بينما تؤكد الحكومة السورية أنها ذاهبة إلى الجولة الثانية لمؤتمر جنيف الثاني بروح الجماعة والمسؤولية الوطنية وأهمية الاحتكام إلى الشعب السوري حول ما يتمخض عنه المؤتمر من نتائج، يشهر معسكر المؤامرة وأدواته أسنة رماح التشكيك في الموقف السوري الرسمي، مستجمعين قواهم من أجل لوازم التعطيل إفساحًا لما بدأوه في الجولة الأولى لأن يأخذ مجراه الطبيعي من إعطاء الإرهاب وأدواته الجانب الشرعي، حيث تداعت قوى التآمر على سوريا دفاعًا عن الإرهاب الذي صنعته ودعمته منذ بدء الأزمة وإلى الآن.
وقد بدت حالة التشكيك واضحة قبل انطلاق الجولة الثانية للمؤتمر اليوم الاثنين والتي يبدو أنها ضرورة تفرضها طبيعة المعترك السياسي في مواجهة وفد سوري رسمي مخضرم محنك يحمل همًّا وطنيًّا وقضية شعب عادلة، وبالتالي فإن التشكيك في مصداقية الطرف السوري الرسمي وكيل التهم هو حيلة من لا حيلة له، إلى جانب أنها وسيلة تستدعيها ضرورة ستر التراجع في المواقف، فبعد أن أراد ما يسمى وفد "الائتلاف" المسمى اصطلاحًا معارضة أن يظهر ذاته أنه نائب عن الشعب السوري في عملية التفاوض صاعدًا أعلى الشجرة ملقيًا بكلمات أكبر منه وهو أقزم وأعجز عن الالتزام بها وليس تنفيذها، بالدعوة إلى التدخل العسكري الأجنبي والبدء بهيئة حكم انتقالي لا مكان فيها للرئيس السوري بشار الأسد، اضطر إلى تغيير لهجته بأن لا حل سوى الحل السياسي.
اليوم تبدأ الجولة الثانية لمؤتمر جنيف الثاني، وبحسابات الربح والخسارة، فإن الوفد السوري الرسمي يدخل معترك التفاوض بأوراق أقوى، في حين يحضر المؤتمر ما سمي اصطلاحًا بـ"المعارضة" ويداه فارغتان من كل شيء، حتى الأدبيات التي كان يتشدق بها سقطت، بل أسقطها من يديه عن إصرار وترصد برفضه الورقة السياسية التي تمثل مرتكزًا حقيقيًّا للحل السياسي للأزمة، وكذلك برفضه مشروع البيان لمكافحة الإرهاب، متمسكًا بالإرهاب خيارًا.
ولعل من بين أبرز أقوى أوراق الوفد السوري الانتصارات والإنجازات المتواصلة للجيش العربي السوري في مدينة حلب وحمص ودير الزور وغيرها، وكذلك نجاحه في ترتيب هدنة إنسانية من أجل إخراج المدنيين المحاصرين في حمص القديمة وتحريرهم من أيدي العصابات الإرهابية التي تتخذهم دروعًا بشرية، ونجاح المصالحة وتسوية أوضاع المسلحين في مناطق سورية متعددة كالمعضمية وبرزة وغيرهما، بالإضافة إلى مسيرات الدعم والتأييد للجيش العربي السوري والحكومة السورية والتي خرجت في عدد من المحافظات والقرى السورية، بعدما ضج أهلها بالممارسات الإرهابية والقمعية ونهب أقواتهم، يضاف إلى ذلك الاقتتال المستعر بين العصابات الإرهابية ذاتها بين ما تسمى "داعش" و"جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية".
على الجانب الآخر، وعلى الرغم من المخاوف الأميركية والأوروبية من خطر الإرهاب الذي تمثله العصابات الإرهابية ورفع مؤشر الخطر من عودتهم إلى الولايات المتحدة وأوروبا واعتبار ذلك مسألة أمن قومي، فإن الأميركيين والأوروبيين لا يريدون التخلي عن سياستهم الداعمة للإرهاب ولا الضغط على من يواليهم ويشغلونه لوقف التسليح وتجنيد الإرهابيين والمرتزقة، ولا يريدون أيضًا التعاون مع دمشق؛ لأنهم يرغبون في تدارك تبعات هذا التعاون قانونيًّا، وكذلك عدم الاعتراف بأحقية الموقف السوري وصوابيته، وباطل موقفهم وبالتالي افتضاح مؤامرتهم وأدوارهم أمام شعوبهم. ولذلك فإنهم ـ رغم هذه المخاوف ـ لا يتورعون عن الدفاع عن الإرهاب مصرِّين عليه خيارًا لتدمير سوريا وإهلاك شعبها، فمتى يا ترى يصحو المتآمرون ويتداركون سوء فعلتهم حتى لا تصل نار الإرهاب إلى أطراف أذيالهم، إذا لم يكن قد وصلت الآن؟