أنتم دائما تتساءلون لماذا أكتب واستمر في الكتابه، وأجيبكم عدة أجوبة أدبيه بأن الكتابة هي الحياة، والكتابة روح المثقف، والكتابة استنشاق للحرية، وبحيرة الخلود وغيرها من الأجوبه للاستهلاك الصحفي.
اليوم سأخبركم الحقيقه، والحقيقه انني انسان بسيط ، موظف في شركة كبيره، مجتهد ومثابر في العمل، ولدي قدرات اداريه ومهنيه لم تستفد منها الشركه، ولهذا انا معطل عن اداء دوري في التنمية والتطوير. أرسلت عشرات الرسائل التي قط لم تصل الى مدير عام الشركة، ليسمعني ولينتبه لدقائق لما أقوله، ليعرف بأنني هنا ولي اسم وكيان وشخصية وذكاء لا يقل عن مدرائه الذين حوله ان لم ازد عليهم، وانني من الموظفين المخلصين الأوفياء الأمناء، المستحقين بجدارة أن أكون بوظيفة مدير في شركته، وأني سوف أكون ذا فائدة كبيرة في الشركة بعملي وولائي وإخلاصي كأحد كوادره الذين يمكن الاعتماد التام عليهم.
ولكن وصلت إلى هذا العمر وبعد هذه السنوات الطويلة في التفاني في العمل، ولا يزال المدير العام لا يعرفني، ولا يعرف حتى بأنني أحد الموظفين لديه، فكيف سينتبه الى وجودي؟! وكيف سيعرفني ويرقيني في الوظيفة، وهو لديه عدة مئات من الموظفين أمثالي؟!
كنت أتابع الصحف وأرى بعض الكتاب يدلون بأفكارهم ، ويخطون أسماءهم لترسخ في أذهان القراء كمثقفين مجيدين، يحصلون على الاهتمام والاحترام من المسئولين والمجتمع .
وسمعت بأن المدير العام رغم مشاغله الكثيرة، يتابع الصحف أول بأول في الفترة المسائية، ولديه اهتمام بالثقافة بشكل عام.
قلت أخرج للمدير العام من خلال الصحف فيراني كاتبا، مثقفا، فيعرفني ويثني عليَ، ويهتم بي، ويمنحني المنصب الذي استحق.
ولكن قلت الكتابة الثقافية لا يمكن الوصول الى مستواها في يوم وليلة، وتأتي من خلال الممارسة المستمرة للقراءة والكتابة على حد سواء لسنوات طويلة، وانا ليس لدي الوقت لذلك ليعرفني المدير العام.
قلت استكتب أحد الصحفيين كما يفعل البعض، وأضع اسمي على ما يكتبه، واختصر مسافة السنوات ، وأنال احترام المدير العام حيث يرى اسمي في الصحف والمجلات، مقدما نفسي كأحد المثقفين البارزين في البلاد ، "صاحب رأي وقلم " .
ولكن سرعان ما صرفت النظر عن هذه الفكرة، لأنه ليس من شيمي وطبيعتي الزيف والخداع .
وبدأت الكتابة في الصحف في قسم رسائل القراء باسم مستعار، حتى أرى ردود أفعال القراء على كتاباتي ، ووجدت بأن لدي الموهبة والقدرة على التطور والتقدم في مجال الكتابة.
بعد عدة سنوات من القراءة المكثفة والكتابة اقتنعت بمستواي بالكتابة مقارنة بما يطرحه الصحفيون والكتاب في كتاباتهم، وحان الوقت لتقديم نفسي بأسمي الحقيقي في الملاحق الثقافية الصحفية، بعدما تجاوزت عثرات البدايات بعزيمه وجد وإصرار على النجاح.
وفعلا بدأ يظهر اسمي في الملاحق الثقافيه في البلاد عدة مرات ، وحضرت احدى اللقاءات للكتاب والمثقفين .
واردت ان احاور احد الكتاب المعروفين لاجده ادار ظهره الى شخص اخر ، وذهبت الى كاتب غيره لاحدثه ، وعندما راني قادما تحرك الى مكان آخر ، وذلك ربما لانني كنت مازلت كاتبا مبتدأ غير معروف لديهم وغير معترف به في الوسط الثقافي آنذاك ، فتصرفوا بذاك التصرف الذي عذرتهم فيه .ولكن برغم الاحباطات والتقدم البطيء في الكتابه ودروبها الشائكه ، والشعورالطاغي بعدم الجدوى ، وصعوبة المواصله .الا انني اخيرا استطعت التحقق على الساحه الثقافيه وتكريس اسمي وترسيخه كأحد الكتاب المعروفين، بل تفوقت على بعض الصحفيين والكتاب في مستوى المهنيه الكتابيه والشهره. وانفتح لي عالم ثقافي جديد لم اكن أعرفه ، بنشاط فكري وادبي كبير، وزادت معرفتي وخبرتي بدروب الثقافه وسككها ودهاليزها، وكيفية التعامل مع مجالاتها المختلفه، وتعمقت تجربتي في الحياه من خلال قراءتي وكتاباتي المستمره ، وسجلت الكثير من الافكار والوقائع الحياتيه التي ستبقى خالده في مؤلفاتي، والتي ما كانت لتكون لولا الكتابه ، وسيتابعها عموم القراء والمثقفين ، وابنائي واحفادي ، في يوم في هذا الزمان او في الازمان القادمه، وسيتناولها الدارسون للادب بالمناقشه والتحليل والتفسير.
اما المدير العام الذي كنت اسعى ليعرفني، فهو يعرفني حق معرفه الان ، بل دائما ما يستدعيني لاستشارتي في امور مصلحة الشركه ، ويكلفني بأعمال تنفيذية صعبه لا يثق بتنفيذها لاحد غيري ، ويشيد بي ويفخر لانتمائي لشركته، وانا حاضرا تحت امرته ورهن اشارته.
واشكره لأنه هو من كان السبب بدخولي في مجال الكتابه دون قصد منه ، وانا مرشح الآن منه لمنصب مهم.

نمير بن سالم آل سعيد