[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
حين استفاقت الولايات المتحدة من غيبوبتها جراء خسائرها الباهظة في حربي أفغانستان والعراق، استفاقت على قناعة بأنها لم تعد قادرة على خوض حروب جديدة مباشرة، إلا أنه من المؤكد أنها لم تتوقع أن تجد هذا الكم الهائل من المحاربين عنها بالوكالة والذي خرج من رحم "الحريق العربي" ليتولوا قيادة دفة حروبها وغزواتها لتحقيق مشروعها المسمى بـ"الشرق الأوسط الكبير"، حيث كان الاعتقاد السائد لدى الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني أن عجلات "المارينز" قد غرزت في مستنقعه، وأن حوافر وأضلاف "الكاوبوي" قد غاصت في وحله، وبالتالي تمزقت خرائطه.
ليس مبالغة القول إن "الحريق العربي" قد وحَّدَ البنادق؛ بنادق الاستعمار بقديمه وجديده، وبنادق الطائفية والمذهبية تجاه الهدف وهو شعوب دول المنطقة، بل إن بنادق الطائفية والمذهبية اليوم لا صوت يعلو على صوتها، وهي التي لا تزال موضوعة على أكتاف المحاربين بالوكالة، في حين نزلت بنادق المحاربين بالأصالة عن الأكتاف في استراحة تبدو طويلة وما عليهم سوى تلقي الأموال لتذخير بنادق الطائفية والمذهبية ووضع جديد السلاح على الأكتاف. ولذلك غدت الآمال أطول والأحلام أكثر، وأهداف تحقيق مشاريع الإبادة والتقسيم والتفتيت والتخريب إلى التحقيق أقرب.
اليوم القراءة الموضوعية لواقع الشعوب العربية لا تبدو بحاجة إلى إعمال جهد بحثًا عن الشواهد والأدلة على أن هذه الشعوب قد وقعت بين أسنان طاحونة الإبادة وقودها الطائفية والمذهبية، ومثلما يبذل المحاربون بالأصالة أقصى ما في وسعهم لتوفير جميع وسائل التمويل والدعم لبنادق الطائفية والمذهبية، يبدي المحاربون بالوكالة المنتشون بنخب الطائفية والمذهبية والإرهاب والتكفير أقصى جهدهم لإثبات ولائهم وتبعيتهم وعمالتهم لأسيادهم المحاربين بالأصالة من ناحية، ولنشر فكرهم المتطرف التكفيري وأحقادهم وكراهيتهم المهلكة، وفتنهم المحرقة من ناحية أخرى.
ومن ينظر اليوم إلى خريطة الأحداث في دول المنطقة يجد أن هناك عقابًا مركَّبًا يتم إيقاعه بحق شعوب عربية على تمسكها بعروبتها وباستقلالها وسيادتها، ومناصرتها للقضايا العربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ودعمها للشعب الفلسطيني ومقاومته، ورفض الاحتلال بشتى صنوفه وإدانة ممارساته وانتهاكاته ضد الإنسانية وجرائم حربه، وعلى كراهيتها للطائفية والمذهبية المقيتة ومقاومتها الفكر الإرهابي التكفيري المتطرف الذي يحاول التوحش عبر توغله في نسيج المجتمعات العربية والإسلامية وضرب عراها بأفكاره المأفونة. فكل من رفع عقيرته وخرج إلى الساحات تأييدًا لفلسطين وشعبها أو أسدى خدمة لمقاومتها أو عبَّرَ عن موقف مناهض للاحتلال الصهيوني، أو ناصب الفكر التكفيري الإرهابي المتطرف العداء هو الذي يكتوي بنيران بنادق المحاربين بالأصالة والمحاربين بالوكالة باسم الطائفية والمذهبية، في دلالة واضحة لا تقبل الشك على العلاقة الوطيدة والعضوية بين الفكر الاستعماري الصهيو ـ غربي وبين الفكر التكفيري الإرهابي المتطرف، وكأن الفكرين خرجا من رحم واحدة.
إن من ينظر إلى واقع حال الشعوب العربية يجد أنها عبارة عن قطعة لحم تشوى بنيران ذينك الفكرين، ولا ريب أن نجاح هذين الفكرين ـ لا سمح الله ـ يعني توحشهما في المنطقة، وربما في العالم، وبالتالي لن تقوم قائمة لا لتلك الصورة الناصعة البياض والحقيقية للهوية العربية، ولا لقيم المروءة والنخوة والشهامة الكرم وإغاثة الملهوف والتكافل والتراحم والتآلف وحب الخير للناس واحتضان الآخر ولو كان مخالفًا، ولن تكون تلك الصورة الحقيقية لرسالة الإسلام المتسامحة الداعية إلى الرحمة والمودة ومخاطبة الآخر بالحكمة والموعظة الحسنة، فإما اعتناق لهذا الفكر التكفيري المتطرف وإما قطع للأعناق. لذا ليس مستغربًا أن ترفرف رايات الاحتلال الصهيوني جنبًا إلى جنب مع رايات الفكر الإرهابي التكفيري ما داما وجهين لعملة واحدة ويشتركان معًا في الإرهاب والقتل والخراب والدمار، وليس مثيرًا للدهشة أن تدور تروس مصانع السلاح بأموال البترودولار لتزويد عصابات الإرهاب والتكفير بما يلزمها من السلاح والعتاد.
وإزاء هذا الواقع المستجد، يعمل المستعمِرون (المحاربون بالأصالة) على صب الزيت فوق أزمات المنطقة التي خططوا لها لتفجيرها، وكل ذلك بموجب ذرائع مختلفة تهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق نزعات الهيمنة الاستعمارية، وتحقيق المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لهم ولحليفهم الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني، حيث يجري تعميم المشهد بأن هناك نظامًا ومعارضة ـ كما يحصل الآن في سوريا على سبيل المثال ـ وبالتالي لا بد من دعم المعارضة التي اسْتُجِدَّ لها وصف "المعتدلة" لستر إرهابها وتلطخ أياديها بدماء المدنيين الأبرياء، ولتبرير دعم هذا الإرهاب الموصوف بالمعتدل، وأن هناك أنظمة شرعية يجب دعمها وحركات إرهابية يجب محاربتها، لكي تبقى كتلة اللحم البشري في المنطقة على قدور الاستعمار والإرهاب والتكفير والتطرف. بعد ذلك أليس محقًّا القول إن التقاء مصالح المحاربين (بالأصالة والوكالة) هو المتحكم بمصير الشعوب العربية؟