مقدمة:
يعد التجسس من العقائد الثابتة في الفكر اليهودي والعقل الصهيوني بشكل عام، ويمارس اليهودي التجسس تعبيرا عن وجوده وإثباتا لذاته ولعقيدته " بأنه يتفوق على سائر البشر أجمعين وأنه شعب الله المختار. وشددت الصهيونية على الأهمية الكبرى لأجهزة التجسس في دعم مشروعها الاستيطاني التوسعي في فلسطين ومع نشأه الوكالة اليهودية التي أخذت على عاتقها مهمة تأسيس " إسرائيل " في فلسطين مهما كانت الصعوبات، ومن أجل هذا الهدف تجسس اليهود على العرب والأتراك والانجليز، كما عملوا لصالح الانجليز تارة وضد الأتراك والألمان تارة أخرى.
وانتشرت شبكات التجسس الصهيونية في المنطقة وغيرها لخدمة أهداف الوكالة اليهودية وما تفرع عنها من منظمات عسكرية أخذت على عاتقها مهمة تنفيذ أهداف المشروع الصهيونية بالقوة والاغتصاب.. ولم تنس أن تكون لها شبكاتها العالمية للوصول " للهدف الأكبر " وأطماعها، لذا فقد أنشأت الوكالة اليهودية فروع لها في باريس، وروما، ولندن. وزيورخ، وفي وموسكو وغيرها.
ـــــــــــ
لم تمر أسابيع على فضيحة التجسس الأميركية على رؤساء وقادة الدول الأوروبية والعربية حتى فاجأنا التليفزيون الإسرائيلي بفك شفرة الوحدة 8200، التابعة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي. حيث كشفت تقارير إسرائيلية أن إسرائيل خصصت وحدة تجسس ومراقبة إلكترونية لرصد تحركات ومراسلات الشباب العربي عبر وسائل التواصل الالكتروني وتقوم باستقطابهم عبر غرف الدردشة، وأن هذه الوحدة ترصد أولا بأول التحولات التي طرأت على العالم العربي خاصة الشباب، وذلك لتسجيل التحولات والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتغذية صناع القرار بها، وكذلك وحدات الاستخبارات الأخرى، من أجل إيجاد جسور للتواصل لتجنيد الشباب العربي للتعاون مع إسرائيل. وقال تقرير لصحيفة معاريف إن إسرائيل أصبحت ثاني اكبر قوة تجسس في العالم بعد الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وان الدور الذي تقوم به «وحدة الاستخبارات التي تحمل رقم « 8200» التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، قد جعلها ثاني أكبر دولة في مجال التصنت بعد الولايات المتحدة الأميركية، وقال عمير رايبوبورت كاتب التقرير إنه بفضل الولايات المتحدة حققت إسرائيل تقدما هائلا في مجال صناعة التقنيات المتقدمة، وقد تم توظيف هذه التقنيات بشكل كبير في تطوير وتوسيع عمليات التنصت التي تقوم بها الوحدة، وان شركات القطاع الخاص تقوم بدعم الوحدة باختراعات تعزز من قدرات التصنت، لافتا إلى أن الحواسيب المتطورة التابعة لوحدة 8200 قادرة على رصد الرسائل ذات القيمة الاستخباراتية من خلال معالجة ملايين الاتصالات ومليارات الكلمات. ونوه المعلق العسكري الإسرائيلي «يوآف ليمور» على موقع إسرائيل اليوم إلى وجود تحول خطير طرأ على عمل الوحدة « 8200» التي يقودها ضابط كبير برتبة عميد، منذ أن تفجرت ما يسمى ثورات الربيع العربي، وان الوحدة باتت تركز معظم اهتمامها وعملها على متابعة مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها الشباب العربي، وبصفة خاصة فيسبوك وتويتر، وذلك لرصد التحولات السياسة والاجتماعية والنفسية التي طرأت على الشباب العربي مع هذه (الثورات)، وإعداد تصورات حول كيفية التعامل مع الشباب العربي في المراحل المقبلة، حتى لا تتعرض إسرائيل للمفاجأة كما حدث مع تفجر الثورات العربية، ولفت «ليمور» إلى أن وحدة 8200 مسئولة أيضاً عن قيادة الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي، علاوة على قيامها بعمليات تصوير، فضلاً عن أن الضباط والجنود العاملين في إطارها يتولون القيام بعمليات ميدانية أثناء الحروب والعمليات العسكرية. وتضم القاعدة 30 برجا هوائيا وصحونا لاقطة من أنواع وأحجام مختلفة مهمتها التنصت على المكالمات الهاتفية واختراق العناوين الإلكترونية التابعة لحكومات أجنبية ومنظمات دولية وشركات أجنبية ومنظمات سياسية إضافة إلى الأشخاص والأفراد بجانب مراقبة حركة السفن في البحر المتوسط إضافة إلى اعتبارها مركزاً مهماً لشبكات التجسس عبر الكوابل البحرية التي تربط إسرائيل بدول أوروبا عبر مياه المتوسط إضافة لامتلاك القاعدة محطات تنصت سرية تزيد من فاعليتها. وتمتلك الوحدة 8200 العديد من القواعد المنتشرة في البلاد والمصنفة كوحدات مركزية لجمع المعلومات تحمل اسم «سيغينت» وتعمل الوحدة المذكورة في محالات التنصت، الاعتراض، التحليل، الترجمة، ونشر المعلومات المتوفرة لديها من خلال التنصت على البث الإذاعي والاتصالات الهاتفيه واعتراض الفاكسات والبريد الإلكتروني ومن أهم انجازات الوحدة 8200 التي نالت تغطية اعلامية كبيرة اعتراض مكالمة هاتفية جرت بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والملك الأردني الراحل الحسين بن طلال وذلك أول أيام حرب 1967 وكذلك اعتراض مكالمة هاتفية جرت بين ياسر عرفات ومسلحين تابعين لمنظمة جبهة التحرير الفلسطينية «أبوالعباس» الذين اختطفوا عام 1985 سفينة الركاب الإيطالية اكيلو لاورو أثناء إبحارها في مياه المتوسط، والوحدة مسؤولة عن زرع أجهزة تنصت في مكاتب ومرافق حيوية في عمق البلدان العربية، خصوصا البلدان التي تكون في حالة عداء مع إسرائيل، كما تتعاون بشكل وثيق مع وحدة «سييرت متكال» والتي تتبع مباشرة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية.
//مفهوم التجسس الالكتروني:
عالمنا لم يعد كما هو، لم يعد الفعل متأنيا، مثلما لم يعد ردّه. خطوات عجلى وأحداث كبرى. عوالم تختصر وأخرى تتسع وثالثة تنهار، وغيرها طواها النسيان أو الكتمان. من المؤكد أن ثورة المعلومات والاتصالات أعادت صياغة عالمنا بما يفترض عقلية جديدة للتعامل مع الواقع الجديد، فالعالم يعيش تغيرا نوعيا في جميع أوجه الحياة: في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلاقات الاجتماعية. ذلك يجري بتعجيل يفرضه زخم الثورة التكنولوجية في مجال المعلومات والاتصالات التي تتخذ طابعا كونيا حوّل العالم الى قرية صغيرة. وما أن ولج تاريخ الإنسانية الألفية الجديدة حتى بدأ التداخل بين وسائل الإعلام يأخذ منحى متسارعا، وانتقل عصرنا إلى مرحلة الوسائط المتعددة التي لا يتوقف انشطارها، وصار عالمنا المترامي الأطراف بمثابة قريتنا الأليفة، الا أنه في الوقت نفسه فتح جبهات للصراع لا تقل خطورة عن الصراعات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، بل إنها تتفوق عليها في معظم الأحيان، لأنها تمس كل هذه المجالات، بعد أن أصبحت المعلومة وفاعلية الاتصال وسعة قنوات المعرفة أسلحة جديدة يمكن أن تحسم النزاع لصالح من يجيدها ويسيطر عليها. وقد أتاحت هذه الآفاق الجديدة المنبثقة عن ثورة الاتصالات والمعلومات نوعا خطيرا وجديدا من أنواع التجسس هو التجسس الالكتًروني الذي طغى بإمكانياته الهائلة ودقة نتائجه على أساليب التجسس القديم الذي عرفه العالم، واستخدمته الدول والحكومات لمعرفة أسرار الخصم أو من تسعى للسيطرة عليه، وقد أدركت إسرائيل كغيرها اهمية هذا النوع الجديد من التجسس وسعت جاهدة للتفوق فيه. وقد أثبتت العقود الماضية إن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لا يستهدف فلسطينُ وحدها، بل الأمة العربية والإسلامية كلها وجودا أو دينا أو قيما وأعرافا، ولهذا أصبحت فلسطين بعد احتلالها قاعدة لانطلاق العدوان الإسرائيلي على العرب والمسلمينُ عبر حروب واعتداءات مختلفة على بعض البلدان العربية والإسلامية، وفي السنوات الأخيرة التي ازدادت فيها فاعلية ثورة الاتصالات والمعلومات، امتدت ذراع المؤسسات الأمنية الإسرائيلية وشبكاتها التجسسية إلى أقصى حد ممكن في هذه الدول.
ان التجسس الإلكتروني أو ما يعرف التجسس المعلوماتي هو عبارة عن عدة طرق لاختراق المواقع الاكترونية ومن ثم سرقة بعض المعلومات والتي قد تكون في قائمة الاهمية والخطورة للطرف المتلقي والمسروق منه وقد انتشرت في الالفية الجديدة بانتشار طرق الاختراق واحيانا قد تكون الاختراق من اشخاص عابثين ليس الا وأحيانا بغرض سرقة معلومات مهمة مثل ما حدث لوزارة الدفاع الأميركية البنتاغون في العامين الماضيين، وكما تم اختراق موقع وزارة الدفاع الفرنسية قبل عامين بغرض سرقة معلومات عن الاستطلاعات والمناورات والنظام الصاروخي الفرنسي وليس الاختراق محصور على المؤسسات العسكرية فقد تتعرض له المؤسسات النقدية وخصوصا البنوك المركزية والمؤسسات العملاقة. عرف القانون الدولي الجاسوس بأنه الشخص الذي يعمل في خفية، أو تحت ستار مظهر كاذب، في جمع أو مزاولة جمع معلومات عن منطقة الأعمال الحربية لإحدى الدول المتحاربة بقصد إيصال هذه المعلومات لدولة العدو. أما التجسس الألكتروني فهو شكل من الإرهاب باستخدام التكنولوجيا بشكل سلبي من أجل إحداث آثار مدمرة وأضرار بالغة وكبيرة لمحطات التحكم وأجهزة الكمبيوتر وشبكات الاتصال بدوافع مختلفة ويمتد التجسس الألكتروني إلى أبعد من هذا، حيث عرف أيضا بأنه العدوان أو التخويف أو التهديد ماديا أو معنويا باستخدام الوسائل الألكترونية، الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد على الإنسان بغير حق. ويربط بعض الباحثين بين التجسس الألكتروني والإرهاب الألكتروني فهما نوع من العدوان أو التخويف أو التهديد المادي أو المعنوي الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد على الإنسان، في دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله بغير حق، باستخدام الموارد المعلوماتية والوسائل الالكترونية بشتى صنوف العدوان وصور الإفساد، فالإرهاب الألكتروني يعتمد على استخدام الإمكانيات العلمية والتقنية، واستغلال وسائل الاتصال والشبكات المعلوماتية، من أجل ترويع الآخرين، وإلحاق الضرر بهم، أو تهديدهم. عرف القانون المصري الإرهاب بأنه:(كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر).
كما عرف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الإرهاب بأنه: (ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم، وكرامتهم الإنسانية، بغياً وإفساداً في الأرض). وعرف مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي الإرهاب بأنه:(العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه) . وكذلك عرف مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الإرهاب بأنه:(العدوان أو التخويف أو التهديد مادياً أو معنوياً الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد على الإنسان، في دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله بغير حق، بشتى صنوف العدوان وصور الإفساد في الأرض). وعرفت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب بأنه: (كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت دوافعه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية للخطر). كما عرفت الاتفاقية الدولية لمكافحة الإرهاب في جنيف عام 1937م الإرهاب بأنه:(الأفعال الإجراميةالموجهة ضد إحدى الدول، والتي يكون هدفها أو من شأنها إثارة الفزع أو الرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الناس أو لدى العامة). وكذلك عرف الإتحاد الأوربي عام 2002م الإرهاب بأنه: (أعمال ترتكب بهدف ترويع الأهالي أو إجبار حكومة أو هيئة دولية على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل ما، أو تدمير الهياكل الأساسية السياسية أو الدستورية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لدولة أو هيئة دولية، أو زعزعة استقرارها).
أن مصادر محاولات اختراق الأنظمة والشبكات الألكترونية، لا تقتصر على الجماعات والأفراد، أو منظمات عالم الإنترنت السرية، مثل منظمات الهاكرز، انما دخلت ميادين جديدة وخطرة، هي التجسس الدولي، الذي ينقل أسرار دول بأكملها إلى دول أخرى معادية. يهدف التجسس الالكتروني الى زعزعة الأمن ونشر الخوف والرعب وإخلال نظام الدول العام، وتهديد وابتزاز الأشخاص والسلطات العامة والمنظمات الدولية، والسطو وجمع الأموال، إضافة إلى جذب الانتباه، والدعاية والإعلان. ويمتاز التجسس الالكتروني بخصائص معينة أهمها إن التجسس الألكتروني لا يترك أي دليل مادي يصّعب عملية التعقب واكتشاف الجريمة أساسًا لسهولة إتلاف الأدلة. كما ان مستخدمي هذا النوع من التجسس لديهم خلفيات وخبرات في استخدام الأجهزة والتقنيات الحديثة تفوق في حالات عديدة الخبرات لدى الجهات الأمنية المعنية بكشف المخططات الإرهابية.
//التفوق الإسرائيلي في مجال التجسس الالكتروني:
يرجع دخول "إسرائيل" لبرنامج الفضاء والأقمار الصناعية إلي عام 1959، بالتوازي مع بداية البرنامج النووي لها، حيث دخلت إلى نادى الفضاء عن طريق أقمار الاتصالات وعقب ذلك بسنوات قليلة أطلقت أول قمر للتجسس ثم تطور الأمر مع تطوير "اللجنة القومية لأبحاث الفضاء" وإنشاء معهد بحوث الفضاء بجامعة تل أبيب. في عام 1969 توجهت "إسرائيل" للولايات المتحدة بطلب لمساعدتها في إقامة محطة لرصد الأقمار الصناعية، وقامت بتوحيد مراكز البحوث في مجال الفضاء تحت قيادة واحدة من أجل البدء في تنفيذ برنامج موحد، وبلغ التفوق "الإسرائيلي" في هذا المجال أنهم بحلول 1977 حققوا خطوات هامة في برنامجهم دفعت المنظمة الدولية لعلوم الفضاء لعقد اجتماعها في تل أبيب، ليبدأ بعد ذلك عصر إطلاق الأقمار الصناعية .ويشير موقع وزارة العلوم "الإسرائيلية" علي الانترنت إلى أن مشروع إطلاق أقمار أفق – أو أوفيك- بدأ منذ عام 1982، وأن المشروع تطلب أبحاثا وبنًى تحتية وتأهيل مهندسين وفنيين والاعتماد على الذات في إطلاق الأقمار وبناء مركز سيطرة وتحكم ومحطة استيعاب أرضية، ليشهد يوم 19 سبتمبر عام 1988 إطلاق أول قمر صناعي من النوع المستخدم في التجسس وهو "أفق 1" ، وتبعه "أفق 2" ( 3 أبريل عام 1990) ، ثم "أفق 3" (أبريل عام 1995 ) ، و"أفق 5" عام 2002 ، في حين فشل إطلاق كل من (أفق 4) عام 1998 ، واحترق "أفق 6 "عام 2004 عند إطلاقه. نجحت تل ابيب في تنويع مصادر تعاملها مع كافة الدول المتقدمة في هذا المجال في الشرق والغرب واستفادت من الجاليات اليهودية في هذه الدول للحصول علي أحدث التكنولوجيا في هذا المجال، كما نجحت في الاستفادة من كل الحروب في الحصول علي مزيد من التكنولوجيا اللازمة لبرنامجها الفضائي بدعوي حماية وجودها من أعداءها العرب ، بل ودخلت في تعاون مشترك مع الولايات المتحدة من أجل إنتاج صواريخ مشتركة قادرة علي إطلاق الأقمار أو ضرب أقمار أو صواريخ معادية .وأخطر ثمرات هذا التعاون كان الدخول مع الأميركان في برنامج أبحاث الفضاء ، ثم مبادرة الدفاع الإستراتيجية المعروفة باسم "حرب النجوم"، كما شاركوا ألمانيا في إنتاج أقمار استشعار عن بعد، واستفادوا من كل هذا التعاون في تطوير الصواريخ التي تحمل هذه الأقمار - وضمنها الصواريخ الحربية – بحيث أنتجوا الصاروخ المتطور "شافيت" عام 1986 لحمل الأقمار، وصاروخ " next" وغيرها، وأخرها صاروخ "حيتس" المضاد للصواريخ بالتعاون مع أميركا بهدف إسقاط صواريخ سكود المتطور في صورة الصاروخ الإيراني شهاب-3 ذي الرؤوس الحربية الثلاثية. ويكفي أن نجاحهم في إطلاق قمر التجسس الذي يعتمدون عليه حاليا ( أفق – 5) في 28 مايو 2002 جاء نتيجة تعاون مكثف مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة بدعوي المشاركة في حرب "الإرهاب" ، وقيام "إسرائيل" بدورها في مراقبة الحركات المتطرفة والإرهابية في الدول العربية والإسلامية ورصد اتصالاتها.
أن الجهاز الإسرائيلي المختص بالتجسس هو شعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة باسم أمان وهو الاختصار الشائع لاسمه العبري آجاف هموديعين .تتولى (أمان) عددا من المهمات الخاصة والسرية، منها: التجسس، الاغتيالات، الحصول على الأسلحة، التجسس المضاد، إثارة الفتن، الخطف، وما شابه ذلك .وتعدّ هذه الشعبة الاهم بين أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ لدورها الكبير في بلورة القرار السياسي في إسرائيل، وترتبط (أمان) بهيئة أركان الجيش الإسرائيلي وهي تتكون من الأقسام الآتية (الإنتاج، فيلق التجسس،العلاقات الخارجية،أمن الميدان والرقابة العسكرية) وبدوره يقسم فيلق التجسس إلى:(وحدة جمع المعلومات ،مركز الرئاسة العامة، وهي مسؤولة عن مدرسة المخابرات العسكرية، ومن مهامها: التنمية التكنولوجية والاتصالات والخرائط، ووحدة التدريب، ووحدة التنظيم وخطوط الإمداد وشؤون الأفراد، ثم وحدة البحوث والتنمية). وقد انتقل عمل (أمان) من التجسس التقليدي إلى التجسس الألكتروني ، حيث تتعرض المواقع الفلسطينية على شبكات الإنترنت بصفة مستمرة من الجانب الإسرائيلي إلى الاقتحام والعبث بحتوياتها وإزالة ما عليها من معلومات وعرض صورة العلم الإسرائيلي على الصفحة الرئيسة بالمواقع المقتحمة، وفي المقابل يحاول الفلسطينيون معالجة تلك الآثار وتصحيح ما عبث به على المواقع و اقتحام بعض المواقع الإسرائيلية ووضع العلم الفلسطيني عليها، وهذا الإرهاب الألكتروني لا تقتصر أجهزة التجسس الإسرائيلي والجماعات العاملة معه بممارسته على دولة فلسطين فحسب، بل اتخذت هذه الجماعات مواقع لها على الأنترنت تمارس أعمالها من خلال التحريض على القتل وتعليم صنع المتفجرات والقنابل، علاوة على نشر أفكارها الداعية إلى العنف والتمييز العنصري، والتلاعب بالأنظمة والبيانات والنظم الخاصة بمؤسسات وحكومات دول أخرى. وفي مجال التجسس الألكتروني تعمد إسرائيل إلى تأسيس مواقع إباحية هدفها جمع المعلومات عن الأشخاص الاعتيادين والشخصيات المستهدفة عبر استدراجهم في أعمال مخزية ثم ابتزازهم.ولابد من الإشارة إلى إن إسرائيل تبرم مجموعة من الشراكات السرية بينها وبين الشركات الكبرى في مجال تكنولوجيا المعلومات أمثال جوجل وآبل وياهو وغيرها تتيح لها الولوج إلى قواعد معلومات ضخمة ومهمة، وبعض الشركات التي ترفض الشراكة أو لا تستطيع دوائر التجسس الوصول إليها فتقوم الوكالة بمحاولات لاختراقها لتحصل على المعلومات التي في قاعدة بياناتها، أوتعمل على عرقلة عملها في الشبكة الدولية بحيث يبقى الإقبال مركزا على الشركات المرتبطة بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية .كما إن إسرائيل تعمد في أحيان أخرى إلى تأسيس شركات وهمية مزودة بأحدث الأجهزة منها ميكرفون الليزر ومهمته التصنت على المكالمات الجارية في الغرف المقفلة. من الأجهزة المهمة في التجسس الألكتروني الإسرائيلي جهاز (تي أكس) الذي يتيح الدخول إلى خط الهاتف من بعيد ومن دون أن يشعر أحد بذلك، أي يتم تحويل الهاتف الموجود في الغرفة إلى جهاز إرسال ينقل جميع المكالمات والأحاديث التي تجري داخلها، حتى لو كان الهاتف مقفلا فيسجل جميع الأصوات المنبعثة في الغرفة
//أهداف التجسس الإسرائيلي الالكتروني:
تنقسم اهداف التجسس الألكتروني الإسرائيلي الى اهداف استراتيجية وأخرى تكتيكية. من الأهداف الأستراتيجية محاولة إسرائيل الإبقاء على تقدمها التكنولوجي والعسكري في مختلف المجالات بمنع الدول التي تصنفها ضمن الدول المعادية وحتى الدول التي تعدها حليفة لها من امتلاك قدرات تكنولوجية معلوماتية وعسكرية وأمنية تمكنها من أن تشكل في المستقبل تحد لرغبات إسرائيل. قال وزير الدفاع عمير بيريتس الأسبق في بيان عن أطلاق أفق 7"ان نجاح الإطلاق يضيف بعدا مهما لقدرات "إسرائيل" الدفاعية وهو شاهد على قوة "إسرائيل" التكنولوجية" ، فيما قال حاييم ايشيد رئيس برنامج الفضاء التابع لوزارة الدفاع في تصريحات لراديو الجيش الأسرائيلي ان القمر (أفق 7) سيساعد "إسرائيل" على "التعامل مع المسألة الإيرانية" . أسرائيل تهدف أيضا معرفة توجهات الرأي العام العربي نحو إسرائيل في أعقاب ما سمي بالربيع العربي، عبر إنشاء وحدات جديدة للتجسس تختص بمراقبة جميع وسائل الإعلام العربية، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة كالفيس بوك وتويتر ، بضمنها الصفحات الشخصية للمسئولين العرب. علاوة على جمع المعلومات الأمنية والاستخباراتية عن دول الجوار الإسرائيلي، لاسيما المواقع العسكرية والمراكز الأمنية فيها التي تعتقد إسرائيل أنها قد تشكل خطراً عليها مستقبلاً في أية مواجهة عسكرية، والقيام بتدريب الجواسيس على أحدث الأجهزة الألكترونية. ناهيك عن تزويد أجهزة الأمن )الإسرائيلية( بالمعلومات الاقتصادية والتطورات الصناعية والتكنولوجية وأهم المشروعات الاستثمارية المتحققة في الدول العربية أو الإقليمية، وفي ميادين مختلفة كالتصنيع والسياحة والزراعة والتجارة، وأسواق الأوراق المالية، وذلك بتوجيه بعض قراصنة الانترنت الهاكرز لأختراق تلك المواقع. علاوة على القيام بعمليات تخريب اجتماعي وأخلاقي واسعة النطاق بهدف زعزعة القيم والأعراف السائدة في المنطقة العربية عن طريق الرسائل والبرامج الألكترونية في أجهزة الاتصال الحديثة وبثها عبر الأنترنت وعبر تطبيقات الهواتف الحديثة والذكية وغيرها..
أما أهم الاهداف المرحلية أو التكتيكية للتجسس الالكتروني الإسرائيلي فهي:
1ـ إنشاء شركات حواسيب وهمية: تبيع أجهزة كمبيوتر وأجهزة الكترونية أخرى إلى مؤسسات رسمية في الدول العربية و الأسلامية تعمل على جمع المعلومات وبثها الى أسرائيل.
2ـ نشر الفيروسات بهدف الحصول على معلومات وضرب أنظمة الحاسوب في الدول المستهدفة
3ـ تشجيع التهريب وتزوير العملة: فقد أفادت تقارير الأمن المصرية بأن 86 % من جرائم التهريب وتزوير العملات ارتكبها (إسرائيليون)، كما نشرت تقارير اقتصادية عن اكتشاف معلبات اللحوم الحمراء (الإسرائيلية) تم ضخها بكميات كبيرة في الأسواق العراقية وبأسعار منخفضة وهي إما تحمل فيروسات أو منتهية الصلاحية، أوتحتوي على مواد سامة، وكذلك تعمل إسرائيل عبر شبكتها التجسسية على نشر كميات هائلة من المخدرات بمختلف أنواعها، ورعاية شبكات الرذيلة الدولية، وتجارة الرقيق الأبيض، حيث تشير تلك التقارير إلى أن أعداد قضايا المخدرات المتهم فيها (إسرائيليون) خلال احدى عشرة 4457 قضية في مصر لوحدها، مما يدل على ذلك اعتراف مصدر إسرائيلي بأن مصر يدخلها 511 طن مخدرات سنوياً عن طريق بلاده!
4ـ مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي: على سبيل المثال كشفت دراسة إسرائيلية بناء على معلومات من إحدى هذه المجاميع أن الكتابات التي تنشر على شبكات التواصل الاجتماعي في لبنان تعكس تخوفا متزايداً من اندلاع حرب أهلية قد تنشب من الضغوط القائمة بين الطوائف.
5 ـ التنصت على أجهزة الهاتف : وظفت أسرائيل أجهزة تنصت ومراقبة فائقة الحداثة، تعمل على نظام (أيشلون) الأميركي المتطور، والذي بإمكانه التقاط موجات الهاتف العادي والخليوي في آن واحد، هذا في الوقت الذي أسهمت فيه وسائل حلّ الشيفرات بوساطة العقول الألكترونية في الزمن الراهن في تجاوز الكثير من العقبات السابقة. تنشئ إسرائيل محطات خاصة بذلك مبرمجة لتمييز الكلمات وأرقام الهواتف من خلال المحادثات الهاتفية والرسائل الألكترونية والبيانات التي يتمّ التقاطها، وإرسالها عبر الأقمار الاصطناعيّة وكابلات الاتصالات البحرية، ولهذه المحطات القدرة على جمع المعلومات الألكترونية، ورصد اتصالات الحكومات والمنظمات والشركات والأفراد على حدّ سواء، وترسل المعلومات التي يتمّ جمعها لترجمتها وتحويلها إلى وكالات أخرى من بينها أجهزة الأمن الإسرائيلية
//آليات التجسس الإسرائيلي الالكتروني:
يعتمد التجسس الإسرائيلي على أشكال عدة من العمل في مجال الاستخبارات هي :
1ـ الرصد والتنصت: على أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية
2 ـ التصوير عبر طريقتين:
*الأولى: وضع (كاميرات) رقمية كبيرة ودقيقة على قمم الجبال المحيطة بالضفة الغربية، على أبراج خاصة، ويتم توجيهها إلى المناطق التي ترغب أجهزة الأمن الإسرائيلية بمراقبتها، وكثيرا ما تستخدم عمليات التصوير في عمليات الاغتيال.
والثانية: استخدام طائرات بدون طيار وتزود هذه الطائرات القيادات الأمنية والاستخبارية بالمعلومات وتشترك بقوة في تنفيذ عمليات الاغتيال إذ إنها مزودة بصواريخ تقوم بإطلاقها على الأشخاص الذين يراد اغتيالهم.
3ـ التشويش : تطوّر أجهزة الأمن الإسرائيلية أنظمة التشويش بشكل مستمر لفاعليتها في المساعدة على التجسس والحرب الألكترونية، بالَاضافة الى أهداف أخرى مثلا توفير الحماية للأليات العسكرية في حرب المدن ومراقبة الحدود ومراقبة السجناء.
4ـ آلية مراقبة الشخصيات والتجسس عليهم: وهو ما تقوم بو إسرائيل بوساطة أقمار التجسس التي تمتلكها (سواء أفق أو عاموس) ومزودة بكاميرات للتصوير الدقيق، وتحتوي على أجهزة تنصت على الاتصالات السلكية واللاسلكية.
5ـ شركات التجسس الإسرائيلية: تعمل الشركات الإسرائيلية بشكل دائم على تطويرإمكانياتها في مجال تقنية التجسس وتعقد الصفقات التجارية والتكنولوجية مع الدول الكبرى لضمان تفوقها في هذا المجال، مثل شركتي (فرينت) و(نا روس) حيث مكنت التقنيات المستخدمة في الشركة الأولى دوائر التجسس الإسرائيلية من تعقب شبكات الهاتف ومزودي ، أما شركة (ناروس) فقد طورت برنامجا يسمح بتحليل معلومات أكثر من مليون بريد إلكتروني في ثانية واحدة،وهي متخصصة في تحديد و تحويل حركة المعلومات في شبكات الاتصال.
الملفت أن رد الفعل العربي علي هذا التفوق الصهيوني في المجال الفضائي والنووي عجز عن القيام بأي تعويق لهذا التقدم "الإسرائيلي"، ولكنه بالمقابل لم يسعي إلي تعويض هذا الفارق التكنولوجي لأسباب عديدة تتعلق بالصراعات الداخلية، وغياب الخطط الإستراتيجية، إضافة إلي الضغوط والقيود الغربية علي نقل هذه التكنولوجيا الهامة إلي العالم العربي والاكتفاء بتصنيع أقمار تجارية فقط للدول العربية لبث المحطات الفضائية أو الاتصالات .بالرغم من تحذير جامعة الدول العربية من خلال اللجنة الفنية التابعة للجامعة المعنية بمتابعة النشاط الفضائي "الإسرائيلي"، وشددت علي مخاطر النشاط الفضائي "الإسرائيلي" على الأمن القومي العربي، حتى أن مساعد الأمين العام بالجامعة للشؤون السياسية محمد زكريا إسماعيل قال حينئذ أن إطلاق "إسرائيل" لأقمارها التجسسية "يؤذن ببداية سباق تسلح جديد ودخول المنطقة عصر حرب النجوم أسوة بالمشروع الأمريكي الذي ترتبط معه "إسرائيل" باتفاق تفاهم وقع عام 1998 بين الرئيس بل كلينتون ورئيس حكومة "إسرائيل" السابق بينامين نتنياهو. ومع أن هناك طفرة عربية حالية في إنتاج أقمار صناعية ، فهي لا تزال مجرد أقمار اتصالات وأقمار لبث المحطات التلفزيونية الفضائية ونظام تسليم مفتاح من الشرق والغرب رغم أن خبراء الفضاء يؤكدون أن امتلاك تكنولوجيا الفضاء معناه إنشاء وتطوير صناعات أخري مرتبطة بها مثل الصناعات المرتبطة بالليزر والمواد الجديدة والإلكترونيات والطائرات وأجهزة الملاحة والاتصالات والبرمجيات‏ ، وصناعات أخري عديدة مثل "التيفلون" العازل لحرارة الصواريخ واصبح يستخدم في أواني الطهي ، والماء الثقيل اللازم للمفاعلات النووية ، وغيرها الكثير .
//امثلة على التجسس الإسرائيلي الالكتروني على الدول العربية:
ساهم ظهور الإنترنت في تسهيل الكثير من متطلبات الحياة وخاصة الأمور الإدارية والتنظيمية والمالية. وقد أصبح جزءا من حياتنا اليومية، نحن نستيقظ في الصباح ونتحقق من رسائل البريد الإلكتروني على أجهزة الكمبيوتر بعد ذلك في طريقنا للعمل نستخدم شبكة الانترنت في هواتفنا المحمولة لنرى ما استجد. في المكتب قد نحب معرفة آخر الأخبار بتصفح المواقع الإخبارية. وخلال اليوم نتصفح الإنترنت للعثور على معلومات نريدها أو للوصول إلى موقع معين للقيام ببعض المعاملات وفي المنزل نفضل استخدام شبكة الإنترنت لأغراض الترفيه والتواصل الاجتماعي ونقوم بتلك الأمور حتى نهاية اليوم ولا نستطيع التفكير في العيش دون استخدام الانترنت. ومع سرعة تطور الانترنت وانتشاره ظهرت الكثير من الثغرات الأمنية التي تشكل تهديدا لا يقتصر على مستخدميها من الأفراد وإنما على اقتصاد وأمن الدول التي تعتمد عليه . والأمثلة كثيرة في هذا الصدد . أسرائيل تتجسس على الفلسطينين أفرادا وسياسيين وحكومة من باب أستباق الأحداث تحرص اجهزة الأمن الإسرائيلية على عدم استثناء أية حكومة أو مسؤول مهم أو ترى من المناسب لذا وضع عمله تحت رقابتها، وقد أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض (شارون) أمام الرئاسة الأميركية لمحادثات هاتفية لعرفات وهو يؤيد الأعمال المسلحة في انتفاضة الأقصى، بهدف ايجاد المبررات لإسرائيل فيما تقوم به من عنف موجه للشعب الفلسطيني أو أية جهة عربية تؤيده. كما تحرص أجهزة الأمن الإسرائيلية على معرفة اتجاهات الرأي العام الفلسطيني وآراء المجتمع إزاء الأحداث الجارية ، فتقوم بالتجسس على هواتف الكثير منهم خاصة العاملين في المجال الإعلامي والإنساني ومؤسسات المجتمع المدني.
بنت أسرائيل محطة لشركة (موبينيل) على بعد كيلومترين من الحدود المصرية، من دون الحصول على ترخيص من مصر، فقد جُهّزَت بهوائيات أكثر ارتفاعاً وسعة، ساعدت في تمرير المكالمات الدولية المصرية عبر النت الإسرائيلي،فضلاً على سبيل المثال ، استغلال معاهدة كامب ديفيد) التي تسمح للأسرائيلين دخول سيناء بدون جوازات سفر أو تأشيرات لمدة اسبوعين مما جعل عملية التسلل إلى داخل البلاد أمراً سهلاً. وكشفت الأردن عام 1997 عن شبكة تجسس إسرائيلية حاولت اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ، كشفت لبنان خلال السنوات الأخيرة عن مجموعة من شبكات التجسس التي عملت لصالح أجهزة الأمن الإسرائيلية وهي مكلفة ببعض المهمات الأمنية والاستخبارية، و في العراق يكفي الأشارة الى ما طفح إلى السطح في الغارة الجوية الإسرائيلية عام 1982 ، والتي نتج عنها تدمير المفاعل النووي العراقي، وقد تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من خلال معلومات الاتصالات المحورية من التوصل إلى تصورات واستنتاجات في غاية الأهمية، تتعلق بأمن العمليات وغيرها مما له علاقة بقرارات حاسمة على المستوى الاستراتيجي ، منها: التعرف على الطرق والسياقات المعتادة في متابعة الاختراقات الجوية وأسلوب معالجتها، وتشخيص الثغرات في منظومات الدفاع الجوي وانتشار الوسائل، لوضع خطط التسلل أو التخطيط للهجمات، وتحديد عدد الطائرات وصلاحياتها، وموقف الطيارين وأعدادهم، والتعرف على قواعد الاشتباك. وباتت تفاصيل مطارات غرب العراق خصوصا،والقواعد والمواقع المجاورة، معروفة لدى إسرائيل، كما وفرت المراقبة حالة إنذار مبكر للدفاع الجوي الإسرائيلي. و يكشف الصراع الدائر في سوريا حاليا حوادث عدة عن تغلغل أصابع التجسس الإسرائيلي في هذا البلد، وشواهد هذا الأمر كثيرة ، منها ما تناقلته وسائل الإعلام عن اكتشاف منظومة تجسس إسرائيلية قبالة الشاطئ السوري لنقل الصور بشكل فوري إلى إسرائيل، من خلال كاميرات معدة لهذا الغرض عبر هوائيات للأقمار الصناعية، وإن مكونات المنظومة التجسسية كانت موضوعة بشكل مموه بحيث تتطابق بشكل كامل مع طبيعة الصخور الموجودة في المنطقة التي زرعت فيها ، ومكوناتها تتضمن كاميرا وهوائيات وست بطاريات ومنظماً كهربائياً فضلاً عن الكابلات التي كانت تصل القطع الرئيسية مع بعضها.
اعترفت صحيفة (يديعوت أحرنوت) الإسرائيلية أنه خلال السنوات الثلاث الماضية ارتفعت نسبة اعتماد الجيش الإسرائيلي على الأقمار الصناعية لأغراض التجسس إلى 200% لمراقبة مايجري في المنطقة العربية ، مؤكدًا أنه تم بناء محطات جديدة تابعة لهذه الأقمار و(أن الاعتماد على الأقمار الاصطناعية في الحصول على المعلومات وعمليات الرصد، لن يتوقف بل سيزداد خلال السنوات القادمة، نظرًا لما تتعرض له المنطقة من أحداث).
//أسباب التفوق الإسرائيلي في مجال التجسس الالكتروني:
تحرص الأجهزة الحكومية والأمنية الإسرائيلية على عقد (مؤتمر هرَتزليا) السنوي الذي يناقش الأخطار والتهديدات التي قد تهدد الأمن الإسرائيلي، من وجهة نظر الكيان الإسرائيلي المحتل ويتم فيه تحديد حجم ودور القوات المسلحة وأوجه تسليحها ويشارك في المؤتمر نخبة من السياسين والعلماء والمفكرين والقادة العسكرين وعدد من المراكز البحثية المختصة بالأمن والتجسس،على سبيل المثال حدد هذا المؤتمر لعام 2001 ثلاث دوائر تهدد ما يسمى بالأمن الإسرائيلي هي الدائرة الداخلية: (حماس والجهاد) والدائرة القريبة:(الدول العربية) خاصة القريبة منها، والدائرة البعيدة (باكستان وإيران) بمعنى أن تنفيذ مقررات المؤتمر يتوقف إلى حد كبير على معلومات أجهزة الأمن الإسرائيلية. إن هواجس قلق وخوف إسرائيل على وجودها تدفع على الدوام الدوائر السياسية والأمنية والفكرية فيها لتامين هذا الوجود، بشتى الوسائل ومهما بلغت سبل وفداحة الأمر، لهذا تشير الإحصائيات والتقارير إلى إن إسرائيل تعد دولة متقدمة جدا في مجال المعلومات والألكترونيات وما يتعلق بهما من تجسس على دول جوار، مدفوعة برغبة كبيرة للوصول إلى هذا الأمان، بل يتفق معظم الخبراء أن إسرائي لتحتل مرتبة متقدمة بين الدول المنتجة للتقنيات العسكرية والمعلوماتية، وخاصة الأمنية منها.
أولا:الدعم الحكومي: تقدم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دعما متواصلا لقطاع المعلومات، فأسهمت بذلك في تحقيق التطور الكبير في ميدان تقنيات المعلومات وتداولها وصناعتها، ولهذا حصل التنافس الكبير من قبل شركات عالمية مختصة في تقنيات المعلومات، للحصول على حصة في الشركات الإسرائيلية العاملة في هذا المجال، وهذا يشجع الاستثمارات الحكومية في هذه الشركات والتوجه إلى تأسيس شركات جديدة، وتقدم الحكومة مبالغ طائلة سنويا لعمليات التطوير التقني لقطاع المعلومات، وتخصص 3% من ميزانيتها السنوية، للإنفاق على مجال تقنية المعلومات والبحث العلمي.
ثانيا : وجود مراكز علمية وجامعات ومعاهد تقنية مختصة في المعلومات في إسرائيل تقوم بدور بارز برعاية الطاقات المختصة بتقنية المعلومات.
ثالثا: دور القوات المسلحة الإسرائيلية: تركز القوات المسلحة الإسرائيلية على المعلومات لفائدتها من حيث القيمة المعرفية في حماية الدولة، وعلى تكنولوجيا المعلومات التي توفر سمة الأمن والتجسس لها، كما تعد قوات الأمن الإسرائيلية مصدرا مؤكدا لخبراء أمن المعلومات ،من خلال متخصصيها في هذا المجال.
رابعا: هجرة الكفاءات إلى إسرائيل: من أسباب التفوق الإسرائيلي في مجال التجسس الألكتروني والمعلومات، إنها تعنى بالكفاءات العلمية المهاجرة إليها ، وقد أدت هذه الهجرة إلى ارتفاع نسبة العلماء والمهندسين فيها، لتصل أواخر التسعينيات إلى رقم قياسي عالمي هو 135 عالما أو مهندساً لكل11 آلاف نسمة، وكان لهم دور بارز في تطوير الصناعة المعلوماتية، بالتخطيط السليم، والدعم الأميركي المفتوح للكيان المحتل.
خامسا: تنشيط التجارة واعتماد خطط تجارية مبتكرة لدعم المشاريع المعلوماتية لتفادي احتمالات الفشل، في ظل العدد الكبير من الشركات التي تعمل في تجارة الأنترنت ، والوصول إلى الأسواق العالمية، اختار المختصون الإسرائيليون في تقنية المعلومات أسلوباً تجارياً مبتكراً، لدفع شركاتهم الصغيرة إلى السوق العالمية، يعتمد على تكوين تجمعات من كل الشركات الصغيرة، التي تمتلك أفكاراً، أو مشاريع، معلوماتية مبتكرة، في مواسم محددة ، ومشاركة هذه التجمعات في أجنحة مشتركة ضمن أكبر المعارض العالمية المختصة في تقنيات المعلومات، لعرض أفكارها على الشركات العالمية ، وطرح فكرة رعاية المشاريع أو المشاركة في تمويلها وأدى هذا الأسلوب إلى دخول معظم الشركات العالمية، العاملة في سوق تقنية المعلومات، مثل مايكروسوفت، وإنتل، وهيوليت و باكرد، وكومباك، وياهو إلى تجارة تقنية المعلومات الإسرائيلية، فيسهم هذا الأمر في جلب الأموال الطائلة إلى إسرائيل ودفعهم إلى مزيد من التفوق في مجال صناعة المعلومات وآليات التجسس.
إن السياسة الحالية لإسرائيل في ظل التمزق العربي وطموحها إلى الاطمئنان أكثر على واقعها الحالي ومستقبلها تدفعها للاستمرار إلى تامين وجودها بكل ما تستطيع من طرق وسائل سياسية واستراتيجية وتكنولوجية، وفي مقدمة ذلك التجسس الألكتروني الذي يتطور باستمرار ولا يبدو انه سيقف عند حد معين ، وهو سيبقى قاعدة عامة تقف عليها إسرائيل انطلاقا من مبررات عدة اهمها عدم استقرار الوضع العسكري في المنطقة ورغبة إسرائيل الملحة في أن تكون على متابعة مكثفة وحثيثة دائمة لما يدور حولها

محمد نجيب السعد
باحث أكاديمي عراقي