[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
تتواشج "البطولة" في الثقافة الأميركية بالشهرة: فالرئيس غالبًا ما يعد بطلًا، كما هي حال فنانات هوليوود؛ فهن بطلات نظرًا لما اجتذبنه من أضواء ومساحات إعلامية عبر آنية الإعلام. وكذا الحال مع المغني "الفيس بريسلي" والملاكم "محمد علي كلاي" ورجل الفضاء "آرمسترونج" والممثلة "لوسي"، من بين سواهم من أبطال الذائقة الأميركية الخاصة بهم فقط. وإذا كان تمجيد الأبطال غالبًا ما يقاس بالمال الذي تتيحه "البطولة" لهم، فإن المال لا يقوى على إنقاذ البطل عندما يتهاوى في أية لحظة، حال اكتشاف وتعميم الإعلام ذاته خللًا "بطوليًّا" كان قد شاب حياة ذاك البطل الخاصة والعامة، فيكون الارتطام بسبب السقوط من أعالي النجومية إلى الأرض عنيفًا بدرجة تسمح لإعلان الإعلام والجمهور انقلاب حبهما إلى كراهية، فتكون صورة النهاية المأساوية الأرسطية للبطل التراجيدي كاملة الأبعاد.
للمرء أن يلاحظ ذلك وهو يراجع قرار المحكمة الخاصة التي أصدرت حكمًا بعقوبة وضع الجنرال ديفيد بترايوس، من أبرز "أبطال العسكريتارية" الأميركية المعاصرين على الإطلاق، تحت المراقبة الدقيقة لعامين بسبب كشفه أسرارًا أمنية، وهو يعمل مديرًا لوكالة المخابرات المركزية، لعشيقة له. لم يأخذ القضاء جاذبية عشيقة بتراويس الحسناء، التي لا تقاوم، بنظر الاعتبار، فعد التساهل في كشف الأسرار الأمنية جريمة تستحق العقاب. وهكذا سقط مدير المخابرات المركزية الأميركية من علياء أخطر جهاز استخباري في العالم إلى قعر الحياة بسبب غلطة مع حسناء تستحق عناء "الانفتاح".
لا تختلف هذه الحال كثيرًا عما حدث للرئيس السابق بيل كلينتون وهو رئيس أقوى دولة في العالم، إذ كادت علاقته العاطفية بموظفة البيت الأبيض، مونيكا ليونسكي، تسقطه على نحو عنيف إلى الأبد. ولم يزل شبح هذه الغلطة يلاحقه ويلاحقه، والآن يلاحق سمعة زوجته، السيدة هيلاري، مهددًا مستقبلها السياسي كمرشحة لسباق الرئاسة للعام القادم.
لقد خدمت احتمالات سقوط الرئيس كلينتون على نحو مدوٍّ تذكيرًا بسقوط بطل سياسي أميركي آخر، وأقصد الرئيس السابق ريتشارد نيكسون الذي حاول جاهدًا التغطية على أمره بالتجسس على الحزب الديمقراطي لتوظيف ما يحصل عليه من معلومات لمكاسبه السياسية، الأمر الذي كشفه صحفيان فشاعت الفضيحة بعنوان فضيحة "ووترجيت" عبر العالم كي تضغط على الرئيس بكل ثقلها درجة الإعلان عن استقالته في سابقة تاريخية لم تحدث من ذي قبل. هذا يعني أن الأبطال على الطريقة الأميركية بلا حصانة، قابلين للتهاوي في أية لحظة يرتكبون بها خطأ يماط اللثام عنه. لذا فإن هؤلاء الأبطال غالبًا ما يعذبهم هاجس التلصص على حياتهم وإمكانية إسقاطهم من قبل المنافسين أو الكارهين الذين يبقون يترصدون البطل المطلوب إسقاطه طوال سنين علهم يظفرون بما يكفي لإهانته ومن ثم إيقاعه في "دائرة النسيان" بديلًا عن "دائرة السحر" البطولية.
من هؤلاء الذين قد يتساقطون على نحو مدوٍّ في القريب العاجل يبرز الممثل الأسود المشهور "بيل كوزبي" Cosby الذي يعد برنامجه جزءًا من متطلبات البيت والأسرة الأميركية اليومية لعقود بسبب شعبيته. قبل بضعة أشهر تشجعت حسناء متوسطة السن لتعلن على ملأ الإعلام الأميركية بأنها قد كانت ضحية استغلال هذا الممثل العجوز قبل عشرات السنين لأنه استغل توثبها للشهرة عبر برنامجه كي يدس مادة مخدرة في كأس مشروبها المرطب ليغتصبها وهي غير واعية. والغريب في هذه الحكاية هو أنها لقيت ما يؤكد إعلانها عبر كشف عدد كبير من حسان الممثلات والفنانات أنهن كن يستيقظن صباحًا في بيت النجم المشهور أعلاه ليجدن أنفسهن عاريات بعد أن قدم لهن "المقسوم" من عنفوانه الجنسي!
ويناضل "كوزبي" اليوم، معًا مع زوجته، كي يبعد هذه الاتهامات التي قادت إلى إلغاء العديد من عقود فنية تقدر بملايين الدولارات، مراهنًا على إمكانية أن يبتلع النسيان فضيحته من خلال رفض الرد على الاتهامات أو مجرد إنكارها.
زد على هذه الأمثلة بروز نماذج لنواب في الكونجرس من الذين استغلوا مناصبهم ونفوذهم لإشباع رغبات عاطفية أو للاستفادة من الأموال التي كانوا يحصدونها للاستمتاع بسفرات سياحية وفنادق ومطاعم فاخرة، دون إعلام الناخبين أو دوائر الدولة بذلك.
إن البطولة على الطريقة الأميركية تجعل المرء يشعر وكأنها بطولة مصنوعة من الورق لأنها سرعان ما تنكمش وتتشوه حال تعرضها لصدمة قدرية أو مبيتة.