[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]مقدمة:
كانت المروحية الاسرائيلية تغط في منطقة قريبة من مدينة صور في جنوب لبنان، يومها كان ثمة هجوم اسرائيلي بكافة انواع الاسلحة على تلك البقعة اللبنانية تحت ستار ضرب قواعد الفدائيين الفلسطينيين .. لكن تلك المروحية جاءت لسبب آخر، لم تقصف احدا، ولم تشترك في المعارك، بل تقدمت الى تلك المنطقة ثم هبطت ،، وبعد دقائق اكتشف اللبنانيون انها تحمل احد النواويس ( قبر ملكي من الصخر) ثم راحت باتجاه الاراضي المحتلة في فلسطين .. وحين شاع الخبر تم الاعتراف بان العدو سرق قبر احيرام احد الملوك الفينيقيين، وكان الاعتقاد الاسرائيلي ان في الناووس خرائط اثبات لموقع هيكل سليمان.
سجلت الحادثة في عملية نهب للآثار اللبنانية، لكنها لم تكن المرة الاولى وقد لا تكون آخر ما أقدمت عليه اسرائيل .. لكنها سرقت وطنا بكامله اسمه فلسطين، بأرضه وهوائه ومياهه وتضاريسه وتراثه وخيراته، أفلا تسرق بالتالي تراثا آخر تحت شعائر شتى.
ــــــــــــ
ذلك النهب لآثار منطقة بلاد الشام بل للمنطقة العربية كلها تبلغ اليوم ذروتها .. فبعد ان دمر المغول ماطالت ايديهم وقبلهم فعل الصليبيون وبقية الاحتلالات، جاء الاحتلال العثماني لينهب المنطقة بكل ما فيها من قيم وتراث وتاريخ، وحين غربت شمسه، كان الاستعمار الفرنسي والبريطاني الناهب الجديد بحيث تزخر المتاحف البريطانية والفرنسية وغيرهما بذخائر العرب والمسلمين ..ومع ذلك فإن ماتم نهبه ظل محفوظا في متاحف الغرب، فيما تمت صيانة مالم يكن بالمستطاع حمله الى ان جاء المغول الجدد، برابرة " داعش " و " النصرة " وغيرهما ليدمروا تلك النفائس القيمة التي لن تتكرر، بعدما سطوا على ما استطاعوا حمله حيث بيع بأبخس الاثمان .. ومن المؤسف ان الاقطار العربية توحدت في هم التدمير والسرقات، فمن لبنان والى فلسطين الى سوريا والعراق الى ليبيا ومن ثم ماتعرض له متحف تونس وما كادت مصر ان تتعرض له وكانت اصوات قد علت ابان حكم " الاخوان المسلمين " منهم من طالب بتغطية الآثار، ومنهم من قال بالتدمير.
نحن اذن امام مأساة يتعرض فيها تاريخ المنطقة بين تدمير ونهب، وليس مشهد متحف بغداد سوى شاهد اضافي اذا اضفنا اليه ايضا ماتعرض له متحف الموصل ومدينة نمرود ومدينة الحضر الاثرية وتفجير اثار خورسياد وتدمير اعرق الكنائس في الموصل والثور المجنح ، وفي سورية الكثير ، ناهيك عن مصر وليبيا.
/// من كوارث التاريخ:
ومع ان المسلمين خاضوا معركة " عين جالوت " ضد المغول الذين احتلوا المنطقة في القرن الثالث عشر وتمكنوا من هزيمتهم بقيادة الظاهر بيبرس وقطز، الا ان تمكن المغول من احتلال دمشق وبغداد ادى الى جريمة كبرى بحق ذخائر البلدين وخصوصا العراق .. لقد كان خطرا محدقا بالامة العربية كاد ان يودي بها الى اصعب المهالك، بعد ان ألحق بها الدمار والخراب وتدمير ارثها الحضاري بعدما كانوا قد عاملوا شعوب المنطقة بوحشية لامثيل لها اين منها " داعش " في العصر الحديث. ففي العام 1265 تمكن قائد المغول هولاكو من احتلال المنطقة، فاصاب هذا الأمر المسلمين باحباط شديد وصدمة لم يكن بالامكان توقعها، وثبت لاحقا كالعادة وجود من باعوا ضمائرهم فقدموا المعونة للغازي الجديد ,, وقد تم ذبح سكان بغداد باستثناء المسيحيين منهم، فقد كانت زوجة هولاكو مسيحية وهي التي اشارت عليه هذا الفعل المدوي البربري، بل انها هي من اخبرته بضرورة تدمير مكتبات المدينة قائلة له ان العرب المسلمين ان تثقفوا فلن يكون لنا خير، فكان هذا الغزو غزوا مدمرا بشريا وعلميا واقتصاديا .. ففي العام 1258 سلمت حاضرة المسلين بغداد الى هولاكو، ففتك الغول باهلها، وهجموا على المساجد فخربوها واحرقوها، وسرقوا ذهب قبابها وقتلوا خطباءها وأتلفوا الكتب القديمة واستمر هذا الوضع نحو اربعين يوما كلما دخلوا منطقة اشعلوا فيها النيران، وخربت المدينة وجامع الخليفة، وقدر بعض المؤرخين الضحايا بالمليون، حتى صعد الناس السطوح فسالت الميازيب بدمائهم ، ولم ينج احد منهم سوى اليهود والنصارى، وكانوا يذبحون الناس كما يذبحون الشاة .. كما دمرت المكتبات واحرقت الكتب كما اوصت بذلك زوجة هولاكو، وتقول بعض الروايات انهم وضعوا الكتب في نهر دجلة كي تعبر عليها الخيول فكانت كارثة حقيقية، حيث تحول لون النهر الى اللون الاسود بسبب الكميات الهائلة من الكتب التي ألقيت فيه .. لقد كان سقوط بغداد مأساة انسانية وعلمية وحضارية فقد قتل آلاف العلماء والشعراء وقضي على الآثار الاسلامية تماما. ولعلنا ايضا نتذكر في العصر الحديث كيف احتل الاميركي بغداد ، وكيف سرق متحفها العامر بالآثار المختلفة، انها ذات اليد، صلات حميمة بين المغول الاوائل والمغول الجدد الاميركيين.
ومن بعد تلك الاحداث الصاخبة اكمل المغول طريقهم نحو دمشق، فاحتلوا اولا حلب، ثم حاصروا دمشق التي قررت الصمود ومحاربتهم، ثم ضربوها بالمنجنيق حتى استسلمت فقتلوا كل من صادفوه او حتى مختبئا ونهبوا جميع دورها وجميع متاجرها ومساجدها.
وبعدها احتل المغول جميع بلاد الشام تقريبا وصولا الى غزة. وبذلك كانت تلك السنين كارثة على المسلمين. ولولا معركة عين جالوت كما قلنا واندحار المغول من بلادنا لكانت الكارثة اعظم، فلربما كما يقول احد المؤرخين ان انقراض الوجود المسلم في تلك البلاد نتيجة العبث الهائل بالحياة العربية .. ويضيف المؤرخ ان آثارا بالجملة هدمت وعندما انتصر المسلمون لم نجد في تلك البلاد ما يدل على ان الاسلام كان حاضرا فيها.
وبالحديث عن المكتبات والكتب التي هي عقل المراحل والارث الوحيد الذي من خلاله معرفة ماجرى، فقد تعرض الى النهب والحرق، مرة بيد اصحابها كما فعل ابو حيان التوحيدي حين احرق كتبه بنفسه لأنه لم ينل التقدير والاحترام، وتخلص احمد بن ابي الجواري من كتبه، ومثله فعل ابن رشد الذي احرق كتبه، وكذلك ابو كريب الهمداني الذؤي دفن مكتبته العظيمة معه كما اوصى.
لكن الكوارث الكبرى بحق الكتب جاءت على الشكل التالي: احرق الصليبيون مكتبة بني عمار في طرابلس الشام وقدر مؤرخ اسلامي ان اكثر من ثلاثة ملايين كتاب اكلتها النيران. كما احرقت مكتبة ابن حزم الاندلسي وتقدر بعشرة آلاف كتاب .. ويذكر ابن خلدون ان السلطان محمود الغزنوي لما فتح الري نفى المعتزلة واحرق كتبهم .. ومن الكوارث ايضا احراق بيت الحكمة في بغداد وضياع الملايين .. كما تم تدمير دار العلم بالقاهرة حيث قالت المستشرقة زنكة انه تم حرق ثلاثة ملايين كتاب تقريبا .. واكد المقريزي انه في عهد صلاح الدين الايوبي قضي على خزائن مكتبات الفاطميين .. كما لاننسى اطلاقا احراق مكتبة قرطبة بعد وفاة الحكم الثاني وفيها اربعمائة الف كتاب، ويقدر مؤرخ مستعرب ان العرب خسروا مايقارب مليون كتاب في الاندلس وحدها. فاذا جئنا الى العصر الحديث سنجد مافعله العثمانيون والفرنسيون من حرق للمكتبات، ففي العصر العثماني احرقت آلاف الكتب كما نقلت آلاف المخطوطات الى اسطنبول .. وكذلك فعل الفرنسي منذ ان احتل القاهرة ابان نابليون الذي نقل الآلاف من المخطوطات المهمة الى باريس. واذا جئنا الى العصر الحديث فسوف نجد مافعله الاميركي والاسرائيلي في المنطقة العربية من استباحة للتراث والكتب بشكل خاص .. احصاء اولي لما خسره العرب المسلمون من كتب يقدر ب 12 مليون كتاب ومخطوط.
بين الماضي والحاضر صلات اعتداء على الاثر المسلم، لعل الفلسطيني منه هو الاساس، لكن العدو الاسرائيلي يسجن الآثار الفلسطينية بل انه يقدم بعضها الى الغرب على اساس انها آثاره. يقول صحافي عربي مصري تمكن من زيارة فلسطين انه حتى في ما يتعلق بنسبة 3 بالمائة المتبقية من الآثار الفلسطينية فانها لم تسلم من العدوان الصهيوني .. فقد مارس المستوطنون المتشددون المدعومون من الحكومات والاحزاب اليمينية المتطرفة ابشع انواع الانتهاك والتخريب عليها فترى الكثير منها تحول الى بارات او ملاه ليلية ومحال لبيع الخمور والجانب الآخر تحول الى اصطبلات ومخازن وكراجات للسيارات. ولعلنا بنظرة سريعة الى القدس تلك المدينة الجميلة وهي مدينة المدن الحاضرة في تاريخ المسلمين، فسوف نجد المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرى والمصلى المرواني ومسجد عمر بن الخطاب اضافة الى الاماكن المقدسة المسيحية ككنيسة القيامة وكنيسة ستنا مريم وكنيسة حنا الصلاحية وكنيسة العلية وكنيسة الصعود وحائط البراق، دون ان ننسى مدينة بيت لحم التي تعتبر خزانا للتاريخ والتراث وهي من اهم المدن التاريخية على لائحة التراث العالمي، كونها مدينة الميلاد التي ولد فيها السيد المسيح في مكان يعرف الآن بكنيسة المهد التي بناها الامبراطور قسطنطين الروماني. هذه كلها نزلت بها اضرار فادحة منذ ان وضعت اسرائيل يدها عليها .. اما قمة التزوير الكبرى، فقد كشفته مؤسسة الأقصى للوقف والتراث عن عملية اسرائيلية مكثفة لتزوير تاريخ مدينة القدس المحتلة، عبر زراعة قبور وهمية في محيط المسجد الاقصى والبلدة القديمة في القدس لتغيير معالم المدينة والسيطرة على اكثر من 300 دونم مملوكة لدائرة الأوقاف الاسلامية.
/// ورشة تدمير:
في نظرة على عصرنا المعاش، لا بد ان نرى بأم العين ماجرى ويجري للمدخرات الهامة جدا في كل من العراق وسوريا وليبيا على وجه التحديد، فبدون شك لابد من الاعتراف ان المخزون العراقي الحضاري، يضع العراق على بحيرة من الاثار، فهو يحتوي على 12 الف تل اثري وعدد من المباني التاريخية والاثرية تزيد على 2000 مبنى، علما ان هذا العدد قابل للزيادة مع وجود مكتشفات جديدة.
والواضح ايضا انه عند سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين، تم نهب الكثير من الاثار من قبل مافيات دولية كالاختام الاسطوانية والتماثيل والفخاريات، فقد تم احصاء سرقة اكثر من 15 الف قطعة .. ويعترف أثاريون عراقيون ان الامور ظلت على هذا النحو حتى وصول " داعش"، عندها وقع الضرر بنسبة مائة بالمائة خصوصا في ما يتعلق بالاثار والكنائس والمزارات والجوامع، بالاضافة الى قيامه بسرقة اثار الحضر وأشور والنمرود وتفجير جامع النبي يونس الذي يحوي عددا من الطبقات الاثرية المهمة التي تعود الى فترات آشورية.
ربما التركيز على الاثار العراقية باعتبارها ذاكرة العالم، بل هي من اغزر الاثار في العالم ايضا، وكان جبرا ابراهيم جبرا قد اشار في كتاب خاص له ان حضارة الرافدين هي ماقبل التاريخ لأن بعضها لم يخضع للتدوين. وبذلك يصبح القول ان تدمير آثار العراق ضربة ساحقة للبشرية هو في محله، بل ان التدمير الذي تعرضت له تلك الاثار التي ليس لها مثيل في العالم، بمثابة تحد حقيقي لتراث الانسانية عبر عصورها. ويضع العراقيون ما أقدم عليه " داعش " من تحطيم لآثار وتماثيل حضرة بلاد الرافدين ضمن سياق ممنهج لعمليات طمس للحضارة التي نشأت منذ سبعة آلاف سنة وهي عمليات اخذت مسارا متواصلا على مدى العصور لتكون آخر فصولها ما اقدم عليه اصحاب الفكر الظلامي. لكن الكشف الدقيق لعمليات السرقة والنهب والتدمير، فقد كشف عنه رجل تاريخ عراقي لم يكشف عن اسمه مؤكدا ان خلف ماحصل دوافع اسرائيلية وان الاثار الحقيقية تم بيعها من قبل " داعش " لجهاز الموساد الاسرائيلي مشيرا الى اسعارها تقدر بمليارات الدولارات. وتؤكد معلومات حديثة، انه ظهرت عدة آثار سومرية هي عبارة عن ألواح حفرت عليها اساطير بلاد مابين النهرين بالكتابات المسمارية في احد المعارض في تل ابيب مؤخرا، بالاضافة الى الاعلان في وزارة الخارجية الاسرائيلية عن استرجاع اقدم نسخة من كتاب التوراة والتي كانت مخطوطة في ارشيف جهاز الاستخبارات العراقي الاسبق. ويؤكد مسؤول في حق المتاحف العراقية ان عمليات نهب المتاحف العراقية في العام 2003 ادت الى سرقة 15000 قطعة اثرية تمكنت الوزارة من استرداد 4200 قطعة.
في عودة لتفاصيل التدمير التي مارسها " داعش " بحق الاثار العراقية، يظهر لنا اولا متحف الموصل المغلق اساسا الا للوفود الرسمية وطلاب التاريخ، فقد اظهر فيلم تلفزيوني كيف هاجم الارهابيون محتويات المتحف واعملوا فيه تدميرا بالادوات اليدوية وبالالات الكهربائية ومن بينها تمثال نادر لبوذا اضافة الى بعض الاضرحة والتماثيل كما دمر الارهابيون التمثال الاشوري الكبير الذي يعتبر من اقدم الآثار ويعود تاريخه الى القرن 19 قبل الميلاد وقاموا بتحطيم الثور المجنح في بوابة تركال.
وحطم " داعش " متحف نينوى وهو من اهم متاحف العالم حيث يحوي آلاف القطع الاثرية. كما دمر " داعش " مدينة نمرود التي كانت مركزا مهما للدولة الاشورية. كما دمر هذا التنظيم الارهابي مدينة الحضر الاثرية التي يعود تاريخها الى الفي عام تقريبا، وكان يشاهد عدد من مسلحي " داعش " وهم يدمرون قطعا اثرية نادرة تعود لعصر الحقبتين الاشورية والهيلينيستية قبل ثلاثة الاف عام. وكان الامين العام للامم المتحدة قد ندد بعمليات التدمير التي تعرض لها الآثار العراقية.
بعد عمليات التدمير تلك التي قام بها عدو الحضارة " داعش " استكمل مشروعه الموسادي بتدمير ماتبقى من كنوز الحضارة الانسانية ومعالمها التاريخية وقام بتفجير آثار مدنية خورسياد شمال الموصل وهي تعود للعصر الاشوري ايضا الى الفي عام قبل الميلاد.
ولم تتوقف بربريات " داعش " عند هذا الحد، بل قام بتفجير كنائس تاريخية ككنيسة ماركوركيس التي يعود تاريخها الى القرن العاشر الميلادي.
اما قمة الاحزان على مافات من تدمير، فهو الثور المجنح رمز حضارة الاشوريين والذي كان شاهدا على تاريخ عريق ومرت عليه حضارات متنوعة وكلها وقفت تقديرا له ولعظمته.
من المؤسف القول كما عبر احد الصحافيين العرب من انه كلما سقط متحف في بلادنا عمر متحف في بلاد الغرب، اذ لا يكفي مانهب في الماضي من اثار اسلامية عربية، بل اضيف الكثير عليها حتى اصبحت متاحف الغرب حبلى بآثارها المنهوبة والمسروقة، هذا اذا نسينا الكثير من البيوت التي تذخر بأنواع من آثارنا ايضا.
/// آثار وآثار:
وليست العراق كما نعرف من نهبت اثاره بهذه الطريقة اضافة الى تدمير ماتم تدميره، بل ان سوريا ايضا تعرضت الى تلك الاستباحة الفظيعة، وكذلك حال ليبيا، ولا ننسى لبنان في السابق ايضا.
في وصفه لما تعرضت له آثار سوريا، يقول الكاتب البريطاني روبرت فيسك مايشبه النحيب ان كنوز سوريا التي لاتقدر بثمن كالقلاع الصليبية والمساجد القديمة والكنائس والفسيفساء الرومانية قد سقطت جميعها ضحية نهب المعارضة السورية. وفي حين ان الآثار والمتاحف في كل من مدينتي حلب ودمشق نجت حتى الآن الى حد كبير، فان متحف حمص قد نهب تماما، وانه تم اغراق الاسواق في الاردن وتركيا بالقطع الاثرية الآتية من سوريا، يتابع فيسك، فهناك تقارير من مختلف انحاء سوريا تتحدث عن اضرار لايمكن اصلاحها على المواقع التراثية التي لامثيل لها في الشرق الأوسط ، وحتى قلعة الحصن التي تقع قرب حمص، والتي وصفها لورانس العرب بانها ربما افضل قلعة في العالم، والتي لم يستطع صلاح الدين الايوبي استردادها، قصفها مايسمى بالجيش السوري الحر بالمدافع بكل اسف وجعلها مركزا لتدريب مسلحيه، بل ان هذا " الجيش " دمر عددا من الكنائس السورية المهمة وفي طليعتها كنيسة مار سمعان العاموري قرب حلب .. بل هنالك تقارير لمؤرخين سوريين تؤكد ان المعبد الاشوري في تل شيخ قد دمر تماما، وان قلعة المضيق وهي واحدة من القلاع الصليبية قد دمرت بدورها، وتم نهب الفسيفساء الرومانية الرائعة من افاميا قرب حماه. وكانت الدولة السورية قد انشأت قبل عشر سنوات 25 متحفا ثقافيا في جميع انحاء البلاد من اجل تشجيع السياحة والحفاظ على الاشياء الثمينة في هذه المواقع. وفي حلب وقعت كارثة كبرى وخصوصا في السوق الكبير الذي يبلغ طوله 12 كيلومترا يحوي جميع انواع متطلبات الناس قد تم حرقه تماما ،، كما قام مايمسى بالجيش الحر بتدمير الجامع الاموي الكبير التاريخي في المدينة، ومن ثم بالزاوية الصيادية، وبالمكتبة الوقفية التي قام الرئيس الاسد برعايتها تماما عام 2011 وهي تضم خمسة آلاف مخطوط اضافة الى 300 مخطوط للمصحف الشريف .. ونتيجة للسرقات الهائلة التي تعرضت لها الاثار السورية اصدر مجلس الامن الدولي قبل شهور قرار يهدف الى تجفيف كل مصادر تمويل الارهابيين ويحظر القرار من الاتجار بالآثار السورية باي شكل من الاشكال.
/// ومصر ايضا:
خلال الفترة الممتدة من احتلال اسرائيل لصحراء سيناء المصرية الى انسحابها منها، تمكنت اسرائيل من نهب آثارها بشكل كامل وتمكنت معاهد الابحاث الاسرائيلية ان تغرف من تلك الصحراء ماجعلها اغنى بكثير مما كانت عليه .. وعندما قامت مديرية الاثار في مصر باعادة قراءة المنطقة تاريحيا تبين لها ان اسرائيل سرقت ما يناهز الخمسة آلاف قطعة اثرية مهمة .. ويقول تقرير حصلت عليه القاهرة ان اسرائيل خلال احتلالها لسيناء قامت ب 26 عملية بحث وتنقيب اثار. واشا التقرير ان اسرائيل نشرت سبعة كتب عن آثار سيناء.. وقد ظلت الحفريات الاسرائيلية خلال فترات احتلالها لم تتوقف.
لكن نهب الاثار المصرية ظل متواصلا منذ زمن بعيد وكانت الحكومات المصرية تضع القوانين اثر القوانين لحماية مصر من السرقات ومع ذلك يقول تقرير ان هنالك ثلاثة ملايين قطعة أثرية مصرية خارج مصر .. ويؤكد التقرير الذي كتبه عالم آثار مصري ومسؤول كبير في الاثار المصرية، انه في مرحلة الضعف السياسي تحول قناصل الدول الى العمل بتجارة الآثار ونجحوا في نقل الكثير منها وخصوصا النادرة الى بلادهم، ففي ايطاليا وحدها يوجد 18 مسلة مصرية الى جانب ملايين القطع النادرة التي يضمها متحف اللوفر في باريس وبه القبة الفلكية لمعبد هندرة، وكذلك متحف برلين بالمانيا وبه رأس الملكة نفرتيتي، والمتحف البريطاني وبه حجر رشيد وبرديات سرقة المقابر وبردية هارس والتي يبلغ عدد صفحاتها 179 صفحة، بالاضاقة الى قيام بعض حكام مصر باهداء قطع من الاثار المصرية الاصلية، قد اهدى محمد علي باشا ملك فرنسا لويس فيليب مسلة فرعونية مقابل ساعة القلعة، واهدى الخديوي عباس وسعيد باشا جميع معروضات اول متحف للاثار الفرعونية المقام في احد قصور المماليك في الازبكية لولي عهد المبراطور النمسا .. كما اهدت الحكومة المصرية مجموعات كبيرة من الاثار مثل معبد هندرة الصغير بالنوبة الى الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون عام 1974 كما اهدت معبد دابور الى الحكومة الاسبانية والمقام حاليا في ميدان مدريد. وكانت يد الارهاب قد امتدت لتطال المتحف الاسلامي اثناء عملية تفجير سيارة مفخخة استهدف مديرية امن القاهرة فتأثرت مقتنيات المتحف كثيرا وسقطت جدران ذات اشكال اسلامية كما تم تحطيم اوان زجاجية تعود لعصور اسلامية .. وكانت قد اشتعلت النيران في العام 2011 في المبنى الاثري الذي يطل على ميدان التحرير ويضم المجمع العلمي وقد ادى الحريق الى تدمير 200 الف كتاب نادر اهمها وصف مصر.
وبالمقابل هل تضيع كنوز ليبيا ومدخراتها الثقافية، ومن يحافظ على ما تحويه مدينة شحات التاريخية الاغريقية والتي تحوي ايضا معبد زيوس ومعبد ابولو وغيره من المعابد .. اضافة الى قلعة الاتراك .. الاثار الليبية في خطر وهو ذاته الذي عانت منه بقية الاقطار العربية.
ومن يحفظ ايضا آثار تونس وخصوصا متحفها في الهواء الطلق مدينة القيروان التي تسنى لنا مشاهدتها عن قرب وهي من البدائع الاسلامية وخاصة جامعها .. ومن المؤسف ان الارهاب عندما اختار عملا ارهابيا، لم يحد سوى متحف باردو هدفا له، انه العقل الجهنمي الذي يرى في آثار بلاده صورة عن ماض لايريد ان يراه، مع انه الامتداد الطبيعي لحركة الحضارة الانسانية.
وبعد تونس من يحفظ حضارات اليمن وهي الأقدم في العالم ، من يحفظ تلك البيوتات الجميلة التي بنيت بطرازها المعماري اليمني العريق الذي لامثيل لها بين البناء في العالم. اليمن تتعرض لتدمير نتمنى ان لايطال بناها الاثرية وقيمها الثقافية، فصنعاء مثلا هي عبارة عن متحف الهواء الطلق ، وكذلك بقية المدن اليمنية المعروفة التي يشهد لها بأنها تاريخ من تاريخ.