فوضى في قاعة المحكمة بسبب غياب الجناة

اخيسار (تركيا) ـ ا.ف.ب: علقت محكمة تركية إلى امس المحاكمة في قضية في أسوأ كارثة صناعية اسفرت عن مصرع 301 عامل منجم قبل حوالي السنة في سوما، في ختام جلسة سادها التوتر وصبت فيها عائلات الضحايا جام غضبها على المتهمين. وبطلب من الادعاء المدني، قرر رئيس محكمة اخيسار (غرب) التي تبعد كيلومترين عن مكان الحادثة، ارجاء بدء الاستماع لافادت الاطراف الرئيسيين في القضية وهم رئيس مجلس الادارة وسبعة مسؤولين آخرين في الشركة المستثمرة لمنجم الفحم. ويلاحق القضاء في هذه المحاكمة خمسة واربعين شخصا، منهم اكبر ثمانية مسؤولين في الشركة المستثمرة للمنجم، ملاحقين بتهمة الاهمال المتعمد لسلامة عمالهم، في اطار سباق محموم لتأمين الارباح.
وكان يفترض ان يدلوا بافاداتهم عبر الدائرة المغلقة من سجن ازمير (غرب) حيث يتم توقيفهم.
لكن فور بدء الجلسة اثار هذا الاجراء الامني استياء مئات من اهالي عمال المنجم ومحاميهم في المركز الثقافية لاخيسار الذي تحول الى محكمة. وقد هاجم بعضهم رئيس المحكمة وهتفوا "نريد العدالة" ما ادى الى دخول قوات الامن وسط الصفير. وفي نهاية المطاف قرر القضاة نقل هؤلاء المشبوهين الموقوفين في ازمير على بعد حوالى 80 كلم غربا، الى المحكمة للاستماع الى افاداتهم تلبية للطلبات الملحة لمحامي عائلات الضحايا الغاضبين. وبدأت المحاكمة المرتقبة في اخيسار وسط انتشار كبير للشرطة وحالة من البلبلة. ودان مئات من جهات الادعاء المدني بشدة غياب المسؤولين الثمانية المتهمين بـ"القتل" عن هذه الجلسة الاولى بعدما تحدثت السلطات عن تهديدات امنية. وفي خلاصة تحقيقه، طلب المدعي العام انزال اشد العقوبات بهؤلاء المسؤولين الثمانية المتهمين بـ "القتل" تصل الى السجن خمسة وعشرين عاما عن كل واحد من ضحايا الحادث.
ويلاحق بتهمة القتل غير العمد 37 شخصا آخرين من فنيين ومهندسي المنجم وموظفين في وزارة الطاقة كانوا مكلفين مراقبة المنجم، بتهمة القتل غير العمد. وقد هوجم هؤلاء المتهمون الذين حضروا في قفص الاتهام بعنف خلال الجلسة.
وقال ربة اسرة لاحدهم "ما هو المبلغ الذي حصلت عليه لتشغيلهم بهذه الطريقة؟". واكدت ارملة متوجهة الى متهم آخر "انت من انتزع زوجي من بيته لينزل الى الجحيم". ووصلت اسر الضحايا الى المحكمة في موكب رفعت خلفه لافتة سوداء كبيرة تحمل اسماء العمال البالغ عددهم 301 ولقوا مصرعهم في 31 مايو 2014.
وقال قريب احد هؤلاء مراد ايباك لوكالة فرانس برس "اريد ان يعاقب كل الذين اصدروا الاوامر وكل الذين قاموا بتشغيلنا بهذه الطريقة، على اخطائهم". وارسلت إلى مدينة اخيسار مئات اضافية من عناصر شرطة مكافحة الشغب، لضبط الامن في المركز الثقافي الذي تحول محكمة، فيما دعا عدد كبير من النقابات الى تجمعات تضامن مع عائلات الضحايا. وبعد سنة على التظاهرات المناهضة للحكومة في يونيو 2013، ايقظ حادث منجم سوما للفحم الحجري مشاعر الاستياء والغضب من رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، وهو رئيس الدولة حاليا، المتهم بأنه استخف بحجم المأساة وتغاضى عن اخطاء المسؤولين في المؤسسة المستثمرة للمنجم.
وقد وقعت المأساة بعد ظهر 13 مايو 2014 عندما اندلع حريق في احد ابار منجم الفحم الذي تملكه مجموعة سوما كومور، مما ادى الى احتجاز حوالي 800 عامل منجم كانوا يعملون على عمق مئات الامتار. وافاد التحقيق الذي اجراه القضاء ان الحريق امتد بسرعة الى عدد من الانفاق التي اجتاحتها ألسنة اللهب والانبعاثات القاتلة لاول اوكسيد الكربون. ولقي عدد كبير من العمال حتفهم محروقين او متسممين. وبعد اربعة ايام من عمليات البحث الطويلة، بلغت الحصيلة النهائية للكارثة 301 قتيل و162 جريحا.
وفي الاشهر التالية، اكد خبراء القضاء الافادات الاولية للناجين وزملاء الضحايا، بتحميلهم سوما كومور المسؤولية عن مجموعة من الاخطاء المتعلقة بتدابير السلامة، بدءا بعدم وجود اجهزة الكشف عن اول اوكسيد الكربون وصولا الى اقنعة الغاز السيئة التي يستخدمها العمال. وعزا المدعون سبب الكارثة ايضا الى "الافراط في استثمار" المنجم من قبل الشركة ورئيس مجلس ادارتها جان جوركان، المتهم الرئيسي في المحاكمة والذي كان يتباهى قبل الحادث بأنه خفض خمس مرات تكلفة انتاج طن الفحم.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قال سلجوق كوزاكاجلي المحامي عن المدعين بالحق العام، ان "ادارة الشركة كانت تدرك خطر الموت الذي كان يتهدد العمال. كان يتعين عليهم اقفال الانفاق لكنهم لم يفعلوا ذلك لحماية ارباحهم".
وقال احد زملائه اونال دمرتاش الذي يدافع عن ارملة احد العمال المتوفين "ينتمي هذا الحادث الى ازمنة غابرة، نحن في زمن الانترنت، ويعمد الى تشغيل الناس مثل العبيد". وقبل اقل من شهرين من الانتخابات النيابية في السابع من يونيو، اعلنت عائلات ضحايا انها تريد توجيه الاتهام الى الحكومة وخصوصا وزير الطاقة الحالي تانر يلديز الذي اعاد فتح المنجم باحتفال في 2013 وقال انه واحد من اكثر المناجم حداثة وامانا في العالم.
وبعد كارثة سوما، اقرت الحكومة قانونا لتشديد تدابير السلامة في المناجم. لكن حادثا جديدا وقع بعد خمسة اشهر وادى هذه المرة مجددا الى مقتل ثمانية عشر شخصا في احد مناجم كرمان (جنوب).