إعداد : أم يوسف
سميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لأنها ‏تَضَمُّن ‏على ‏وصف ‏حالة ‏الملائكة ‏في ‏عروجها ‏إلى ‏السماء‏‏، ‏ فسُميت ‏بهذا ‏الاسم‏‏، ‏وتسمى ‏أيضا ‏سورة (‏‏سَأَلَ ‏سَائِلٌ‎) ‏، وهي مكية من المفصل وآياتها "44" وترتيبها السبعون و نزلت بعد الحاقة، بدأت السورة بفعل ماضي "سأل سائل بعذاب واقع"، في الجزء "29" الحزب "57" .
وهي تعالج السورة أصول العقيدة الاسلامية، وقد تناولت الحديث عن القيامة وأهوالها والآخرة وما فيها من سعادة وشقاوة ، ورآية ونصب وعن أحوال المؤمنين والمجرمين في دار الجزاء والخلود، والمحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو الحديث عن كفار مكة وإنكارهم للبعث والنشور، واستهزاؤهم بدعوة الرسول. وسبب نزولها: نزلت في النضر بن الحرث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك .. فدعا على نفسه وسأل العذاب فنزل به ما سأل يوم بدر فقتل صبرا ونزل فيه سأل سائل بعذاب واقع.
قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ، لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ، مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) سورة المعارج.

قوله تعالى:(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) قرأ نافع وابن عامر (سَأَلَ سَايلٌ) بغير همزة. الباقون بالهمز. فمن همز فهو من السؤال. والباء يجوز أن تكون زائدة ، ويجوز أن تكون بمعنى عن. والسؤال بمعنى: الدعاء، أي: دعا داع بعذاب، عن ابن عباس وغيره. يقال: دعا على فلان بالويل، ودعا عليه بالعذاب. ويقال: دعوت زيدا أي: التمست إحضاره. أي التمس ملتمس عذابا للكافرين وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامة. وعلى هذا فالباء زائدة، كقوله تعالى:(تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)، وقوله:(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) فهي تأكيد. أي: سأل سائل عذابا واقعا. (لِلْكَافِرِينَ) أي: على الكافرين. وهو النضر بن الحارث حيث قال:(وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) فنزل سؤاله، وقتل يوم بدر صبرا هو وعقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبرا غيرهما، قاله ابن عباس ومجاهد. وقيل: إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري. وذلك أنه لما بلغه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) في علي (كرم الله وجهه): "من كنت مولاه فعلي مولاه" ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأن نصلي خمسا فقبلناه منك، ونزكي أموالنا فقبلناه منك، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك، وأن نحج فقبلناه منك، ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا! أفهذا شيء منك أم من الله؟ ! فقال النبي (صلى الله عليه وسلم):"والله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله" فولى الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله، فنزلت:(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) .. الآية. وقيل: إن السائل هنا أبو جهل وهو القائل لذلك، قال الربيع. وقيل: إنه قول جماعة من كفار قريش. وقيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين. وقيل: هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أي: دعا ـ عليه السلام ـ بالعقاب وطلب أن يوقعه الله بالكفار، وهو واقع بهم لا محالة. وامتد الكلام إلى قوله تعالى:(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) أي: لا تستعجل فإنه قريب. وإذا كانت الباء بمعنى (عن)ـ وهو قول قتادة ـ فكأن سائلاً سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع. قال الله تعالى:(فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) أي: سل عنه، ويقال: خرجنا نسأل عن فلان وبفلان. فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون فقال الله:(لِلْكَافِرِينَ). قال أبو علي وغيره: وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما. وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر، فيكون التقدير سأل سائل النبي (صلى الله عليه وسلم) أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب. ومن قرأ بغير همز فله وجهان: أحدهما: أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش، تقول العرب: سال يسال، مثل: نال ينال وخاف يخاف. والثاني: أن يكون من السيلان، ويؤيده قراءة ابن عباس "سال سيل"، قال عبد الرحمن بن زيد: سال واد من أودية جهنم يقال له: سائل، وقول زيد بن ثابت. قال الثعلبي: والأول أحسن، كقول الأعشى في تخفيف الهمزة:
سالتاني الطلاق إذ رأتاني
قل مالي قد جئتماني بنكر
وفي الصحاح: قال الأخفش: يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان. وقد تخفف همزته فيقال: (سال يسال)، المهدوي: من قرأ "سال" جاز أن يكون خفف الهمزة بإبدالها ألفاً، وهو البدل على غير قياس. وجاز أن تكون الألف منقلبة عن واو على لغة من قال: سلت أسال، كخفت أخاف. النحاس: حكى سيبويه سلت أسال، مثل: خفت أخاف، بمعنى: سألت. ويقال: هما يتساولان. المهدوي: وجاز أن تكون مبدلة من ياء، من سال يسيل. ويكون سايل واديا في جهنم، فهمزة سايل على القول الأول أصلية، وعلى الثاني بدل من واو، وعلى الثالث بدل من ياء. القشيري: وسائل مهموز، لأنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز، وإن كان من غير الهمز كان مهموزاً أيضاً، نحو: قائل وخائف، لأن العين اعتل في الفعل واعتل في اسم الفاعل أيضا. ولم يكن الاعتلال بالحذف لخوف الالتباس، فكان بالقلب إلى الهمزة، ولك تخفيف الهمزة حتى تكون بين بين (وَاقِعٍ) أي: يقع بالكفار بين أنه من الله ذي المعارج. وقال الحسن: أنزل الله تعالى:(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) فقال: لمن هو؟ فقال: للكافرين، فاللام في الكافرين متعلقة بـ"واقع"، وقال الفراء: التقدير بعذاب للكافرين واقع، فالواقع من نعت العذاب واللام دخلت للعذاب لا للواقع، أي : هذا العذاب للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد. وقيل: إن اللام بمعنى على، والمعنى: واقع على الكافرين. وروي أنها في قراءة أبي كذلك. وقيل: بمعنى عن، أي: ليس له دافع عن الكافرين من الله، أي: ذلك العذاب .. والله أعلم.
.. يتبع بمشيئة الله.

(المصدر: تفسير القرطبي)