[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]

” .. بالعودة قليلا إلى الوراء لا نجد أن هناك أي تغير يذكر على صعيد الرؤية الإسرائيلية الصهيونية المتطرفة إلى السلام في الشرق الأوسط بشكل عام، وتجاه القضية العربية الفلسطينية على وجه التحديد، وخصوصا أن نظرة نتنياهو اليوم أو غيره من قادة اليمين المتطرف أو اليسار الأكثر تطرفا، هي نفسها منذ استفحال هذا السرطان في قلب العالم الإسلامي وقلبه العربي النابض.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كثيرة هي الخرافات والأساطير اللاهوتية والسياسية الصهيونية التي يحفل بها التاريخ الصهيوني منذ التأسيس القومي لهذه المستعمرة الإرهابية التي ابتلي بها العالم الإسلامي والعربي على يد ثيودور هرتزل في العام 1896م. وتعد الصهيونية الحديثة بجميع امتداداتها مذهبا سياسيًّا قوميًّا استعماريًّا لم يولد من رحم الديانة اليهودية، بل من النزعة القومية الأوروبية في القرن التاسع عشر، ـ وللأسف الشديد ـ نجح هرتزل بطريقة أو بأخرى في استغلال العواطف اليهودية من خلال اللعب على الأوتار التاريخية والنفسية الحساسة للشعب اليهودي كالمعاناة والشتات وخرافة الوعد والشعب المختار.
وقد كان لذلك النجاح مردود ايجابي لم يكن يتوقعه حتى هرتزل نفسه حين فكر في هذه اللعبة، وبنجاح المزج ما بين التاريخ اليهودي الحافل بالخرافات والمذهب الصهيوني القومي الحافل بالأساطير، حقق هرتزل معادلة "الأسطورة الجبارة " ذات الشعار التعبوي القومي الذي أطلقه وهو: فلسطين هي وطننا التاريخي الذي لا ينسى، وسوف يصبح هذا الاسم وحده صيحة الحشد الجبارة لشعبنا ـ نقلا عن كتاب دولة اليهود لثيودور هرتزل، ص 209.
وكانت هذه السياسة بالفعل هي نفسها التي نفذها تلاميذه وأحفاده بعد نصف قرن، حين أسسوا مستعمرة الخوف والإجرام الصهيونية، وفقا لأساليبه ونهجه السياسي القومي الاستعماري الإرهابي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وها نحن اليوم وبعد ما يزيد عن الـ14 عقدا من الخداع وشتى أنواع الإرهاب والإجرام الذي مارسته حكومات هذه المستعمرة بحق الشعب العربي الفلسطيني الأعزل، ما زلنا نراوح "نقطة الصفر" التي انطلقت منها جريمة هذا المسخ في قلب العالمين الإسلامي والعربي.
وباسم خرافاتهم القديمة التي خدعوا بها العالم إلى أساطيرهم الحديثة التي قامت على أساسها المؤسسة السياسية الإسرائيلية الحديثة اليوم، يسلك قادتهم الجدد كبنيامين نتنياهو الطريق الاستعماري الصهيوني نفسه، ويمارس اللعبة القديمة المتجددة نفسها، متمسكا بذات الشعارات القومية التي تمسك بها آباؤه الروحيون كهرتزل وحاييم وايتسمان وبن جوريون وجولدا مائير، لذلك لم يكن مستغربا أن يعيد ويكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طرح فكرة يهودية الأرض والدولة التي تحتلها المستعمرة الإسرائيلية الكبرى اليوم بفلسطين، ويصر عليها كشرط للحوار واستمرار السلام واشتراطه على طاقم السلطة الفلسطينية القبول أولا بيهودية الدولة الإسرائيلية، مدعيا أنه من غير المعقول أن نعترف بدولة للشعب الفلسطيني بينما لا يعترفون هم بدولتنا اليهودية.
وبالعودة قليلا إلى الوراء لا نجد أن هناك أي تغير يذكر على صعيد الرؤية الإسرائيلية الصهيونية المتطرفة إلى السلام في الشرق الأوسط بشكل عام، وتجاه القضية العربية الفلسطينية على وجه التحديد، وخصوصا أن نظرة نتنياهو اليوم أو غيره من قادة اليمين المتطرف أو اليسار الأكثر تطرفا، هي نفسها منذ استفحال هذا السرطان في قلب العالم الإسلامي وقلبه العربي النابض.
وكما نعرف بأن الصهيونية في إسرائيل ومنذ فترة طويلة جدا، تحاول انتزاع ذلك الاعتراف التاريخي، والذي يعتبرونه الإنجاز الأكبر لو تحقق في تاريخ الصهيونية الحديث، وكمحاولة منها لبدء مشروع الوطن الصهيوني المستقل، وهي الأداة التي ستعطي الدولة القدرة على سن القوانين (الرامية إلى مصادرة أراضي العرب باعتبار أن الاستيطان اليهودي واستيعاب الهجرة هي قيم أساسية ولو تناقضت مع حقوق المواطنين غير اليهود، ومن ضمنها حقوق الملكية، وكانت يهودية الدولة أساس سن قانون الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية من العام 1952 الذي يمنح هذين التنظيمين اليهوديين الدوليين مكانة خاصة، إضافة إلى الـ"قيرن قييمت"، الصندوق القومي اليهودي، وقيرن هيسود وغيرها، ويمنحها على رغم أنها مؤسسات غير رسمية مكانة قانونية في مجالات تملك الأرض والاستيطان واستيعاب الهجرة، وهي مهمات تعبر عن يهودية الدولة بامتياز).
وبالطبع فإن ذلك سيترتب عليه لو تم للإسرائيليين اليوم عدد من الجرائم التي سيتمسك بها الجانب الصهيوني بعد ذلك الاعتراف التاريخي المخزي، وعلى رأسها أحقية طرد أصحاب الأرض من الفلسطينيين من تلك المستعمرة التي يدعونها الدولة اليهودية، بل والقضاء على حق اللاجئين والنازحين في العودة إلى أرضهم بشكل نهائي، وسحب أي أساس تاريخي وقانوني للقرار الدولي رقم 194، كون تلك الأرض قد تحولت إلى أرض يهودية قومية خالصة ومعترف بها فلسطينيا وعربيا ودوليا على هذا الأساس، كما يحلم القادة الصهاينة منذ فترة طويلة.
كما سيعني ذلك كذلك (أنه يحق لإسرائيل أن تقول لنا بعد ذلك: (بأن هذه دولة يهودية، وبالتالي لا يجوز لأحد أن يستوطنها ما لم ينتمِ إلى الديانة اليهودية... وبما أن الديانة اليهودية هي ديانة مغلقة، على عكس المسيحية والإسلام، فسوف يوفر الاعتراف الفلسطيني بالهوية اليهودية لإسرائيل مشروعية قانونية في أن تتبنى إسرائيل سياسة قصر المواطنة فيها على من يحمل الهوية الدينية اليهودية دون غيره).
وقد ظلت تلك المطالبات على رأس أولويات القيادات الصهيونية المتوالية على إسرائيل من دون استثناء، منذ رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول؛ أي ديفيد بن جوريون والذي قال كذلك في هذا السياق: بأن دولة إسرائيل تختلف عن بقية الدول في عوامل إقامتها وفي أهداف إقامتها، فلقد قامت قبل عامين فقط، ولكن جذورها مزروعة في الماضي البعيد، وهي تنهل من ينابيع قديمة، نظامها ينحصر في سكانها، ولكن أبوابها مشرعة لكل يهودي بما هو يهودي. ليست هذه الدولة يهودية من ناحية كون اليهود غالبية سكانها، إنها دولة اليهود حيثما كانوا، وهي لكل يهودي يريدها.
ونتذكر في هذا السياق كذلك الإرهابي شارون الذي أكد كذلك وفي كثير من لقاءاته ومؤتمراته واجتماعاته على هذه الفكرة، وقد كان أبرزها ما صرح به في نهاية اجتماع العقبة في العام 2003م، كتأكيد للمسئولين الأميركيين وللرئيس أبو مازن حينها حول يهودية الدولة، حيث قال: إن دولة إسرائيل (هي دولة يهودية) نقية، وهي لليهود في إسرائيل وكل العالم، وحين نبهه وليم بيرنز أن هذا الأمر ليس في مصلحة الإسرائيليين ويبرزهم وكأنهم عنصريون،‏ رد شارون قائلًا:‏ إذا تركنا معادلة التكاثر السكاني على ما هي عليه الآن في إسرائيل،‏ فإن دولة (إسرائيل) ستنتهي لأن العرب سيحكمونها وأعلن أنه لم يقبل الذهاب إلى العقبة إلا مثل أن يعلن الأميركيون أن (إسرائيل دولة لليهود)‏ فقال وليم بيرنز هذا الأمر يعود إلى بوش وقد عاد الأمر إلى بوش فعلا فأعلن بملء الفم في العقبة مصطلح دولة لليهود وأضاف تنبض بالحياة.
وها هو امتداد الإرهابي شارون وأمثاله من قادة المستعمرة الإسرائيلية الكبرى اليوم؛ أي بنيامين نتنياهو يجدد الفكرة التاريخية القومية الصهيونية الاستعمارية القديمة المتجددة بمطالبته بأن تكون إسرائيل دولة يهودية قومية خالصة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ومن امتدادات سياسية واقتصادية وديموغرافية وغيرها، بل ويضع قبول العرب والمجتمع الدولي بوجه عام، والفلسطينيين على وجه الخصوص شرطا أساسيا لقبوله بالسلام مع العرب، فأي سلام هذا القائم على الإرهاب وعرض العضلات ومنطق القوة؟