[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
ماذا ينبغي أن يفعله المواطن عندما تقدم الآليات والمعدات على هدم بيته بحجة المصلحة العامة ولم يتم معه حسم مشكلة الملكية؟ هل المطلوب من هذا المواطن واسرته أن يتفرجوا على عمليات هدم بيتهم أو المطلوب منهم أن يظلوا بعيدا حتى لا يتهموا بجريمة التجمهر؟ اي مثالية ننشدها إذا كان هذا هو فعلا ما تم التفكير فيه في قضية مشروع تطوير منطقة الحافة؟ وهنا نتساءل، هل كان هناك رهانا على استخدام سلاح التجمهر لتمرير عملية هدم ما تبقى من بيوت قديمة (وهي قليلة جدا) في الحافة ترفض التعويض لعدة اعتبارات موضوعية؟ وهي مقدرة، ويقدرها عاليا كل مطلع على قضيتهم، وللإجابة على التساؤل الاخير والمهم، نجيب صراحة أن الواقع وإن لم تكن وراءه نية القصد والاصرار ، لكنه بدأ كذلك ميدانيا.
وهنا، يبدو لنا التلويح بتهمة التجمهر علانية وفي الميدان، بمثابة ترهيب المواطنين للتنازل عن حقوقهم التاريخية، ولا ينبغي ابدا التلويح بهذه العبارة ابدا الا إذا توفرت شروطها القانونية، فليس تواجد عشرة أشخاص أو أكثر يدافعون عن حقوقهم ينبغي أن نرهبهم بغول التجمهر، فهذا قمة الشطط في استخدام السلطة، ولا مكان لهذه التهمة في قضية المواطنين الذين تفاجأوا بآليات ومعدات الشركة تنوي هدم منازلهم قبل ان يتم تسوية ملكياتها، ينبغي أولا التحقق في اهداف التواجد الميداني، من حيث الاسباب والنتائج قبل الحكم المسبق على الظواهر، والشروع في عملية هدم البيوت القديم قبل القيام بعملية التسويات مع مالكيها لابد التوقع أن ينتج عنه تجمهر، والتجمهر يعاقب عليه القانون بالسجن من (شهر ـ سنة) وبغرامة مالية لا تتجاوز مائتي ريال كل من اشترك في تجمهر مؤلف من عشرة على الاقل بقصد الاخلال بالنظام العام، فهل الاهالي كانوا يسعون الى المساس بالنظام العام؟ تحققوا قبل اصدار التهم حتى لا نخلق واقعا احتكاكيا نندم عليه، ومن البديهيات أنه لا يمكن تصور ان يظل المواطن بعيدا عن الحدث، وغير متفاعل معه، وبيته تقتلع غصبا عنه بأمر إداري وليس قضائيا، أنها مثالية مفترضة في مجتمع الكل يعرف خصائصه البنيوية والسيكولوجية، وانها تضع علامات استفهام كبيرة حول تفكير وعمل اللجنة الوطنية /المحلية التي أؤكل اليها مسئولية الاشراف على قضية التعويضات والتثمينات وتطوير منطقة الحافة إذا كانت تعتقد أنها ستتمكن من هدم البيوت العالقة دون حسم القضية مع مالكيها أولا، فهذا التصرف يحمل في طياته ومنذ الوهلة الاولى علما مسبقا وبوعي مرتفع، بأن هكذا تصرف سينجم عنه اشكالياته واحتكالات ميدانية، وقد كادت تحدث لو لا حكمة رجال الشرطة في الميدان الذين أوقفوا عمليات الهدم مقابل فك التجمع (التجمهر)، ورغم أنها انفكت سريعا الا أن وصلت طولا وعرضا بسرعة البرق عبر وسائل التوصل الاجتماعي، واخذت تصطبغ بعبارة التجمهر، وهي عبارة نرفض اطلاقها على أصحاب الاملاك شكلا ومضمونا، فالتجمهر تهمة تكون غالبا ذات توصيف سياسي، فاعليها يكونون نشطاء حقوقيين أو سياسيين أو تجمع منظم ويودي الى شغب والمساس بالنظام العام، ولن ينطبق على اسرة أو اسرتين تدافع عن ممتلكاتها، فهل دفاعهما مثلا سيؤدي الى المساس بالنظام العام وفق قانون التجمهر ؟ وهنا نتساءل من يمس بأمن من ؟ ومن يعتدي على حقوق من ؟ وهناك مجموعة تساؤلات أخرى ينبغي أن تطرح على هذه اللجنة، وهى، ماذا كانت تفعل طوال أكثر من (5) سنوات منذ أن أسند اليها المشروع من اللجنة العليا لتخطيط المدن (المنحلة)؟ بمعنى لماذا لم تعمل على تسوية هذه القضية مع هؤلاء المالكين قبل أن تصل الامور الى ما وصلت اليه مؤخرا ؟ الكرة في ملعب اللجنة لا ملعب المواطنين، والكل يعلم أن وراء الرافضين للتعويضات مبررات موضوعية ويقدرها كذلك من التقينا بهم من اعضاء اللجنة، فلماذا لم يترجموا قناعاتهم الى حل هذه القضية حتى الان ؟ وكيف تركوها حتى كادت تنتج إكراها في مرحلة لن تتحمل اية إكراهات ؟ والتساؤل الذي نفكر فيه بمنهجية المقارنة، كيف سارت اللجنة بنفس الية عمل بلدية ظفار على مشروع الجسور على شارع الرباط ؟ فقد بدأ العمل في هذا الشارع ولم تحسم قضية التعويضات نهائيا، فتعرقل المشروع، ودخل في الآجال الزمنية الطويلة وغير محددة الانتهاء .. واعطى صورة سلبية للمؤسسات .. والآن تتكرر اللجنة الرفيعة المستوى نفس خطأ مشروع شارع الرباط، فما هو العامل المشترك الذي يربط بين المشروعين ؟ فلماذا لم يستخدم القوة في الازالة المنشآت على هذا الشارع مثل محاولة الشركة القيام به في منطقة الحافة؟ في هذه الجزئية يكثر الحديث عن الازدواجية المثير للجدل، هل بسبب تعدد الجهات المؤسساتية رغم وحدة السلطة ؟ وكيف نفسر العامل المشترك الجامع بينهما وهو، البدء بالمشروع دون حسم قضية التعويضات ؟ لابد أن تنفتح اللجنة على قضية الرافضين للتعويض، وهم لا ينحصرون في الإشكال الاخير وإنما يشمل كذلك اصحاب البساتين على الواجهة البحرية والاملاك الكبيرة، ونقول للتعويض وليس لنزع الملكية ، فالكل موافق على مرسوم النزع، لكن، من، وكيف، نقنع المواطنين بمبدأ ،، الارض في الحافة بمقابل أرض أخرى في اي مكان من منطقة جرزيز أو في اي مكان من المناطق الجديدة في صلالة،، في وقت لم يطبق الارض مقابل الارض على آخرين ممن قبلوا التعويض واستلموا مبالغ التثمين، ويقول ممن التقينا بهم من الرافضين، أنه قد تم تجاوز ذلك المبدأ لبعضهم... وهم يستحقون من حيث المبدأ، لكن، لماذا هذا الاستحقاق حصريا على البعض دون الاخرين؟ هكذا يتساءل الرافضون؟ وسبب هذا التباين، أن ارض الرافضين أكبر ... من اراضي الموافقين .. فهل هذا معيار مقنع ؟ كما كيف نقنع ورثة (...) فيهم أرامل ويتامى وباحثين عن عمل متزوجين، وعائلهم الوحيد املاك دخلها الشهري (17) الف ريال عماني، ولو اجرينا حسبة سريعة، فسوف يكون المبلغ (مليونين واربعين الف) ريال طوال عشر سنوات، وفق رسالة منهم موجهة لمعالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار بتاريخ 2/5/2015، كيف نقنعهم وبسهولة بمبدأ الارض مقابل الارض وفي اي مكان؟ خاصة إذا ما علمنا بأن املاكهم تقع على مساحة تقدر (3052م2) وتقع في منطقة تجارية وسوق شعبي قديم وهو سكني تجاري مقابل سوق الحصن، وعمرها تقريبا (75) سنة وبها (21) دكان غير المخازن الخلفية، كيف نقعنها بمبدأ الأرض مقابل الارض بكل بساطها ؟ وقد قدم لها البديل في منطقة لا تتوفر فيها اية خدمات، بعض هؤلاء الورثة قد جلسوا معنا ، وكانوا مستاءين كثيرا من تطور نزع ملكيتهم، فقد كانت النسبة (800متر2) في عهد اللجنة العليا المنحلة، وقد قبلوا الأمر واستلموا التعويض وظل الخلاف قائما على موقع الارض، والان اللجنة الجديدة الرفيعة المستوى الوطنية /المحلية تلزمهم الان بالنزع الكامل اي ((3052م2) ، وقدم لهم مقابلها نفس المساحة في منطقة لا تتوفر فيها الخدمات، كيف يمكن أن يقبلوا هذا العرض مقابل ارضهم التي تدر عليهم الاف شهريا، وتعيل تلك الحالات والفئات الخاصة ؟ وقد لمسنا من احاديثهم كما قرأناه صراحة في رسالة ثانية لوزير الدولة ومحافظ ظفار بانهم متوجسون من تحول النزع من جزئي الى شامل، وقد قالوا فيها اي الرسالة ان وراءها مطمع شخصي.
الخلاف وارد في قضايا نزع الملكية، وفي منطقة الحافة معظمه قد تم تسويته، ولم تبق سوى قضية اصحاب العقارات والبساتين الكبيرة التي تطل على الواجهة البحرية للمحيط الهندي، وفي ظل هذا الخلاف، لا يمكن لأي طرف منهما أن يفرض رائه بالقوة حتى لو استندت اللجنة الى مرسوم نزع الملكية، فالمرسوم يشترط مقابل ذلك ،، التعويض العادل ،، وهذا النوع من التعويض يحتم تقدير الميزة النسبية للأراضي، وليس ابتلاعها برعب المصلحة العامة، فهذه الاراضي بعد نزع ملكيتها ستتحول الى مشاريع سياحية وترفيهية تدر المليارات على اصحابها، وهنا يأخذ مفهوم ،، التعويض العادل ،، تقديرات مختلفة، لا تستدعى من تجارب سابقة، ولا لاحقة، وإنما تقدير بأوزانها الذاتية ، بل ووفق كل حالة ، فداخل هذا التقدير الخاص، هناك مزايا نسبية ينبغي أن تقدر وفق اهميتها النسبية ، وهنا الحلقة المفقودة في الاشكال الذي وصلت تداعياته الى تداخل الحق المدني بجريمة سياسية وأمنية، من هنا ينبغي أن يحسم الخلاف بإحدى الطريقتين بدلا عن يترك معرقلا لهذا المشروع الهام جدا، الاولى، تعيين مكتب متخصص يثمن الارض ويقدر التعويضات من حيث ماهيتها المتوازية أو عرض الاشكال على القضاء ويكون له كلمة الفصل على الكل، والا، فإن مشروع تطوير منطقة الحافة ستعرقل أكثر من عرقلة مشروع الجسور على شارع الرباط، وسوف يكون قدر مستقبل مشاريعنا على هذا المنوال إذا استمرينا في تأجيل حسم الخلافات وفق نموذجي شارع الرباط والحافة .