[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
على الرغم مما لحق بالقضية الفلسطينية من غياب واضح، سواء في العمل العربي المشترك أو في الإعلام العربي أو على الصعيد الداخلي للفلسطينيين أنفسهم، فإن هذه القضية لاتزال تمثل ترمومترًا لمسار الأحداث والمواقف الإسرائيلية والدولية والإقليمية، حيث ارتبطت مجريات الأحداث في المنطقة خاصة بالمخططات الإسرائيلية، فكان من علامة ذلك أن التصعيد العربي في المواقف تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي يقابله تصعيد إسرائيلي مماثل أو أشد تجاه الشعب الفلسطيني وفي قضايا أخرى تمس أمن المنطقة واستقرارها.
واليوم قد لا يوفر المناخ السياسي الضاغط الناتج عن تسارع الأحداث، المساحة الكافية على الأقل لالتقاط الأنفاس، وليس للرفاهية الفكرية والسياسية كما كان في الماضي، ولكن التوقف عند المفاصل الدقيقة للأحداث لابد منه لمعرفة اتجاه بوصلتها وماهيتها، لاسيما وأن المنطقة تعيش تحولًا خادمًا للاستعمار بقديمه وجديده، وخاصة الاستعمار الصهيوني الذي نجح في تحويل طاقات المنطقة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والدينية، وقبل ذلك الطاقات البشرية إلى جنازير تجرف أرض المنطقة وتمهدها لمرور جحافله (أي الاستعمار الصهيوني) والاستعمار الغربي الداعم له، حيث لا يزال منشار الطائفية والمذهبية الذي صنعته الاستخبارات الصهيو ـ غربية يؤدي مفاعيله على الأرض، فالعمل السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي والديني بات مشطورًا إلى قسمين وفق التوظيف الطائفي والمذهبي الراهن والمراد أن يكون هوية المنطقة وشعوبها.
ووفقًا لهذا التقدير، جاء إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس الأول عن ثنائيتين يمكن وصفهما بأنهما "مفاجئتان" خاصة بعد أن شهدتا في الماضي طول جدل وحوار ساخنين. الأولى: إن حكومة الاحتلال الإسرائيلي ستقوم بتحويل أموال الضرائب الفلسطينية كاملة ، على أن يتم تشكيل لجنة مشتركة لبحث ملف المستحقات المالية على الجانبين، والثانية: إن لجنة عربية مكونة من ست دول تبحث إعادة طرح مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي يطلب تحديد سقف زمني لإقامة الدولة الفلسطينية.
تانك الثنائيتان لهما ارتباطهما المباشر بما يجري على أرض المنطقة من أحداث، وليس بقوة فعل المحكمة الجنائية الدولية ورفع ملفات الإدانة إليها، بدليل أن المحكمة لديها ملفات اتهام مطلوبين ولكنهم لا يزالون طليقين، ولم تنجح في إحضارهم للمحاكمة، لماذا؟ بسبب أن القوى الفاعلة والمسيرة لدفة الأحداث لا تريد على الأقل في الوقت الراهن، فكيف الحال بهذه القوى إذا كان المطلوب للمحكمة هو قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي؟ فجلب المطلوبين (غير قادة الاحتلال) لدى المحكمة من عدمه متوقف على الدور الخادم لمشاريع القوى الكبرى في المنطقة أو في العالم، وبالقطع حين ينتهي الدور والوظيفة تبقى مسألة الجلب مسألة وقت لا أكثر.
فالإفراج الإسرائيلي عن أموال الضرائب الفلسطينية، ومشروع القرار العربي الجديد المنوي تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي، في تقديري أنهما جاءا بُعيْدَ مواقف فلسطينية وأخرى عربية، من بينها:
أولًا: إعلان منظمة التحرير الفلسطينية وفي موقف مفاجئ وصادم في الوقت ذاته رفضها التدخل العسكري في مخيم اليرموك للاجئين في سوريا واستعادة أجزائه من قبضة إرهابيي "داعش" بحجة "الموقف الفلسطيني الثابت بضرورة عدم الانجرار إلى الصراع الدائر في سوريا الشقيقة وتجنب الوقوع في الخيار العسكري لأنه سيقود إلى نتيجة واحدة خطيرة بتدمير المخيم وتهجير أبنائه". يذكر أن أحمد مجدلاني وهو وزير سابق في السلطة الفلسطينية أرسلته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى دمشق لمناقشة الأزمة مع الحكومة السورية قد قال إنه يؤيد تمامًا هجومًا للجيش السوري لاستعادة السيطرة على المخيم.
ثانيًا: إرهاصات فشل حكومة التوافق الفلسطينية على خلفية سلسلة قرارات تتعلق بملف المعابر والموظفين، حيث أعلنت حكومة التوافق عن تشكيل اللجنة الإدارية القانونية لدراسة القضايا المدنية والمشاكل الإدارية الناجمة عن الانقسام، التي تشمل تعيينات الموظفين وترقياتهم والفصل ووقف الراتب والتنقلات في المؤسسات والإدارات الحكومية، واقتراح سبل معالجتها وتقديم نتائج أعمالها للجهات التنفيذية المختصة خلال ثلاثة أشهر، وكذلك إقرار تشكيل لجنة لترتيب استلام كافة المعابر إلى قطاع غزة، الأمر الذي سيدفع باتجاه تمكين حكومة التوافق من عملها في القطاع، وتسريع عملية إعادة الإعمار، وهو ما اعتبرته حماس "تنكرًا للتوافق وتكريسًا لحالة التهميش والتفرد التي تمارسها الحكومة"، وأنها قرارات خارجة عن اتفاق القاهرة وإعلان مخيم الشاطئ. وكما هو معروف أن أحد أسباب معاقبة سلطات الاحتلال الإسرائيلي للسلطة الفلسطينية بالاستيلاء على أموال الضرائب هو اتفاق المصالحة مع حركة حماس وتشكيل حكومة توافق فلسطينية.
ثالثًا: تحرك دول عربية في ملفات قضايا عربية لا تمثل خدمة للأمن القومي العربي، بخلاف القضية الفلسطينية، ولذلك وذرًّا للرماد في العيون ورفعًا للعتب يتم العمل على إعداد مشروع قرار عربي جديد لتقديمه إلى مجلس الأمن، مع أن العرب أنفسهم هم من تسببوا أكثر من غيرهم في فشل مشروع القرار الأول حول تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال وحدود الدولة الفلسطينية. كما يبدو من استعداد كيان الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية عدم إحراج حلفائه من العرب الذين ظهروا إلى العلن، ودفع الموقف الأميركي إلى استخدام الفيتو ضد مشروع القرار الجديد.