كلما أوغل كيان الاحتلال الإسرائيلي في ممارساته العنصرية وانتهاكاته اللاإنسانية وجرائم حربه وإرهابه ضد الشعب الفلسطيني، يشتد معها إلحاح الأسئلة المحقة للبحث عن الإجابة الحقيقية: هل هناك فرق بين الشعب الفلسطيني وأي شعب عربي آخر؟ أليس الفلسطينيون الأحق والأولى بما يعلن ويتم من مواقف وتحركات عربية لنصرتهم واستعادة حقوقهم المسلوبة؟ أم أن الشعب الفلسطيني أصبح من الماضي وقضيته أصبحت عبئًا على الأنظمة العربية ويرون أنها قد سلبتهم الهدوء والاستقرار اللازمين للبقاء على كراسي العرش؟
من المؤكد أن لا فرق بمنظور الشعوب العربية ، لكن في الموقف الرسمي تحديدًا العربي ـ الغربي، هناك ـ كما يبدو ـ بون شاسع يتبين من خلال طبيعة التحركات الدائبة والمواقف الحازمة، حول ما يسمى "ثورات الربيع العربي"، حيث استخدام القوة العسكرية لنصرة شعوب عربية، وفرض العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الدبلوماسية وطرد السفراء والبعثات الدبلوماسية من الدول العربية والغربية (أوروبا والولايات المتحدة تحديدًا)، وتجميد العضوية والعمل على نزع الشرعية وحظر السفر، والتلويح باللجوء إلى التدخل العسكري الأجنبي، وتجنيد تكفيريين ومرتزقة وتسليحهم تحت لافتة "دعم معارضة معتدلة"، في تجاهل تام في المقابل لمعاناة وآلام الشعب الفلسطيني الذي يرزح لما يزيد على ستين سنة تحت أبغض احتلال عرفه التاريخ، ويمارس عليه عتاة الصهاينة أبشع صنوف الإرهاب لم يعرف التاريخ مثيلًا له، إرهاب فاق كل التصورات، وأساليب ترهيب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بالجملة ترتكب بحقه، وغير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، وإذا ما حاول الشعب الفلسطيني أن يصد هذا الإرهاب الذي يأتيه من كل مكان من الجو والبحر والبر، ويحاول أن يمنع الظلم عن نفسه بوسائل مشروعة كفلتها له الشرائع السماوية قبل شرائع منظمة الأمم المتحدة الوضعية، فإذا ما حاول ذلك أقامت القوة العظمى بجلال قدرها الدنيا ولم تقعدها، ومن ورائها تابعتها أوروبا التي وصفها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش "الصغير" بـ"أوروبا القديمة"، رافعة كل منهما عقيرتها معتبرتين أن دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه ومحاولته دفع الظلم عنه هو "إرهاب" يجب وضع حد له، فالإدانة والاستنكار والشجب بأشد عباراتها تطغى على مقدمات الأخبار، وتصبح هذه مادة أساسية للقنوات الفضائية لا سيما العربية.
من المؤلم والمؤسف أن يُقْدِم كيان الاحتلال الإسرائيلي على سرقة في وضح النهار وفي غمرة احتفالات الفلسطينيين بيوم الأسير الفلسطيني، وذلك بإقرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما سمي بـ"قانون أملاك الغائبين" وتطبيقه في كل من الضفة الغربية والقدس المحتلة، حيث يقضي القانون العنصري الاحتلالي البغيض بمصادرة أملاك الفلسطينيين الذين هجرتهم قوى الشر العنصرية الإرهابية الإسرائيلية في عام 1948م. فالقانون الاحتلالي العنصري الذي سنته سلطات الاحتلال الإسرائيلي في عام 1950م وأقرته ـ رغم سلسلة استئنافات قدمها فلسطينيون إلى منظمات حقوقية ـ لتسهيل استيلاء كيان الاحتلال الإسرائيلي والسيطرة على أملاك الفلسطينيين الغائبين، أي الذين هُجِّروا من بلادهم في عام 1948، ولجأوا إلى دول يعتبرها كيان الاحتلال عدوًّا، وهي مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق واليمن والسعودية، فالقانون لا يبدو خطيرًا جدًّا فحسب لما يترتب عليه من مصادرة لأملاك دون وجه حق أو مسوغ قانوني وشرعي، وإنما يبين أن الحلم التلمودي المسمى بـ"يهودية الدولة" و"إسرائيل الكبرى" كان مخطط تحقيقه قد أعد من قبل الصهيونية العالمية وبالتعاون مع دول الاستعمار آنذاك أثناء فترة إعداد الخطط لسلخ فلسطين من الوطن العربي لتكون أرضًا للصهاينة أو كما يسمونها "أرض الميعاد"، بمعنى أن القانون ما هو إلا أداة تنفيذ تضاف إلى باقي القوانين والتحركات والمشاريع التي أقرها كيان الاحتلال الإسرائيلي مدعومًا بقوى الاستكبار العالمي التي مكَّنته ودعمته والتي "أي القوانين والتحركات والمشاريع" تهدف إلى تهويد أرض فلسطين بالكامل وهو ما يتكامل مع المحاولات الإسرائيلية الجارية لإفراغ ما تعرف بأراضي 48 من أي وجود فلسطيني مسلم ومسيحي وتهويد القدس المحتلة والقرى الفلسطينية وطمس هويتها العربية والإسلامية.
إنها عنصرية إسرائيلية ولصوصية في وضح النهار تتجلى في أوضح صورها، وتتم في الوقت الذي تحمل فيه الأيادي العربية والإسلامية خناجر الفتن الطائفية والمذهبية المسمومة ورماح التآمر والدسائس الصهيو ـ غربية لتنحر المنطقة من الوريد إلى الوريد، ولذلك لا عزاء للفلسطينيين في محنهم ونكباتهم إلا بالاعتماد على أنفسهم بعد التوكل على خالقهم.