[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” انسحبت القوات العسكرية الأميركية وحلفاؤها الغربيون من العراق، ولكن لم ينته الاحتلال ولا نفوذه ولا داعموه من أصحاب المال والنفط ومدن الملح، الذين لم يتركوا للعراق والعراقيين فرصة التخلص من الاحتلال العسكري الغربي والتهيؤ لإعادة البناء والأعمار ومسك زمام الأمور وطنيا وانجاز مهمات التحرر الوطني. ليقوموا بدوره الآخر، ويبرهنوا له قدراتهم في تكريس أهدافه وحتى شعاراته الكاذبة.”
ـــــــــــــــــــــ
تعمل إدارة أي احتلال في أي بلد تحتله، عسكريا أو نفوذا مباشرا أو إدارة منظمة، إلى صناعة قاعدة اجتماعية وطبقية لها من أبناء شعب ذلك البلد المحتل، وخاصة في مجال السياسة العامة والسياسيين العاملين، تتحول إلى قوة مواجهة وجهة معبرة عن مصالح الاحتلال التي وظفت لها، بل وتتحول إلى نخب بديلة عمليا في تأبيد الاحتلال واستمراره أو تغلغله ومد نفوذه ونشر ثقافته وتبرير ممارساته والتفنن في التخادم له. فتدافع عنه في إبرز المجالات التي يريد لها أن تقوم بها، وتذب عنه في أغلب الحالات التي يتعرض لها في كارثة احتلاله. وتمارس هذه الفئات المتحولة أدوارا بشعة في تنفيذ السياسات المرسومة لها والمخططة للبلد المحتل، وتصبح مظهره الخارجي وصورته البارزة، حتى ولو اختفى وجوده المباشر أو قواته العسكرية أو مرتزقته المجلوبون معه من غير أبناء ذلك البلد. وتتظاهر بعد تمكنها بدور قد يختلف عن حقيقتها ومنشأها الأساسي، بل وتسعى إلى التغطية والتضليل وتشويه الحقائق والوقائع، فلا تجد حرجا في نقد الاحتلال، لاسيما إذا فضحت مخططاته الإرهابية والعدوانية واستفزت ممارساته الإجرامية الرأي العام والجماهير العريضة من المجتمع المنكوب. ولا تشعر أو تندم على الكوارث التي نفذها الاحتلال وأدارها في الخراب والاختلال. ولا تهتم لمصائر الجماهير الواسعة ومستقبل البلاد والعباد. وتربط أو ترهن مستقبلها بقوة الاحتلال والتخادم معه، بل وتزيد أحيانا أو تبالغ في كل ذلك. ولم تختلف في العراق هذه القاعدة الذهبية للاحتلال، بل زادت توسعا في تعميق الهوة بين الشعب والسلطات، وكرست القاعدة الأخرى لأي احتلال استعماري، قاعدته الجديدة القديمة، قاعدة فرق تسد، المعهودة، في تفتيت الشعب المبتلى بالاحتلال وخدامه والمتخادمين من الصناعة الجديدة له.
انسحبت القوات العسكرية الأميركية وحلفاؤها الغربيون من العراق، ولكن لم ينته الاحتلال ولا نفوذه ولا داعموه من أصحاب المال والنفط ومدن الملح، الذين لم يتركوا للعراق والعراقيين فرصة التخلص من الاحتلال العسكري الغربي والتهيؤ لإعادة البناء والأعمار ومسك زمام الأمور وطنيا وانجاز مهمات التحرر الوطني. ليقوموا بدوره الآخر، ويبرهنوا له قدراتهم في تكريس أهدافه وحتى شعاراته الكاذبة. وما تصريحات قادتهم وهز رؤوسهم في المؤتمرات الصحفية مع إدارة الاحتلال وممثليه الرسميين، إلا دليل واحد بارز وجلي لمن يريد الاستفسار أو السؤال عن الدلالة والمعنى لما حصل ويحصل اليوم في العراق مثلا، وفي الساحات الأخرى أكثر من إثبات وشهادة. بل وصمة عار أبدية يسجلها التاريخ لكل من أسهم بأي دور في تمهيد الاحتلال الصهيو غربي للعراق وما حصل فيه والمنطقة العربية من بعده من كوارث متتالية ومآس لا تعد ولا تحصى.
ليس آخرها ما سمي إعلاميا بتنظيم الدولة الإسلامية واختصرها الإعلام الغربي خاصة بداعش. وداعش عنوان واضح لما خطط للأمة العربية وبيّت للدول الإسلامية التي تسعى إلى التحرر من الاستعمار وأعوانه، ومن الاحتلال والاستيطان والإذلال وخدامه. ووظف اعتياديا للمهمات التي يقوم بها الآن في العراق وسوريا وغيرهما من البلدان العربية خصوصا، ولكن خارطته التي يعمل عليها أوسع مما معلن لحد الآن، بل والنوايا السوداء المكشوفة تشير إلى ذلك، وتكشف ما يراد للمنطقة وشعوبها منه ومن بعد ذلك. وما عرف عن داعش ومرتزقته ومريديه رأس الجليد في الواقع العربي والإسلامي، إذ رسمت له الخرائط وأعدت له الميزانيات المليارية ووفرت له غرف التخطيط والتجهيز والعدة والعدد، دون حساب لإرادات الشعوب وخياراتها الوطنية والقومية، ولا اعتبار من دروس تاريخها ونضالاتها وصفحات كفاحها الوطني المشهود له والمعروف عنه.
تكشف ممارسات سياسيي ما بعد الاحتلال الصهيو غربي للعراق وما حدث بعده من تطورات خارج العراق وفي المنطقة، بعض المديات التي تعبر عنها سياسات إدارة الاحتلال وأساليبها القديمة - الجديدة. وهي لا تخفي أهدافها ومقاصدها وأغراضها لكل ما قامت به أو صرحت عنه أو طلبته، سواء بنفسها أو عبر من تخادم معها داخل وخارج العراق. وتفضح أعمال سياسي ما بعد الاحتلال المخططات العدوانية للاحتلال بأشكال واضحة وتبرهن عليها في المجالات التي وظفت لها أو كلفت بها أو تورطت ذاتيا فيها.
سيمر قريبا عام على الإعلان الرسمي لاحتلال أكثر من ثلث مساحة العراق، من قبل داعش، ولكن التحضير له غير المعلن أطول كثيرا من العام هذا، والتهيئة العملية وتوفير الحاضنة والبيئة كانت قائمة وفرسانها ما زالوا في واجهة المشهد الإعلامي والسياسي، والمليارات العربية الموظفة لخدمتهم وديمومة بقائهم على أهبة الاستعداد وتنفيذ الأدوار المخطط لها والمرسومة بدقة قائمة بل وتزداد مع توسع الولاءات وإعلانات البيعة لداعش، الواجهة الأخرى للاحتلال الصهيو غربي للمنطقة. ولعل متابعة تصريحات بعض هؤلاء، لاسيما من هم في العملية السياسية أو تحت خيمة داعميها أو عواصمهم، ولاسيما في العمل على تنفيذ مشروع بايدن في تقسيم العراق، والترويج له علنيا وفي تجهيز وسائل إعلام، فضائية والكترونية، وإطلاق تسميات بايدن عليها، والجهر بها والعمل عليها، ومحاولات البروز في ظلها وتكريس الفتنة الطائفية والاثنية، والتمويه وغسيل الدماغ ونشر السموم والتفنن بها شواهد إضافية لدور سياسي ما بعد الاحتلال.
وكل ذلك يبين إن سياسي الاحتلال هم أدواته المعلنة وأن بقاءهم في الواجهة إعلان صريح عن مشاريع الاحتلال وخططه وبرامجه وأهدافه. ولكل هذا لابد من التنبيه والتنبه منهم ومن كل ما يقومون به ويعملون عليه. إن خطرهم امتداد لخطر إدارة الاحتلال. وترك الساحات لهم يضيف صعوبات أخرى للكفاح الوطني والإرادة الشعبية التي تناضل من أجل التخلص من الاحتلال بكل أشكاله وأساليبه، وكل مخططاته وأهدافه. وجود سياسي ما بعد الاحتلال الذين تمت صناعتهم عبر الاحتلال ولخدمته وأبدوا استعدادهم له وقابليتهم في التخادم معه يسهل للاحتلال أداء سياساته وانجاز مشاريعه التي لا يمكن أن تكون في خدمة المصالح الشعبية والوطنية والقومية، فالحذر واجب منهم أولا ومن طروحاتهم وما يادونه أيضا.