لايبدو أن ليبيا تتجه الى حل رغم كثافة التحركات من أجل وضع اليد على هذا الحل الذي بات دائما في طي الغيب. فمنذ أن توارت ليبيا في المجهول، وانقسمت على بعضها، وفتكت بها الفصائل المسلحة المتنوعة والأحزاب الدينية والعشائرية والقبلية والجهوية وغيرها، وهي غارقة في مستنقع الموت المتنقل الذي لا يهدأ ابدا، وبالتالي، فان الأزمة الليبية المتفاقمة لديها دائما قابلية التعبير عن آخر مواصفاتها الجهنمية بطرقها المختلفة.
من الجزائر الى المغرب الى جنيف الى طرابلس والاجتماعات متلاحقة بين أطراف الأزمة والصراع، ومع ذلك تشتد المعارك بين تلك الأطراف المتحاورة من أجل أن ينال كل منها مكانة أكبر في المفاوضات، وخصوصا" داعش" الذي تمكن من ان يحجز له مكانا مهما في الصراع وان يصبح مرجعا فيه، وهو حين يخسر في سوريا والعراق، تراه يتمدد في ليبيا.
منذ أن تآمرت جامعة الدول العربية على ذلك البلد العربي وفسحت المجال للحلف الأطلسي ان يعبث عسكريا فيه، بل منذ أن جاءه الصهيوني برنارد هنري ليفي وواقع الليبيين على حد السكين، كأنه يوم الحشر في بلد تتجاوز مساحته المليوني كيلو متر مربع مع تعداد سكاني لايتجاوز الأربعة ملايين، ومع هذا لم يبد الشعب الليبي حماسة الى تفرقه كما يبديه اليوم، حتى صارت عملية جمعه من أصعب المهمات التي لم ينجح فيها لا الجيش الليبي المبتديء والبسيط الذي يقوده حفتر ولا غيره من المحاولات الاممية التي يقوم بها المبعوث الاممي ليون.
لذلك صارت ليبيا مكبا لكل التنظيمات الارهابية التي تتصارع على الاستئثار بالبلد، كما تتصارع على ان يكون لها الواجهة السياسية كـ " فجر ليبيا " مثلا.
من الاطلاع على مسيرة الحوارات بين المتقاتلين سوف نجد على سبيل المثال انه في المرات العديدة في المغرب كان تحالف حفتر يفاوض فجر ليبيا وعلى طاولة المباحثات النقاط الست التي وضعها المبعوث الأممي ليون وأساسها حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات جديدة، أما ليون فقد ردد في اجتماعات جنيف التي أقيمت لهذه الغاية بين الأطراف الليبية ذاتها أنه لايوجد توقعات بحل سريع في ليبيا، وهو تعبير كرره في اكثر من مكان سواء الجزائر او جنيف او المغرب او داخل ليبيا ذاتها. ورغم الاجتماع الذي تم بين عواصم الجزائر ومصر وايطاليا لغايات مماثلة وهو البحث عن حل، ظلت الأمور على مشهدها الصعب اقتتالا وموتا بالجملة ولعبة نار لاتتوقف بين المتقاتلين.
حتى الآن يمكن القول إن ما يجري بين أطراف الصراع الليبي هو (حوار طرشان ) يبحثون عن حل لايعرفون من أن يبدأوا به أو كيف ينتهون، فلا الأطراف الليبية قادرة، بل هي عاجزة، ولا العالم بتدخله قادر على تأمين نقلة نحو حل ممكن، حتى قيل انه العجز بعينه، وان المراوحة بالبحث عن حل غير مرئي ولا موجود ولا ضامن لوجوده هو الأفق الذي يحكم الليبيين الذين من الواضح أنهم يتشبثون بانقساماتهم ويرون فيها المشروع الوطني للاوطن.
إنها صورة في غاية السريالية هو ما يحكم ليبيا ومن الواضح أنه البديل الوحيد لأي مشروع وحدوي آخر. فغياب مؤسسات الدولة صار أساسيا، والدولة بشكل عام لاوجود لها، وأمام صورة المستقبل الغامض، تحتاج ليبيا إلى معجزة كي يتوقف حوار الطرشان ويأذن لحل لا يبدو أنه قريب، والسبب الأساسي في هذا التعثر أن الأطراف الخارجية التي كانت السبب في انهيار الدولة الليبية وبروز هذا الوضع ترى من مصلحتها أن يستمر التناحر بل الانتحار الليبي.