[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
غدا يسأل جيل سوري بكامله عن شهداء بلاده لماذا سقطوا بهذا الكم وبتلك الطريقة، وعن الخراب الذي ملأ مدنا وساحات، وعن مهاجرين سوريين أمضوا سنوات العمر بين المنافي .. لن يكون الجواب صعبا إذا أردنا الدقة، قد لا يقتنع أحد أن إسرائيل من صنع كل هذا، ولربما سيقول إنها أميركا، لكنه حين يسمع ما سيقال ستبطل الابتسامات على شفتيه، فيا أيها الأعزاء السوريون، بعض العرب هم من أنزلوه بكم.
إذا صح أن رقم من سقط من السوريين قد تجاوز المئتي ألف، فكل نقطة دم من شهيد شاهدة على ما ارتكب هؤلاء العرب، وما صنعوه بسوريا لم تفعله يد الاستعمار الذي احتفلنا بالأمس بذكرى جلائه. ويوم الموقعة الكبرى في يونيو 1967 وفي أكتوبر 1973 لم تعرف سوريا سوى جروح ما زالت ماثلة في احتلال الجولان.
نسج بعض "الأشقاء" العرب لشقيقتهم سوريا كل هذا الحقد عليها، فقدموا لكل من حمل السلاح ضد بلاده وضد دولته وشعبه وجيشه وقيادته ما يحتاجه من مال وعتاد .. أقاموا الدنيا على إخوة كما كانوا يتفوهون أو أثناء التباكي على ما أحدثوه من خراب عميم ومن دم نقي. لم تتوقف أياديهم عن الهدم والقتل كل تلك السنين وإلى الآن ولا يبدو أنهم سيتوقفون. لقد ملأ الحقد عقولهم، ودون أن تفهمهم إسرائيل ما تحتاجه، صنعوه لها، حاجتها الأساسية شطب الجيش العربي السوري من الوجود كما فعل الأميركي مع الجيش العراقي، وكما فعل الحلف الأطلسي مع ليبيا، وليس الجيش فقط، بل الدولة والنظام، وخصوصا الرئيس بشار الأسد ..
في السنة الخامسة للأزمة في سوريا عنوان واحد يتردد: انتهى زمن الأمل والسراب الذي دغدغ أعصاب هؤلاء العرب من إمكانية سقوط سوريا بيد الطاغوت والإرهاب وبيدهم .. فهذا زمن الممانعة التي لها فجرها الخاص وعبقريتها في تنامي وجودها .. سيظل الشعب السوري سخيا في تقديم شهدائه كي يفوت الفرصة على الحاقدين والغاضبين، وستبقى له أصالة الموقف الذي يقفه الجيش العربي السوري في خياره الوحيد القتال من أجل سوريا أو الشهادة .. مرت أيام الرهان على إسقاط الرئيس الأسد، صارت خلف الأزمة، بل صارت سرابا، وتحولت إلى وجع للمراهنين، بل صدمة يسعون اليوم للتقليل منها قدر الإمكان.
كان الجلاء ثمرة نصرة شعب لبلاده وتحريرها من الأجنبي، وتكللت سوريا بالغار لأنها قلب الشام والعروبة، ورغم الأخطار التي أحدقت بها في السابق أيضا، انتزعت بصمودها الراقي بقاء مميزا ثمرته حياة وادعة لشعب آمن ومستقر وله مواعيده الدائمة من مستقبل مفتوح على الهناء .. ثم ها هي اليوم تدفع ثمن ظلم ذوي القربى لأن سعادتها لم تكن تلائمهم، بل فيها الكثير من التحدي لهم، وعليها أن تدفع الثمن كي تتحول إلى دولة محتاجة لهم، مسيرة منهم، تابعة لأجنداتهم.
ستظل سوريا حرة، هكذا كتب على جدران قلعة دمشقها وعلى بواباتها التي مرت عليها أزمان الوجع والتحدي. سوريا اليوم حرب على بربرية مشدودة الأعصاب بما تتبع وبما تمول وبمن يمد لها المسير. لكنها عازمة على فرض إرادتها وستخرج إلى النور في جلاء جديد تخط ملامحه اليوم.