[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
ما الذي ينبغي أن يحكم السياسات الاقتصادية التي تستمد حضورها من منهج الاعتماد على الذات؟ لا شك أن هذا السؤال يضعنا أمام استحقاقات لا بدّ منها في مقدمتها أن هذه السياسات صعبة، وبذلك تتطلب انتظامًا على المثابرة وعندها تكون مجدية في النتائج النهائية لأنها المدخل الأساسي للأمن الاقتصادي، فهي توفر مساحة واسعة من الخيارات إذا تولى القائمون عليها في الدول المعنية تلبية شروطها.
إن أول هذه الشروط أن تكون بأرضية تنموية شاملة، بمعنى أن تكون بقواعد نمو تغطي الميادين التي يتميز بها أي اقتصاد يعتمد التنمية المستدامة صناعيًّا وزراعيًّا وخدميًّا، لذلك لا توجد فرص للاعتماد على الذات بالمعنى النسبي وليس بمعنى تحقيق الاكتفاء الذاتي إن لم تكن هناك معايير قيد التوظيف تخدم عناوين التنوع التنموي لأن أي نقص أو عزل في أي ميدان من ميادين النشاطات الاقتصادية يعرض سياسة الاعتماد على الذات إلى التصدع والتراجع والدخول بين الحين والآخر في دوامة التجريب المتكرر، وهناك شرط آخر لسياسة الاعتماد على الذات اقتصاديًّا يكمن في أن يرافق تلك السياسات عملية قراءة متجددة للواقعين الاقتصاديين الإقليمي والدولي، أو في إطار أن الدولة المعنية داخلة في شراكة تنموية مع دول أخرى، ونقول قراءة فلا نعني بذلك فقط معرفة ما يجري في البيئتين الإقليمية والدولية، وإنما أيضًا بمعنى المواكبة للإفادة من التطورات الاقتصادية والتجارية ما دام العالم حاليًّا قائمًا على المنافسة السياسية في إيجاد المزيد من الأسواق لهذه السلعة أو تلك.
ومن شروط الاعتماد على الذات انتهاج سياسة التدرج التنموي والابتعاد عن الفورات الاقتصادية الآنية ذات المردود الاستهلاكي القائم على البرامج الإرضائية المجردة التي لا يمكن أن تتوقف لأنها تخضع بالضرورة لمتوالية أن الإشباع يدفع باتجاه إيجاد حاجات جديدة وهذه المتوالية بحد ذاتها أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي عندما لجأ الكرملين إلى تقليد المجتمعات الأوروبية والأميركية في توجهات هي في حقيقة الأمر تأتي تطبيقًا لنظرية مجتمعات الوفرة التي كانت تعيشها أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وهي أيضًا وراء الأزمات المتكررة التي ما زالت تضرب اقتصادات دول صناعية كبرى معروفة إلى وقت قريب بأنها قلاع اقتصادية لا يمكن أن يمسها الركود.
وامتدادًا لهذا التشخيص، إن الاقتصادات التي تتولى الاعتماد على الذات وفق الشروط المشار إليها تحقق انسيابية تنموية متدرجة عمومًا، وهو ما يضعها في منأى عن التحديات المحتملة بسبب سياسات اقتصادية تزج وضعها في دوامة التسارع والمغامرة القائمة على الصفقات التي تندرج في إطار البحث عن الربح أياً كانت النتائج، وعلى وفق هذه المعايير يمكن توصيف الاقتصاد العماني بأنه واحد من الاقتصادات التي يمكن إدراجها ضمن قائمة الاقتصادات التي تعتمد على الذات، وهذا بحد ذاته أحد عوامل النمو المتوازن الذي ما زال يحكم هذا الاقتصاد رغم أن التحديات التي تحيط به إقليميًّا ودوليًّا ليست قليلة وفي مقدمتها التدهور الحاصل في أسعار النفط والصعوبات اللوجستية في تنشيط التجارة الإقليمية وانعدام الأفق التنموي في أغلب الإقليم العربي، وعلى هذا الأساس أيضًا أن احتمالات تواصل هذا الاعتماد في السنوات المقبلة أمرًا بحكم الحصول في كل الأحوال على ضوء نتائج النمو المتحققة والمضاف إلى التنمية الصناعية والخدمية والحرص على توسيع استخدام التقنيات الحديثة منذ بدء خطط التنمية السنوية عام 1970، ومن هنا لا مجال للشكوك في إمكانية أن يتواصل هذا الاقتصاد على وفق عملية النمو المعتدل، بما ينعكس إيجابيًّا على التنمية المستدامة لعموم العمانيين.