[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
في الحروب يكون خيار المدينة من أخطر وأصعب الخيارات، وتخضع جميع المدن التي تقع ضمن رقعة الحرب وأهدافها لدراسة معمقة وواسعة من قبل القائمين على وضع خطط الحرب، لكن أصعب القرارات تلك التي يكون القرار العسكري فيها اجتياح المدن، وهنا، يكون القرار إما مباغتا، فلا تحصل مقاومة شديدة من داخل تلك المدن، وبهذه الطريقة يكون اجتياحها بأقل الخسائر، أو يكون قرار الاجتياح مسبوقا بقصف وتدمير تلك المدن، واحيانا تتعرض المدن للقصف العنيف دون أن يتبعها اجتياح لها، كما حصل في حرب المدن خلال الحرب بين العراق وإيران ( 1980-1988) إذ وقعت طهران وبغداد تحت القصف بالطائرات وكانت حصة المدن الحدودية من القصف وبعد ذلك الدمار اكبر ومنها مدينة البصرة العراقية في اقصى الجنوب، اضافة إلى المدن الحدودية الايرانية مثل عبادان الغنية بالنفط ومدينة المحمرة.
وقد تكون حرب المدن بين الالمان في زمن هتلر وبريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية أوضح مثال على ذلك، فكان القائد الالماني يريد أن يكسر شوكة تشرشل بتدمير مدينة لندن ومثل ذلك اراد تشرشل ضد هتلر، وحصلت برلين ولندن على دمار غير مسبوق بفعل القصف الجوي، لكن نهاية الحرب كانت في برلين في حين بقيت لندن بعيدة بسبب المانع المائي وانهيار القوات الالمانية أمام التحالف ووصول تلك القوات إلى مقر هتلر في برلين لتنتهي الحرب بدخول المدينة.
ورغم أن القوات الأميركية والبريطانية تمتلك ترسانة كبيرة ومتطورة جدا، إلا أنها لم تقرر دخول المدن الكبرى، وعلى سبيل المثال، فأن مدينة "أم قصر العراقية" في أقصى الجنوب العراقي، لم تدخلها تلك القوات، لأن خطة الحرب تقضي بعزل المدن وتجاوزها، إذ تقول الحسابات العسكرية والسياسية أن الهدف الرئيسي هو مدينة بغداد، وهي رمز سيادي للقيادة العراقية، وأن قطع مسافة تقرب من خمسمائة كيلومتر من حدود البصرة مع الكويت حيث انطلقت القوات الأميركية – البريطانية من هناك، يحتاج إلى الابقاء على زخم القوة الاكبر لمدينة بغداد وعدم تشتيته في المدن الاخرى.
فكانت الخطة الأميركية تسير بخطين متوازيين، الأول اعطاء زخم اكبر للقوات البرية من خلال استمرار تقدمها بوتيرة متسارعة صعودا نحو بغداد، واستمرار قضم القوة العسكرية العراقية باستخدام سلاح الطيران والقصف الصاروخي المتواصل.
وبدون شك فقد كانت الخطة العسكرية في غاية الاحكام، وكان وصول طليعة القوات الأميركية بغداد ودخول المطار في الثالث من أبريل عام 2003 ، قد شكّل صدمة كبيرة للقيادة العراقية، ومهد لدخول احياء ببغداد يوم الثامن من ابريل ثم فرض كامل سيطرتها على بغداد في التاسع من ذات الشهر، وحصل الاجتياح خلال ثلاثة أسابيع فقط ، فكان تجاوز المدن الثانوية بهدف السيطرة على بغداد، وهذا ما حصل بالفعل.