تتمة للنص السابق المتعلق بقضايا الغش والفساد الحاصل اليوم بين أروقة بعض المؤسسات وما يخطط له لكسب المزيد من الأموال على حساب المستهلكين، وبما أنّ الشتاء قد خلع أثوابه ليرتديها الصيف الذي يعد ذو نكهة خاصة لبعض التجار لكسب المزيد والمزيد من المال وفي ضوء ذلك سنسلط الضوء اليوم على قضية ربما غفل عنها كثير من المستهلكين ولم يدركها إلا القليل ربما لصعوبة إدراكها وفهمها وخصوصيتها الفنية إلا أنها مسألة ذات أهمية من الضروري البحث والتقصي في كنهها رغم أنها مسألة تم تدريسها في الحقول التربوية بيد أنها لم توظف عمليّا في الحياة العامة، حين تفطنت الهيئة العامة لحماية المستهلك لهذه الظاهرة المستترة فأصبحت سبّاقة للكشف عن التلاعب في أجهزة المعايرة فكثفت حملات التوعية والتفتيش لكثير من ورش التصليح فيما لا يقل عن(35) من المؤسسات المعنية بصيانة المركبات.
إنّها مسألة في غاية الأهمية تتعلق بقضية معايرة الأجهزة والمعدات سواء بورش السيارات أو في مجال صاغة الذهب والفضة أو ربما تتعلق بأجهزة الموازين والحسابات الأخرى التي يستدعي معايرتها حسب المواصفات والمقاييس العالمية الجودة أو ما يطلق عليها (ISO) يتمثل الطرح بطبيعة الحال لتقصي قدرات بعض الفنيين في المجالات أنفة الذكر على غش المستهلك بوعي أو دون وعي ومدى فهم المستهلك لمفهوم المعايرة ومدى إدراكه لخطورة الغش الذي ينتهي باستنزاف أمواله على غير وجه حق، فمن أدرك قيمة العلم ووظف ما تعلم لن يتمكن أحد من نهبه واستغلاله، أما من لم يدرك قيمة العلم واكتفى بما دون ذلك فسيقع عرضة للاستغلال والنصب وتفسير ذلك في أهداف ذات بعد مادي بحت فهل أدرك المستهلك مفهوم معايرة الأجهزة والمعدات بورش السيارات وغيره من المجالات الأخرى؟
إنّ مفهوم المعايرة هي عملية فحص المعدة أو الجهاز وتضبيطها حسب قياسات المنظمة الدولية للمقاييس والمواصفات نظام الجودة والتي غالبا يجيد العمل بها الفنيون أصحاب الورش وبعض المجالات الأخرى إلا انها عملية ليست معقدة الفهم وجب تعلمها ومعرفتها لاستيضاح مكمن الخلل والغش عند عدم معايرة الأجهزة الأمر الذي يؤدي إلى تسجيل قراءة خاطئة مغلوطة لقيمة الضغط أو الشد المراد قياسه وتحديده مثال ذلك قيمة ضغط غاز الفريون بنظام تكييف السيارات فكلما اعطيت قيمة أكبر للضغط كلما ساعد ذلك على تلف الأجزاء المكونة لنظام التكييف وخاصة الضاغظ أو ما يتعارف عليه بمسمى (الكمبريسر) فنقطة الخطأ المقصود هي أن الفني أو المختص الذي يعمل في مجال إصلاح المكيفات يعلم جيدا بأن الجهاز الذي يقيس به ضغط الغاز لم يتم معايرته وتحديثه حسب المقاييس والمواصفات المطلوبة والتي يجب معايرتها وتحديث مقاساتها كل ستة أشهر على أقل تقدير وبذلك يعد غشا واضحا دون أن نعي خطورة ذلك الغش حيث يخبرك في تقريره بعد المعايرة بأن جهاز الكمبريسور معطل بيد أنه قبل دقائق كان يعمل بشكل طبيعي إلا أن عدم معايرة جهاز الفحص أدت إلى أخذ قراءة خاطئة بدورها قام الكهربائي بتقديم العلاج بشكل خاطئ دون وعي أو بوعي فتعرض الضاغط إلى التلف .
إن الوعي وتثقيف الذات من خلال البحث والمطالعة والتعرف على المستجدات العلمية من خلال المصادر المتاحة لأمر بات اليوم من الواجب إدراكه ومعرفته وفهمه من جميع المستهلكين تجنبا للوقوع ضحايا الغش والخداع المؤدي إلى تلف الأموال وتسخيرها للآخرين من هنا لا بد من متابعة التطورات العلمية في المجالات التي نحتاجها على وجه الخصوص والمجالات الأخرى عموما. فعند رغبة المستهلك صيانة جهاز التكييف أو شراء المعادن من الذهب والفضة وغيرها أن يطلب شهادة المعايرة والمقياس للجهاز المستخدم في قياس الضغط أو الوزان حسب الرقم التسلسلي الموضح أسفل كل جهاز وأن تكون حديثة ومعتمدة من الجهات ذات الاختصاص.
بما أن مجال الصيانة واسع في ورش العمل ومجال البيع في الذهب والفضة وغيره من الاوزان فيعنى أن مجال الغش كذلك واسع ومتعدد وفي ضوءه وجب التقصي والبحث عن مثل هذه الظواهر المخفية عن الأنظار حماية وحرصا للمستهلك فنوصي الجهات المعنية ذات الاختصاص أن تعمل جاهدة على توعية المستهلك وإرشاده وتوجيهيه ونشر ثقافة فهم أجهزة المقاييس والمعايرة وإدراكه أهمية استيعابها للحد من الوقوع ضحايا الغش كما نوصي كذلك الجهات ذات العلاقة إلى إلزام الورش التي تقوم بصيانة وإصلاح مكيفات السيارات بمعايرة جميع أجهزتها مع تكثيف الرقابة من مصداقية المعايرة من قبل الجهات المختصة كما نوصي المستهلك إلى رصد التطورات العلمية المتلاحقة والواسعة التي يحظى بها هذا المجال وضرورة تتبع هذا الحقل المملوء بالثغرات كي لا يصبح صيدا سهلا في فخّ الغش والاحتيال .

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]