تغطية ــ خلفان الزيدي وسالم السالمي :
جنبات نزوى كانت عامرة بالعلماء ومنازلها ومكتباتها مزدانة بمؤلفاتهم القيمة التي نهل منها كل طالب للعلم من القدم وحتى هذا العصر

نـزوى معلما جغرافيا تجلّى فيما يمكن تسميته بعبقرية المكان

اختتمت ندوة "نـزوى في الذاكرة الثقافية" التي تقام ضمن فعاليات الاحتفاء بنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2015م يوم أمس جلساتها في قاعة الشهباء بجامعة نزوى، بعد يومين حافلين بأوراق العمل والبحوث التي سلطت الضوء على المصادر المكتوبة وغير المكتوبة لمدينة نزوى ولمعالمها ولأعلامها قديما وحديثا. وقد تم في ختام أعمال الندوة تقديم تقرير لجنة الصياغة، الذي أكد على أهمية الندوة، وما تم طرحه فيها من أوراق عمل تعتبر الأساس لبحوث أكثر اتساعا وشمولية، وتغطي جوانب أشمل في مدينة نزوى، وتشجيع الباحثين والطلبة على استقصاء الجوانب التاريخية والعلمية والفكرية لمدينة نزوى ودراستها بشكل علمي وممنهج.

نزوى في الذاكرة الثقافية الإسلامية
وكان يوم أمس قد شهد طرح أربعة محاور قدمت في أربع جلسات، بدأت بجلسة ترأسها الدكتور محمد بن سالم المعشني رئيس قسم اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس، وحملت الجلسة عنوان "نزوى في الذاكرة الثقافية الإسلامية" وأستهل أوراقها الدكتور راشد بن علي الحارثي، وتناول موضوع نزوى في الذاكرة الفقهية.
وقال الباحث: إن نـزوى اسم لامع معروف في الكتب الفقهية وعند الفقهاء، متسائلا هل يعد لمدينة ما يعد لنزوى من علم وفقه وعلماء ومؤلفات ومدارس فقهية، وموضحا إن المجالات التي تذكر فيه نزوى في الذاكرة الفقهية تعددت، ومن هذه المجالات ما ذكرت فيه نزوى من مسائل فقهية عملية سواء أكانت هذه المسائل وقعت في مدينة نزوى أو إنما تذكر فيها نزوى من باب التمثيل والبيان وذلك لارتباط هذه المدينة العريقة بالفقه والفقهاء وأيضا من الملاحظ أن نزوى تختص عند الفقهاء بذكر نوع من أدوات القياس وهي المن النزوي وكثيرا ما يأتي ذكره في كتب الفقهاء.
أما المجال الثاني من مجالات ذكر نزوى في الذاكرة الفقهية، فأشار إليه الباحث من خلال ما أنتجته هذه المدينة من إنتاج في المجال الفقهي سواء أكان علماء أو مؤلفات، مؤكدا إن جنبات هذه المدينة كانت عامرة بهم ومنازلها ومكتباتها مزدانة بهذه المؤلفات القيمة التي نهل منها كل طالب للعلم من القدم وحتى هذا العصر.
وتطرق الباحث إلى المجال الثالث هو مدرسة نزوى الفقهية وآراء هذه المدرسة في الفقه وشبيهه، وقال: لقد امتازت هذه المدرسة بانفرادها وإجماع أهلها في بعض المسائل الفقهية مما حدا ببعض العلماء أن يقول هذا رأي المدرسة النزوانية أو رأي أهل نزوى وهو مذكور ومنصوص عليه في بعض كتب الفقه.
كما تناول الباحث تفصيل هذه المجالات وأبرز ما لنزوى من دور وأهمية في كتب الفقه وذلك باستقراء العديد من كتب الفقه الإباضي العماني وغير العماني.
وقدم الدكتور محسن بن حمود الكندي ورقته الثانية في الجلسة الأولى ليوم أمس وكانت بعنوان "نزوى في الذاكرة الأدبية، مستقرئا حضور المكان في الذاكرة الأدبية العمانية ممثلا في مدينة نزوى بصفته معادلا موضوعيا لبنى دلالية لها وقعها في بناء الأجناس الأدبية المختلفة, وتنطلق من تخوم المكانة الحضارية والتاريخية لهذه المدينة العريقة ودورها في تشكّـل الذهنية العمانية قديما وحديثا مما يجعل منها نموذجا قارا لتأثير خاصية المكان في التجربة الأدبية.
وابرز الباحث ذلك من خلال عدة معطيات منها، كون نزوى معلما جغرافيا تجلّى فيما يمكن تسميته "بعبقرية المكان"، فنزوى كما يصفها الباحثون والمؤرخون هي بيضة الإسلام, وتخت العرب، وروضة الدين، وحاضرة العلم، وعاصمة الأئمة، ومدينة التراث، والواحة الخضراء.
كما إن كون نزوى معلما تاريخيا تجلّى في التراث المعماري الماثل على أرضها من قلاع إلى حصون إلى أبراج إلى مساجد إلى حارات إلى أسواق ما زالت تثير الزائر بروعة بنائها وبقائها شامخة رغم مرور الأزمنة وتعاقب الأيام.
وكون نزوى معلما تربويا تجلّى في المدارس والجوامع ودور العلم، والتي جعلت منها مقصد طلاب العلم، ومهوى أفئدة الباحثين من كافة أصقاع القطر العماني وخارجه.
وكون نزوى معلما اجتماعيا تجلّى في الأسس القبلية المتينة التي نمت على ترابها، جعلت منها موطنا لقبائل وعشائر حافظت على الدوام على قيمها وعاداتها وتقاليدها الطريفة والتليدة.
وكون نزوى معلما سياسيا تجلّى في الحراك السياسي الذي جرى على أرضها في مختلف العصور، فالأحداث الفارقة في تاريخ نزوى المدينة شكّلت منعطفا تاريخيا في تاريخ الوطن بأسره، فنشوء الدول وتعاقب الأنظمة جعلها في صدارة المدن العمانية الأكثر تأثيرا في مخيلة الأدباء الأمر الذي عزز الأدب السياسي الذي يعدّ من أكثر الأغراض توهجا وحيوية.
وكون نزوى معلما أدبيا تجلى في العدد الكبير من الأدباء الذين قدّمتهم الكتب التاريخية والفقهية والمدونات الوثائقية وربما لم تحط بهم الدراسات بشكل منهجي كاف.
وتطرق الدكتور عيسى بن محمد بن عبدالله السليماني في ورقته إلى عنوان نزوى في الذاكرة العلمية، وقال إن ورقته تسعى لتقف عند محورين أولهما المدارس العلمية التي أنجبتها هذه المدينة مثل مدرسة جامع نزوى (جامع عقر نزوى)، ومدرسة جامع سمد نزوى، ومدرسة جامع سعال نزوى، ومدرسة الشيخ أبو علي أحمد بن الحسن العقري النزوى، وغيرها من المدارس النزوية.
بينما يأتي المحور الثاني ليسلط الضوء على تلك الأسر العلمية التي أنجبت علماء هذه المدينة متعانقة مع تلك المدارس العلمية، ومنها أسرة بني كندة، وأسرة بني مداد، وأسرة الشيخ محمد بن صالح النزوي، وأسرة بني محمد بن سليمان، وأسرة بني سيف، وأسرة بني عفيف، وأسرة بني روح، وأسرة بني عباد، وأسرة بني رقم، وأسرة بني عوف، وسرة بني مفضل، وأسرة بني مفرج الرياميين القاطنيين العين من الجبل الأخضر، وغيرها من الأسر العلمية النزوية .
نحو بناء معجم جغرافي حضاري
وحملت الجلسة الثانية يوم أمس محور "نحو بناء معجم جغرافي حضاري للحارات والأوقاف والطرق والمزارع النزوانية القديمة"، وأدر هذه الجلسة سعيد بن محمد الهاشمي، وأستهل أوراقها الدكتور محمود بن سليمان الريامي بورقة الأسس العلمية لبناء المعجم الجغرافي: مدينة نزوى نموذجا.
وأشار الباحث في ورقته، إلى أن مدينة نزوى ــ شأنها شأن أغلب المدن العمانية القديمة ــ تعد حقلا حضاريا وإداريا وجغرافيا منضبط الحدود واضح المجال مستقر التسمية لحاراته ومزارعه وطرقه ومساجده وأوديته وشعابه ومرافقه المختلفة، ذلك أن كل مجال جغرافي - صغر أو كبر- له اسم خاص يحيل إليه ويعرف به.
وقال الباحث إن ورقته تهدف إلى وضع تصور علمي منهجي قائم على النظرية المعجمية، يسعى لوضع الأسس العلمية لبناء معجم جغرافي لمدينة نزوى، وتعالج في هذا الشأن جملة من القضايا أهمها (تحرير المصطلحات، الأسس النظرية لصناعة المعجم الجغرافي لنزوى، والأسس العملية لصناعة المعجم الجغرافي لنزوى، قضايا الجمع المعجمي من مصادرها الشفوية والمدونة وما يحيط بها تلك المصادر من إشكالات وقضايا، والمستويات اللغوية والحقول الدلالية، وقضايا الوضع المعجمي من قضايا الترتيب الخارجي والداخلي ومستويات الترتيب الثلاثة (الخارجي، وترتيب الأبواب، وترتيب الشروح) والترتيب النطقي والجذري للكلمات المفردة أو المركبة وقضايا التعريف المعجمي والشروح ومستوياتها المختلفة والحوسبة المعجمية
وقدم الباحث علي بن حمود بن سيف المحروقي الورقة الثانية في الجلسة والتي تمحورت حول مفردات الحارات النزوانية، تناول فيها الحارات العمانية باعتبارها أحد أهم مفردات التراث الثقافي للسلطنة، حيث تشكل بما تحتويه من مفردات معمارية وتاريخية سجل لإنجازات الإنسان ودليل على تقدمه الحضاري، وتبقى القرى الأثرية الذاكرة الحية والمعين الذي تستلهم منه الأجيال المتلاحقة ثقافتها وأصالتها، كما أن المحافظة على المدن والقرى الأثرية بالسلطنة يعني المحافظة على العادات والتقاليد والقيم العمانية الأصيلة.
وقال الباحث: تشترك الحارات في سمات عامة أهمها التشابه في التخطيط وأسلوب البناء ومواده، وذلك بالرغم من الاختلاف في حجم وتعدد المرافق طبقا لموقع كل حارة ومواد البناء المستخدمة في تشيدها.
وقال: إن مفردات الحارات النزوانية تتشابه تبعا للموقع الجغرافي للحارة ومادة بنائها، فالحارات المبنية على الأراضي المنبسطة وعلى ضفاف الأودية تتضح ملامح عنصرها المعمارية الدفاعية والدينية والمدنية، بينما تغيب تلك الملامح بالنسبة للحارات المبنية بالحجارة وفوق الجبال.
وقدم الدكتور سالم بن عامر الحوقاني ورقة حول مفردات الطرق والمزارع والأفلاج النزوانية القديمة: دراسة ومعجم، أشار من خلالها إلى أن تناول المفردات الحضارية لمجتمع ما بالبحث والدراسة يعد تأصيل لنتاج ذلك المجتمع، وإذا نظرنا لتلك المفردات وتطورها الدلالي واللغوي لوجدنا دينامكية مستمرة عبر عصور مختلفة، منها تأتي هذه الورقة البحثية لتسلط الضوء على جزء صغير من مفردات الطرق التي شاعت عند أهل نزوى، يتلو ذلك مفردات المزارع والزراعة وما يعلق بها، ولمصطلحات الأفلاج نصيب في هذه الورقة لأنها كانت وما زالت تكون عمود أساسي من مكونات المجتمع العماني.
إسهام المؤسسات الثقافية النزوانية
الجلسة الثالثة ليوم أمس حملت عنوان "المؤسسات الثقافية النزوانية وإسهامها في الحركة العلمية العمانية"، وأدارها الشيخ صالح بن سليم الربخي، وأستهلها الدكتور خلفان بن زهران الحجي، بورقة حول المكتبات وتاريخها في نزوى، أشار من خلالها إلى ثلاثة عوامل أساسية، قال إنها لو توافرت لأي مجتمع أدت إلى ظهور الحركة العلمية والإهتمام بالكتب والمكتبات هي والبعد الحضاري و الاستقرار السياسي و الإزدهار الإقتصادي،، وكلها عوامل توافرت للبيئة العمانية فترات من الزمن. فالاكتشافات الأثرية توحي بأن الحضارة العمانية امتدت جذورها إلى آلاف السنين قبل الميلاد.
أما الاستقرار السياسي، فعلى الرغم من مرور فترات من عمر الزمن شهدت فيها البلاد اضطرابات أمنية وتصدعات سياسية، إلا أن التاريخ يشهد أيضا أن النظام السياسي العماني من أقدم الأنظمة في العالم سواء النظام الملكي الذي ساد في البلاد حقبا من الزمن قبل الإسلام وبعده، أو نظام الإمامة الذي تميزت به عمان بعد الإسلام. والاستقرار السياسي ونشأة الحضارات مرتبط ارتباطاً وثيقا بالازدهار الاقتصادي الذي تشهد على وجوده بعمان الكثير من الشواهد الأثرية والروابط التجارية مع حضارات العالم القديمة.
ومن هنا فإن ظهور حركة علمية قوية في عمان وما صاحبها من اهتمام بنسخ الكتب واقتنائها ونشأة المكتبات بمختلف أنواعها ما هو إلا نتيجة طبيعية للتراكم الحضاري والثقافي للبلد.
وقال الباحث إذا كان التاريخ يشير إلى ازدهار العلم والمعرفة في كثير من الحواضر العمانية، فإن مدينة نزوى اتخذت موقعاً متميزاً لها كعاصمة علمية وسياسية لعمان لفترات طويلة منذ القرن الثاني للهجرة عندما انتخب فيها الإمام محمد بن أبي عفان سنة 177هـ فتوافرت لها سبل الازدهار العلمي والثقافي التي انعكست على وفرة المدارس العلمية وكثرة وغزارة المؤلفات العلمية فيها. وهو ما أنتج اهتماماً بارزاً بنسخ الكتب وإنشاء المكتبات. ولعله ليس من المصادفة أن يكون أول الكتب العمانية هو ديوان الإمام جار بن زيد الذي نشأ في قرية فرق من مدينة نزوى، الذي يعتبر - رغم فقده - الأصل الذي استقت منه المصادر العلمية اللاحقة كثيراً من مسائل الفقه والفكر التي حملها تلاميذه وتابعوه.
موضحا أن هناك مؤشرات على وجود المكتبات بنزوى منذ العصور الهجرية الأولى، فالمتأمل في غزارة مؤلفات القرنين الخامس والسادس للهجرة، كبيان الشرح للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم الكندي الذي يقع في 73 جزءاً، والمصنف للشيخ أحمد بن عبدالله الكندي في 42 جزءاً والكفاية للشيخ موسى بن عبدالله الكندي في 50 جزءاً، وكل هؤلاء من أسرة واحدة، يدرك أن البيئة التي عاشوا فيها جمعت من مصادر العلم الشفوية والمكتوبة ما مكنهم من تصنيف تلك المؤلفات العظيمة.
وأستشهد الباحث بما أشار إليه عدد من الباحثين إلى وجود مكتبات خاصة وعامة بمدينة نزوى فيها ما هو ملحق بالمساجد أو بالحصون. فجامع نزوى في عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي عرف بأنه جامعة للعلم يحج إليها الطلبة من كل أنحاء البلاد. ولا يمكن لمكان مثل هذا أن يخلو من بعض المراجع العلمية التي يمكن لطالب العلم أو المعلم أن يلجأ إليها للبحث والاطلاع. ومن المكتبات التي شاع ذكرها مكتبة الشيخ خلف بن سنان الغافري التي قيل أنها حوت عدداً كبيراً من الكتب في مختلف فنون العلم. ومكتبة العلامة الشيخ بشير بن سعيد بن عبدالله الصبحي التي تعهدها بالعناية والاهتمام زمناً طويلاً إلى أن تقدم به العمر.
كما عرفت مكتبات أخرى كمكتبة السيفيين التي تشمل كتبا للمشايخ السيفيين محمد بن خميس وسعيد بن ناصر وأخيه أحمد بن ناصر. ومكتبة السليمانيين التي يقال أنها جمعت الكثير من المؤلفات والكتب. ومكتبة العلامة الشيخ سالم بن سيف بن هلال بن محمد البوسعيدي في عقر نزوى و التي حوت كثيراً من الكتب التي يقال أنها بيعت بعد وفاته. ومن المكتبات القديمة أيضاً مكتبة المفضليين التي كانت مقصداً لطلبة العلم . ومكتبة المعادة نسبة إلى آل أمعد بمحلة العقر في نزوى ويقال أنها آلت بالشراء إلى وزارة التراث والثقافة.
وتناول الدكتور علي بن سعيد الريامي في ورقته المعنونة بالمدرسة النزوانية: النشأة والمنطلقات الفكرية، المدرسة النزوانية باعتبارها تعد أحد النتاجات الفكرية المباشرة للنقاش الدائر حول قضية اعتزال الإمام الصلت بن مالك الخروصي (272هـ/885م)، تلك القضية التي أثارت جدلاً فكرياً واسعاً، وردود فعل متباينة بين من عاصر ذلك الحدث من العلماء والزعماء السياسيين منذ الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي.
وقال الباحث: استمر ذلك الجدل واتسع في القرون اللاحقة للحدث، وهو الجدل الفكري المعروف في التاريخ العماني والذي كان بين المدرستين الرستاقية والنزوانية، وبالأخص بين قطبي المدرستين: الكدمي أبو سعيد محمد بن سعيد المحسوب على المدرسة النزوانية إن لم يكن رائدها وعميدها الذي تبنى موقفاً معتدلاً آثر فيه الوقوف من المشاركين في القضية، وابن بركة أبو محمد عبد الله بن محمد، المحسوب على المدرسة الرستاقية والمنظر الرئيس لأفكارها الذي تبني موقفاً متشدداً ممن كان له دور في الدفع بالإمام الصلت إلى الاعتزال.
وأضاف: رغم اختلاف المدرسة النزوانية مع الرستاقية في مسائل الولاية والبراءة والوقوف كموقف سياسي اتخذته إزاء الأقطاب المشاركة في موضوع قضية الإمام الصلت، إلا أن المدرسة النزوانية حاولت أن تؤسس لمبدأ قبول الأخر رغم الاختلاف؛ من خلال دعوتها إلى الوفاق ونبذ الخلاف في قضية أصبحت في رأي منظريها جزءاً من الماضي، وفي قضية حسب وصف مفكريها إنما هي دعاوى تحتمل الصواب والخطأ، معتبرين إياها من القضايا التي يسع جهلها ولا يكلف العلم بها.
وسلط الباحث الضوء على الظروف التاريخية لنشأة المدرسة النزوانية من جهة، والوقوف على منطلقاتها الفكرية من جهة أخرى من خلال الرجوع إلى النتاجات الفكرية لأبرز علمائها، وتتبع آراءهم في القضية مثار الجدل والنقاش، واستعراض أهم النتاجات الفكرية، كمجموعة السير التي ألفت في الموضوع فأثْرت المكتبة العمانية، فضلاً عن المؤلفات العلمية القيمة في منهجها ككتاب الاستقامة للكدمي في دفاعه عن وجهة النظر النزوانية، وكتاب الاهتداء لأحمد بن عبد الله الكندي في دفاعه عن وجهة نظر الرستاقية، وغيرها من ذخائر التراث الفكري العماني.
وأستعرض الدكتور أحمد بن يحيى الكندي في ورقته المعنونة "الوقف العلمي في نزوى وأثره على الحركة العلمية، الوقف التعليمي في نزوى ووجوه العناية بهذا النوع من الوقف، وأثر هذه العناية في بروز جوامع ومدارس علمية، وأثر ذلك أيضا في الحركة والنشاط العلمي والفكري.
وقال: إن العناية العلمية والعملية بوجوه الوقف العلمي ظلت ممتدة، ولكن هذه العناية تحتاج إلى دراسة تجليه وتكشف أثره العلمي والحضاري في مسيرة تاريخ هذا البلد المعطاء، وقد عني العلماء والدارسون بتسليط الضوء على عدد من مسائل هذا الوقف إن كان على مستوى التوقيف أو كيفية انفاذ الوقف للمتعلمين، بل جواز صرف غلل أوقاف أخرى على المتعلمين – حال الحاجة لذلك - كجواز صرف زائد غلة المساجد في التعليم الشرعي.
وأكد الباحث على أهمية معرفة ما وقفه الأئمة والحكام والعلماء وعامة الأثرياء عبر تاريخ هذه المدينة في العلم وطلبته أو في نسخ الكتب وطباعتها ثبوتا لا يحق لأحد أن يظن فيه أنه من الأملاك العامة بل هو توقيف خاص
موضحا: لقد تنوعت الأوقاف على العلم وطلبه في عمان عند أسلافنا،ولقد وقفت بنفسي على أنواع مختلفة منها في نزوى، كوقف تعليم القرآن وأوقاف طلبة العلم الشريف، وأوقاف التعليم أو طلبة التعليم في مسجد ما من المساجد، أي منصوص عليها وقفا للتعليم في مسجد معين أو مدرسة معينة أو عامة لطلبة العلم، وهناك أوقاف مشهورة كوقف الإمام سلطان بن سيف اليعربي على طلبة العلم، وغير ذلك من الأنواع، بل نجد كثيرا من القرى أو المحلات (الحلل) بها أنواع متعددة من الأوقاف لخدمة العلم وأهله، لكن هذا النوع من الأوقاف مازال يحتاج إلى عناية ودعم من أهل اليسار لينمو ويمكن أن يستفاد منه، يقول الأديب عبد الله الطائي "الأوقاف التي أوقفها العمانيون للتعليم تكفي لنشر المدارس في كافة أنحاء عمان.
الحضور الثقافي لنزوى في عصر النهضة
الجلسة الأخيرة في الندوة، حملت عنوان "الحضور الثقافي لنزوى في عصر النهضة" وأدارها الدكتور أحمد بن خلفان الرواحي، وأستهل أوراقها الدكتور : محسن بن ناصر السالمي، بورقة "المؤسسات التعليمية الحديثة في نزوى ودورها في البناء الثقافي"، وسعى من خلالها إلى التعريف بمؤسسات التعليم الحديثة في ولاية نزوى ودورها في البناء الثقافي.
وقد اتبع الباحث المنهج الوصفي، واقتصر على مؤسسات التعليم العالي في الولاية. وجمعت المعلومات من خلال الإجابة عن سؤالين هما:
ما المؤسسات التعليمية الحديثة الموجودة في ولاية نزوى؟
ما دور تلك المؤسسات في الإسهام في البناء الثقافي في المجتمع العماني؟
وقدم الباحث لمحة تاريخية عن التعليم في عمان بصورة عامة، وعن ولاية نزوى بصورة خاصة، وأشار إلى بعض المدارس التعليمية التي كان مقرها الجوامع والمساجد، ونماذج من المشايخ المعاصرين الذين ما زالوا يقيمون حلاقات تعليمية في علوم الشريعة واللغة العربية وآدابها.
ومن ثم تحدث الباحث عن مؤسسات التعليم العالي في نزوى، وتناول دور هذه المؤسسات في البناء الثقافي داخل المجتمع، وذلك من خلال التطرق إلى ستة مجالات رئيسة هي: البحث والنشر العلمي، والأنشطة والفعاليات الاجتماعية والثقافية والرياضية، وعشائر الجوالة، والتبادل الطلابي بين المؤسسات التعليمية، وزيارات طلبة المدارس لمؤسسات التعليم العالي، وتقديم المحاضرات في المجتمع.
ثم قدم الدكتور عبدالله بن سليمان الريامي ورقته حول الحركة العلمية والأدبية في نزوى في عصر النهضة: الأعلام والمؤلفات، وقال: منذ عام ١٩٧٠ والى يومنا هذا ٢٠١٥ ونزوى يتخرج منها أعلام في مختلف الميادين: العلوم الإنسانية والطب والهندسة، وفي مجالات البحث المتنوعة.
وأضاف: لقد تسابق العشرات من أبناءها للورود في ميدان الدراسات العليا. وإن كان من إبراز لجانب من هذه التوجهات فإن هذه الدراسة تقتصر على تقديم أعلام ومدونات في مجال العلوم الإنسانية كالقضاء والتربية وعلوم معارف الوحي وعلوم اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا.
وقد أعقب جلسات الندوة، مناقشات وأطروحات الحضور حول مجمل ما جاء في أوراق العمل المقدمة، وآرائهم حول ما طرحه الباحثون من أحداث ووقائع وآراء سياسية وفكرية واجتماعية تتعلق بمدينة نزوى، وعناوين الأوراق التي قدموها.