من ينظر إلى السياق الذي يصر عليه الخطاب السياسي الإسرائيلي يجد أنه عمل إضافي إلى جانب العمل الإرهابي الذي أصبح الخبز اليومي للشعب الفلسطيني، وذلك بما يملكه هذا الخطاب من فائض نفاق يلجأ إليه ليس للتملص من المسؤولية فحسب، وإنما من أجل مزيد من التنمر على الحقوق الفلسطينية، وللالتفاف على أي جهد دولي أو إقليمي يسعى إلى إيجاد مخرج للصراع العربي ـ الإسرائيلي القائم والمستمر منذ ما يزيد على خمسة وستين عامًا، فدائمًا ما يتكئ الخطاب السياسي الإسرائيلي إلى دعايات ممجوجة فقدت قوة تأثيرها حاليًّا وليس كما كانت في السابق، من قبيل "الدفاع عن النفس" في الوقت الذي سوَّت فيه آلة الحرب والدمار الإسرائيلية المدن الفلسطينية بالأرض كقطاع غزة، وأصبحت أراضي الضفة الغربية في فم وحش الاستيطان والاحتلال، وهو ما يدحض شعار "الدفاع عن النفس" و"المحيط العربي أصبح تهديدًا حقيقيًّا لإسرائيل".
وفيما يحاول المحتل الإسرائيلي العزف على وتر مثل هذه الشعارات واجترار مصطلحاته العنصرية كـ"يهودية الدولة" و"القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل" كنوع من إعادة التموضع في خانة التضليل السياسي والإعلامي، تحاول منظمة الأمم المتحدة الدخول على خط الجمود الذي أراده قادة الاحتلال الإسرائيلي عمدًا لجني أرباحه والتقدم في مشاريعهم الاحتلالية، مُلْقِيةً بحجر "حل الدولتين" في المياه الراكدة علَّه يحركها وفق سياق الواقعية والحيادية، حيث دعت المنظمة الدولية ممثلة في أمينها العام بان كي مون في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط وفلسطين أمس "إسرائيل" إلى المضي في حل الدولتين، لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإلى ضرورة تقديم الدعم للمصالحة الفلسطينية، لأن مستقبل الفلسطينيين ـ كما قال ـ يثير القلق في ظل الانقسام.
قد تكون هذه الدعوة مبنيةً على حسن نية وربما رفعًا للحرج عن المنظمة وعن الوظيفة التي يشغلها بان كي مون، إلا أن الزمن كما يبدو قد تجاوزها، حيث إن صاحب شعار "حل الدولتين" يستعد لحزم حقائبه لمغادرة البيت الأبيض، كما غادر سابقوه تاركين وراءهم مبادراتهم في زمن النسيان وفي أرشيف إداراتهم، ولذلك فإن حجر "حل الدولتين" الذي أرادت أن تقذفه المنظمة الدولية في المياه الراكدة قد خف وزنه وأصبح كالريشة من كثرة ضرب مطارق الاحتلال الإسرائيلي واحتكاك اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة به، وبالتالي فإن هذه الرمية في المياه الراكدة ليست سوى رمية خائبة في حركة التموج الغربي المتماهية مع النفاق الإسرائيلي والمعبأة بازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين.
إن مجمل ما يطلقه المسؤولون الإسرائيليون وحلفاؤهم الغربيون، ومن ورائهم المنظمات الدولية من مبادرات أو تصريحات لا يساوي الحبر الذي كتبت به أو قيمة الفواتير الموظفة في عملية نقلها إلى مسامع العالم، فكيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه الاستراتيجيون ليسوا معنيين بعملية السلام وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي إلا وفق ما يناسب معنى الإنهاء المرادف للتصفية للصراع لصالح الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا ينصب اهتمامهم الأكبر في الاستثمار في الإرهاب لتحقيق هدف الإنهاء والتصفية.