[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

”يدرك هؤلاء الذين أغدقوا بالمال على المعارضة السورية جيداً أن هذه المعارضة كانت في جوهرها فخاً للمغفلين، لأنها لم تكن المعارضة التي صورت أو التي مثلها سكنة فنادق الدرجة الأولى المتنقلين من مطار لآخر، هؤلاء الذين يدعون تمثيلها في جنيف اليوم: فقد ركبت المجموعات الإرهابية المعارضة وتأبطتها شراً كي تدفعها "خارج قوس" لتفقد قيمتها الفعلية على الأرض.”
ـــــــــــــــــــــــــ
سبق وأن حذر العديدون من أولي الأمر والثقاة من اصحاب الرأي من أن المال يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدين في حالات كتلك التي تحدث في سوريا، بدليل ما سبق وأن حدث في أفغانستان بعدما تم دعم الأميركيين "الثوار الأفغان" لإخراج السوفييت بالسلاح والمال والدعاية وكل ما من شأنه تحقيق أهدافهم (السامية لنيل الحرية)! ولكن الثوار "من أجل الحرية" استدرجوا العالم الغربي واستغفلوه ليوجهوا إليه "صدمة وعي" من العيار الثقيل عندما وجد "فائض القوة" الذي اختزنوه منفذاً لهم في نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر، 2001.
يدرك هؤلاء الذين أغدقوا بالمال على المعارضة السورية جيداً أن هذه المعارضة كانت في جوهرها فخاً للمغفلين، لأنها لم تكن المعارضة التي صورت أو التي مثلها سكنة فنادق الدرجة الأولى المتنقلين من مطار لآخر، هؤلاء الذين يدعون تمثيلها في جنيف اليوم: فقد ركبت المجموعات الإرهابية المعارضة وتأبطتها شراً كي تدفعها "خارج قوس" لتفقد قيمتها الفعلية على الأرض. وهكذا تمت عملية الاستغفال فانتهت الأموال والأسلحة والمواد الداعمة (غير القاتلة) إلى أيدي المجموعات الإرهابية كداعش ISIS وجبهة النصرة اللتين راحتا تمتدان على نحو سرطاني عبر الحدود وفي جميع الاتجاهات، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، بدليل أن الولايات المتحدة وجدت نفسها اللحظة في ورطة تذكرها بمأزق دعم طالبان في أفغانستان قبل جلاء السوفييت. هي الآن تحاول جاهدة مع الآخرين ممن دفعوا الأموال بسخاء أن تطفئ حريق الدولارات وهي لم تزل بأيديها وأيديهم! فسارعوا، أيها الأصدقاء، بخراطيم الإطفاء قبل أن تحرق الدولارات السريعة الاشتعال أيدي الممسكين بها لإيداعها لدى "الأمراء" في هذه المنظمات الإرهابية المنبثقة من القاعدة قبل أن يفوت الأوان و"يقع الفأس بالرأس". وهو واقع لامحال.
وإذا كان المال الفائض لعنة حتى في الحالات الاعتيادية والأوضاع السلمية، لأنه يجلب لصاحبه الكراهية والحسد والفساد والإدمان وسواها من الأمراض المميتة، فإنه اليوم يحرق في محارق لا تبقي ولا تذر وكأن الرب يريد إعادة توزيع الثروة بين البشر على نحو عادل: فهذا من فضل ربي، ولم أحسن توظيفه، فاستدرجت إلى حرقه بالسعير.
ربما كمنت فضيلة أجهزة الاستخبارات والتحسس والتجسس في تعيين الخطر واستمكانه قبل حين، إلا أنها لايمكن قط أن تكون أداة للقضاء عليه والتخلص منه: هي أجهزة جمع معلومات وبيانات تساعد على تقوية الدول وصناع القرار فيها من خلال المعرفة. هي تضطلع الآن بدورها هذا على نحو دقيق في العالم الغربي، حيث لا تكون أجهزة حماية سلطة أو أدوات قمع مجردة، كما هي عليه الحال في عالمنا الشرق أوسطي الملتهب. لذا أعلن كبار القائمين على هذه الأجهزة في بريطانيا ودول أوروبا الغربية والولايات المتحدة أن سوريا غدت جزءاً من الأمن القومي لهذه الدول جميعاً. فثمة احتمالين يفرضان نفسيهما للتأمل في ظل هذه الإعلانات: (1) قد تكون هذه مقدمة للتدخل العسكري في سوريا بامتطاء مبرر القضاء على الحركات الإرهابية الفاعلة هناك؛ (2) وقد تكون هذه التصريحات وسيلة للقضاء على النظام السوري وتحويل سوريا إلى محرقة لفوائض القوة الشيطانية المتوحشة في الولايات المتحدة والعالم الغربي وفي دول الجوار الحليفة، ولا مانع لدى روسيا من ذلك، بطبيعة الحال. وفي الاحتمالين ستبقى مجمعات الصناعات العسكرية تدور بأقصى طاقاتها لتلبية حاجات الشرق الأوسط الدائمة على حال الطوارئ إليها. وهكذا يحترق المال العربي من خزائنه دون أن يمسسه أحد، ودون أن يشبع من جوع!