في ظل ما يعتري المشهد العربي اليوم من تصدير للفوضى الهدامة من المحيط إلى الخليج، وإنتاج الإرهاب وعصاباته تحت شعارات زائفة ومسميات يراد بها باطل، فإن الحاجة ملحة إلى توحيد الجهود العربية ورص الصفوف لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي لا يهدد التنمية واستمرارها فحسب، وإنما يهدد بقاء الدول العربية ككيان قائم مستقر وآمن، وبالتالي فإن أي جهد يضع هذا الخطر في كفته الحقيقية بعيدًا عن خبث النية وسوء الطوية، أو تحقيق أجندات خارجية يبقى جهدًا مقدرًا، ولكن حين يقتصر هذا الجهد على أطراف وتستبعد منه أطراف أخرى تقاوم من أجل رفع رقابها من على مقاصل هذا الخطر الإرهابي الداهم والفوضى الهدامة، فإن مثل هذا الجهد يظل ناقصًا ومنقوصًا بل مشكوكًا في مصداقيته والنيات التي تقف وراءه.
ولعل عزم جامعة الدول العربية على مواصلة ما تبنته مؤخرًا في قمتها بمصر من تشكيل قوة عربية مشتركة لا تزال تحوم حولها الشكوك، حيث قرر رؤساء الأركان العرب في بيان في ختام اجتماعهم أمس بالقاهرة لبحث تشكيل هذه القوة "دعوة فريق رفيع المستوى" يعمل تحت إشرافهم "لدراسة كافة الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع والإجراءات التنفيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة لإنشاء القوة وتشكيلها، فضلًا عن الإطار القانوني اللازم لآليات عملها". إلا أن ما زاد من حجم الشكوك حول هذا الأمر هو توضيح الأمين العام لجامعة الدول العربية في كلمة له في الاجتماع وذلك حين قال "ليس المقصود منه بأي حال من الأحوال تشكيل أي حلف عسكري جديد أو جيش موجه ضد أي دولة، بل إنها قوة تهدف إلى مواجهة الإرهاب وصيانة الأمن العربي والسلام والاستقرار في المنطقة"، حيث إن مثل هذا التصريح يتناقض مع مجريات الأحداث الحاصلة في كل من سوريا والعراق والتي يطغى عليها مشاهد الدمار والخراب والقتل والتهجير والتشريد جراء الإرهاب وعصاباته المنتجة والمدعومة من قبل قوى غربية وإقليمية وعربية معروفة، وما يضاعف التناقض إلى حد الفجاجة والصلافة هو استبعاد سوريا المكتوية بنيران الإرهاب والمكتظة أرضها بمئات العصابات الإرهابية المسلحة التي كُلِّفت بتدمير ممنهج للبنية التحتية وإشاعة مظاهر القتل والتهجير في صفوف المواطنين السوريين، من تشكيل القوة، بالإضافة إلى أن هناك دولًا عربية تناصب سوريا العداء وتدعم الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا بالمال والسلاح، وبالتالي السؤال الذي يفرض ذاته: أي إرهاب هذا الذي تريد هذه القوة العربية المشتركة مواجهته؟ أليست الدول الداعية والعاملة على تشكيل القوة قد وضعت ذاتها على محك المصداقية أمام شعوبها على الأقل إذا كانت ترفض مشاركة سوريا التي تتعرض لأبشع إرهاب عابر للقارات؟ وهل سيكون النجاح حليف هذه القوة بدون سوريا؟ وكيف يتحقق أمن المنطقة واستقرارها إذا كانت الدول العربية المحورية والفاعلة والمركزية وذات الثقل كسوريا ومصر العراق هي المستهدفة بالإرهاب؟
أسئلة تفرض ذاتها، ولكن حقيقة الواقع اليوم هي من يتكفل بالإجابة عنها دون حاجة إلى بذل جهد أو الضرب على الودع رغم محاولة البعض التلطي خلف أستار وشعارات أقل ما توصف بأنها واهنة، فطالع هذه القوة العربية المشتركة يردد المثل القائل "أول القصيدة كفر".