بدعم إيران للإرهاب!
ويمكن القول إنه قد حدث تحول في الموقف الأميركي تجاه طهران قبل توقيع اتفاق لوزان حيث تجاهل التقرير الأخير للمخابرات الأميركية لأول مرة الإشارة إلى دور إيران في دعم الإرهاب حسب المنظور الأميركي .. كما ظهر أيضا الحديث عن تعاون أميركي ـ إيراني في مواجهة تنظيم "داعش"، وهو ما يعني بالفعل أن هناك تحولا استراتيجيا في الموقف الأميركي تجاه طهران يسمح بنوع من التعايش والقبول بما تقوم به إيران في المنطقة خاصة في العراق .. وهذا التحول أو فلنقل مجازا هذا التقارب أحدث حالة من القلق والانزعاج لدى حلفاء أميركا التقليديين في المنطقة وفي مقدمتها مصر والسعودية اللتان تقودان عملية عسكرية أطلق عليها "عاصفة الحزم" لمواجهة الحوثيين في اليمن، وهو ما يعني أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على مرحلة صعبة للغاية تتطلب الحوار وليس المواجهة .. لأن أي مواجهة ستؤدي في النهاية إلى إضعاف الطرفين بينما المستفيد أطراف أخرى تعمل على إشعال الصراعات في المنطقة!
نعم اتفاق لوزان أثار قلقا لدى السعودية ومصر تحديدا .. فالسعودية تخشى من أن يؤدي رفع العقوبات عن إيران إلى تعزيز نفوذها في المنطقة والتأثير على مجريات الأمور في العراق وسوريا ولبنان واليمن .. أما مصر فسوف يؤثر بالخصم من رصيدها الإقليمي ودورها في المنطقة، ولعل هذا ما دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الإسراع بالاتصال بزعماء دول الخليج بهدف طمأنتهم ودعوتهم إلى الحوار في كامب ديفيد .. وإسرائيل بدورها أبدت انزعاجها من التوصل إلى اتفاق لوزان رغم تأكيدات أوباما بأن هذا الاتفاق لن يمس تفوق إسرائيل العسكري بالمنطقة .. ولتحقيق شيء من التوازن في الموقف الأميركي قبل الإعلان عن اتفاق لوزان قرر أوباما الإفراج عن المساعدات العسكرية المجمدة لمصر منذ العام ونصف العام في إشارة تعكس العلاقات الاستراتيجية بين البلدين .. فهل تنجح قمة كامب ديفيد المقبلة في طمأنة دول الخليج واللجوء إلى الحوار لفض النزاعات والصراعات بدلا من أن تتحول المنطقة إلى بحور من الدماء .. ماذا تريد أميركا تحديدا؟!