الاتفاق على "تقييم الوضع الراهن" الذي أنتجه لقاء موسكو الثاني أمس الأول بين وفد الحكومة السورية ووفد المعارضة في الداخل يمكن أن يمهد الأرضية المناسبة للبناء عليها في اللقاءات القادمة، حيث تضمن البند المتفق عليه تسع نقاط من بينها تسوية الأزمة بالوسائل السياسية السلمية على أساس توافقي انطلاقًا من مبادئ "جنيف 1"، ومطالبة المجتمع الدولي بممارسة الضغوط الجدية والفورية على كل الأطراف العربية والإقليمية والدولية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، وبالرفع الفوري والكامل للحصار ولكل الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الدولة السورية، ونتائج أي عملية سياسية يجب أن تستند إلى السيادة الوطنية والإرادة الشعبية، وإنتاج أي عملية سياسية يتم بالتوافق بين السوريين (حكومة وقوى وأحزابًا وفعاليات) ممن يؤمنون بالحل السياسي، ودعم وتعزيز المصالحات الوطنية ومؤازرة الجيش والقوات المسلحة في عملية مكافحة الإرهاب، والحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وغيرها من النقاط.
وما من شك أن هذه النقاط تمثل منطلقًا حقيقيًّا نحو الحل السياسي الذي يحقق تطلعات جميع السوريين إذا ما توافرت الإرادة لدى جميع الأطراف وأكدت المعارضة ذاتها وأنها "معارضة وطنية" بالفعل، وآمنت إيمانًا جازمًا بأن تحقيق تطلعاتها والحصول على ما تطالب به وتنفيذ ما ترفعه من شعارات لا يتأتى إلا من خلال دورها المساند للجهود القائمة نحو تطهير سوريا من الإرهاب والتي يبذلها الجيش العربي السوري والقيادة السورية ومختلف مكونات الشعب السوري التي حملت على عاتقها مسؤوليتها الوطنية تجاه سوريا، والتعاون في إحقاق الحق وتجنيب سوريا ويلات الدمار والتخريب، وحماية الشعب السوري من ويلات الإبادة والتهجير القسري اللذين تمارسهما العصابات الإرهابية المدعومة من معسكر التآمر والعدوان، ولذلك فإن في المسائل الوطنية وبقاء الأوطان لا توجد مناطق رمادية، بل إنها غير مقبولة، ومعارضة الداخل مطالبة اليوم أن تؤكد وطنيتها من خلال القواسم المشتركة تجاه الدولة السورية، وتتبنى موقفًا صريحًا وواضحًا من الإرهاب قائمًا على سلسلة من الخطوات العملية لمحاربته لكي تتمكن من الحصول على ما تطالب به، وبالتالي والحال هذه من الإرهاب والدمار والتهجير والإبادة التي تقوم بها العصابات الإرهابية غير مقبول ولا مستساغ أن تقدم المعارضة مطلبًا هنا وآخر هناك، وورقة هناك وأخرى هنا، فهذا تشتيت للجهود وخروج عن الأولويات، تبدو المعارضة معهما أنها أنانية ولا يهمها إلا مصلحتها الخاصة والحزبية الضيقة، وهو ما يتناقض مع ما ترفعه من شعارات أنها تمثل جزءًا كبيرًا من الشعب السوري.
إن المعارضة السورية في الداخل مطالبة بأن تقدم شهادة استحقاقها بأنها "معارضة وطنية" حقًّا من خلال تأكيد ولائها للدولة السورية وللشعب السوري، على عكس ما يسمى "معارضة الخارج" التي تؤكد كل يوم وفي كل مناسبة أن ولاءها لأسيادها الأميركيين والأوروبيين والإقليميين وبعض العرب ولا يمكنها أن تخرج عن طوع أسيادها وإرادتهم، ولذلك فإن لقاءي موسكو كانا محكًّا حقيقيًّا وكفيلين بكشف الغطاء عن المتاجرين بحقوق الشعب السوري، والسماسرة الذين يعملون على تقديم رأس الدولة السورية لأسيادهم، حيث بدت التمنيات بفشل لقاء موسكو الثاني كما التمنيات مع اللقاء الأول علامة فاضحة في جبين التجار والسماسرة وعلى عمالتهم وعهرهم السياسي، وليس هناك علامة أفضح من حالة التلاقي والعلاقة العضوية بينهم وبين سيدهم الأول والطرف الأصيل في المؤامرة على سوريا ألا وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي.