[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” .. إن استقراء التاريخ والاستناد علي أحداثه في هذه القضية تحديدا, بهدف اتخاذ بعض القرارات الاستراتيجية المصيرية, أو الاعتماد على معطياته لتحديد مسلك ومسار التعامل مع عدو الأمة الأكبر, المستعمرة الإسرائيلية الكبرى, هو وسيلة استشرافية ناجحة وفعالة جدا, بل اعتبرها شخصيا من أفضل الوسائل لذلك, ولكن ....”
ـــــــــــــــــــــــ
ليس من المبالغة, إذا ما قلنا إن مسألة الصراع العربي مع العدو الصهيوني, كانت ومازالت وستبقى من أهم وأبرز قضايا الأمة التاريخية المصيرية, والتي أخذت مساحة لا يستهان بها من الأبحاث والدراسات الدولية بوجه عام, والعربية على وجه الخصوص, ما بين تناول لها بالنقد والتمحيص والاستشراف وغير ذلك من الأساليب الأدبية والفكرية, وعلى مختلف النواحي والجوانب التاريخية منها والثقافية والسياسية والعسكرية ..الخ.
غير أن ذلك للأسف الشديد، لم يكن كافيا من جهة ما ـ الى الآن على اقل تقدير ـ للمساعدة على تحديد واتخاذ القرارات العربية الحاسمة والموحدة للتعامل معها بطريقة ترجح فيها كفة الميزان العربي مع مستعمرة الإجرام الصهيوني, أما من جهة أخرى فقد كان التعامل العربي, وتحديدا الرسمي اقرب إلى تناولها بأسلوب انعزالي منقسم على نفسه تقريبا في أغلب الأحيان, وذلك ما بين التواصل والتطبيع السياسي معها بهدف السلام ـ بحسب بعض وجهات النظر ـ , أومن خلال العداء المعلن عليها بسبب او لآخر, او من خلال الصمت واتخاذ ما يسمى بجانب الحياد السياسي ما بين هذا الجانب او ذاك, وخصوصا في أوقات الهدنة ـ إن صح تسميتها كذلك ـ والتي طالما حدد موعد بدايتها او القضاء عليها الجانب الإسرائيلي في أغلب الأوقات, مما جعل من أغلب القرارات العربية المتخذة على هذا الصعيد أقرب إلى القرارات التكتيكية الفردية منها الى الاستراتيجية العربية القومية, وهو ما جعل من أغلبها في عداد الأموات حتى قبل ان يشاهد النور.
كما ساعد هذا التقزيم والتشرذم العربي الجانب الإسرائيلي على استغلال هذا الانقسام العربي المستمر في أسلوب وطريقة التعامل معه, لتوسيع دائرة الخلاف العربي العربي أولا حول نفس الفكرة, ومن ثم لمضاعفة قوته الاستراتيجية على الأرض العربية, وثالثا من خلال إسكات الأصوات المعادية له, او حتى تلك التي يستشعر قدرتها على احتواء بعض تصرفاته العدوانية, وأخيرا وليس آخرا تمرير القرارات التي تضاعف من فرصه في التوسع والاستيطان, وتثبيت قوته واحتلاله للعديد من الأراضي العربية, والتي اغتصبها بقوة الإرهاب ومساندة القوى الصهيونية العالمية الكبرى له في الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا على سبيل المثال لا الحصر.
المهم في الأمر ان عملية السلام الدامي والوهمي مع مستعمرة الإرهاب والإجرام الصهيوني لم تستطع إحراز أي تقدم ملموس على الأرض, والدليل على ذلك بقاء حال النزاع والصراع على ما هو عليه معها منذ إعلان قيامها بقرار ظالم من قبل هيئة الظلم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947م , ـ ومن وجهة نظري الشخصية ـ ان توقع إحراز أي تقدم مستقبلي في هذا الجانب, في ظل الظروف العدائية الراهنة لمستعمرة القتلة الصهيونية, وفي حال استمرار التقزم والانقسام العربي , لن يكون أفضل حال مما كان معها, بل على العكس من ذلك , فإسرائيل اليوم هي أشد رغبة من ذي قبل في فرض إرادتها وقوتها وسيطرتها بالعنف والإرهاب على الأمة الإسلامية عموما وقلبها العربي تحديدا, وذلك لإحساسها بالرعب والقلق من وجودها المفروض بأمر الواقع في محيط رافض لها بشكل كلي, مع تزايد العداء الشعبي العربي لها , مما يجعل من ردة فعلها تجاه بعض التصرفات والقضايا, أكثر قسوة وتعنت وإجرام وعشوائية في أساليب المواجهة والرد.
والحقيقة التي لابد أن يفهمها ويستوعبها بعض من لا يعتبرون من التاريخ, هي ان ضعف ردة الفعل العربي الرسمي أو سلبيته تجاه بعض التصرفات الإسرائيلية عبر تاريخ هذه القضية, والانقسام العربي المستمر في اتخاذ قرارات مشتركة وقوية وجدية, كان احد أهم الأسباب في تعنت الجانب الصهيوني منذ اليوم الأول له على الأرض العربية من جهة, أما من جهة أخرى, فان التجاهل الرسمي المستمر لمعطيات التاريخ, وعدم التعلم من الماضي البعيد او القريب , والتي أجد أنها الاستثمار الناجح والأساس القوي, لبناء منظومة مستقبلية عربية من القرارات الفعالة والقوية والناجحة للتعامل مع القضية العربية الكبرى،أي قضية الصراع مع مستعمرة الإجرام الصهيوني, والتي طالما شهدت على واقع ان هذه المستعمرة لا تفهم معنى عملية السلام او المقصد منه، كان السبب الآخر لهذا الفشل الاستراتيجي في التعامل مع التصرفات الإسرائيلية المتعنتة والإجرامية الدائمة على الأرض العربية عموما والفلسطينية على وجه الخصوص. والتي نجد اليوم بأنها قد تخطت نقطة اللاعودة كما يشير الى ذلك كل من الباحث جيفري كيمب وجيرمي بريسمان في كتابهما - نقطة اللاعودة, الصراع الضاري من اجل السلام في الشرق الأوسط, و( نحن نستخدم هذا التعبير في إطار مفهومه الأصلي الوارد في علم الطيران, وهو: تحديد تلك النقطة التي ينبغي قبل الوصول إليها ان تدور الطائرة على أعقابها, وتعود الى نقطة المغادرة في حالة وقوع أي خلل في المحرك, والتي في حالة تخطيها تصبح العودة مسألة غير عملية).
والغريب في الأمر, أنه كلما اشتد موقف العداء الصهيوني للمسلمين والعرب, وذلك من خلال قيام مستعمرة القتلة الإرهابيين بالاعتداء على الأراضي العربية بين الحين والآخر, وانتهاك سيادتها وأمنها القومي, او قيامها بعدد من المجازر والمحارق العنصرية الإرهابية في فلسطين الإسلامية العربية, يظهر لنا بعض الانهزاميين من السياسيين والأكاديميين والمثقفين العرب, على الجانبين الرسمي وحتى الشعبي, ليعيد لنا ترتيل المكتوب في تلك الاسطوانة المشروخة لفهم معطيات التاريخ, والتي يرون - من وجهة نظرهم الشخصية - , إمكانية الوصول من خلالها الى تسوية شاملة وناجحة مع العدو الصهيوني, على المدى القريب, او حتى على المدى الاستراتيجي, وذلك بالاستناد على بعض المواقف والتصرفات والمعطيات الإسرائيلية التاريخية الشاذة او الاستثنائية, او من خلال استقراء بعض الخطابات اللينة والمدسوسة لتمرير او تبرير بعض القرارات او التصرفات الإسرائيلية الرسمية, والتي كان المبرر من وراء ليونتها او تنازلاتها في وقت ماء , مجرد تكتيك سياسي او تلاعب على الذقون والشوارب العربية, وذر الرماد في بعض العيون العربية العمياء عن الحقيقة أصلا.
فإذا كان فهم البعض لمعطيات التاريخ يشير الى انه لا يمكن لعملية السلام مع إسرائيل ان تعود او تتراجع الى الأوضاع التي كانت سائدة قبل إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 م, او انه لا يمكن تجميدها, كون القوى المحركة في الشرق الأوسط تؤكد بالفعل ان ( أي توقف في العملية ستقابله بالتوازي أنشطه سلبية ستساهم في مزيد من تآكل الثقة بين الأطراف المعنية), فانه يجب كذلك أن يأخذ في الجانب الآخر من تلك المعطيات , بأنه لا يوجد ما يضمن للجانب الرسمي العربي ان عملية السلام الراهنة ستتحرك الى الأمام لتصل الى أهداف التسوية الشاملة, والدليل على ذلك التاريخ نفسه الذي تقتطع ما تشاء منه بهدف ترويج أهدافها وأفكارها تلك الشريحة من الانهزاميين العرب.
وهنا نقول: إن استقراء التاريخ والاستناد علي أحداثه في هذه القضية تحديدا, بهدف اتخاذ بعض القرارات الاستراتيجية المصيرية, او الاعتماد على معطياته لتحديد مسلك ومسار التعامل مع عدو الأمة الأكبر, المستعمرة الإسرائيلية الكبرى, هو وسيلة استشرافية ناجحة وفعالة جدا, بل اعتبرها شخصيا من أفضل الوسائل لذلك, ولكن بشرط ان يأخذ التاريخ جملة وتفصيلا , لا أن يقتطف البعض منه, ليتخذ كوسيلة وذريعة لترويج بعض الأفكار الانهزامية, او ليترك كله فلا يكون الوسيلة لخداع الجماهير أو الشعوب, لا كما تقول الحكمة: ان ما لا يؤخذ كله لا يترك جله, بل خذوا التاريخ جملة أيها العرب او اتركوه بأكمله, فبناء القرارات المستقبلية الاستراتيجية في عملية معقدة ومؤلمة للجسد العربي لابد أن يتم التعامل معها بأسلوب القراءة الأمينة والمتكاملة لمجمل أحداث التاريخ في هذا الصعيد, لا أن يتم التمسك ببعض الأفكار والخطابات والأطروحات الإسرائيلية المخادعة والمسمومة لبناء أسلوب وطريقة التعامل مع مستعمرة الإجرام الصهيوني.