[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ليس من عربي إلا وقرأ جملة طارق بن زياد " البحر من أمامكم والعدو من ورائكم"، فلا خيار إذن سوى الجهاد .. اليوم يتكرر المشهد مع عرب تائهين من بلادهم المصابة بوجع الارهاب الذي يضربها .. يدير هذا العربي ظهره إلى الشرق، فلا يرى غير غرب يندهه، لكن بينهما مسافة هي كل الموت وما أكثر فواجع البحر المتوسط وهو يأكل حالمين بدنيا هادئة وادعة.
حين يتسلط الإرهاب في عالمنا العربي، يتوه عشاق الحياة من العرب وكلنا من عشاقها .. يفتش هؤلاء على حلم وخلاص فلا يجدون غير أوروبا تمد يدها البعيدة القريبة .. يركبون البحر علهم يصلون، لكن الأمل يظل بعيدا، فأمامهم أهوال الطريق، وطبيعة المركب الذي لايصلح سوى لعشرات فاذا بهم مئات، بل قدرته على الصمود وسط العواصف، فاذا به يتحلل وسط المياه المالحة، ثم يبدأ طوفان الغرق، فينقلب الأمل بالوصول إلى الهدف، بالأمل في النجاة من الغرق وهيهات.
خلال شهر أبريل الحالي وحده غرق حسب المعلومات المتوفرة أكثر من الف من الهاربين من الموت في بلادهم الى بلاد الله الواسعة. يتذكر احد الناجين الذي استمعت إليه كيف كانت رحلته اليائسة، وكيف أنه أصر على الذهاب وحده لأنه على علم بالموت المتربص أثناءها .. ترك أطفاله وراءه وهم همه الوحيد كما قال، وما ان وصلوا إلى حدود اليونان حيث جبل يستحيل عبوره، واجهتهم على الفور سفينة خفر السواحل واقتادتهم الى المعتقل الذي داموا فيه وقتا، وعاملتهم السلطات على أنهم مسافرون غير شرعيين، وكلنا يعرف أن أوروبا اليوم تحتاج لتأشيرة واحدة، لكن الحصول عليها صعب، وبالذات من البلدان العربية التي تعيش وضعا صعبا.
إنها لمأساة أن يجد مواطنو تلك الأقطار العربية المتأشكلة انعدام القدرة على البقاء في أوطانهم مقابل استحالة الخروج منها. بهذه الأفكار اليائسة يركبون الكارثة، يصعدون مراكب يعرفون مسبقا أنها قد لاتصل فيراهنون على أمل واه، إنها أصعب المغامرات وأكثرها تدميرا للنفوس كما قال الناجي مضيفا اننا نظل طوال الرحلة على أعصابنا إلى أن نصل أو نسقط في البحر ليأكل جثثنا السمك.
أقطار تتفجر، وليس لها اي مفهوم آخر .. القادرون على الصبر يتأملون البقاء، وبعضهم يرفع شعار حي على الجهاد فيحمل السلاح ويواجه عصابات الارهاب .. ليس من الخير مفارقة الوطن ايام محنته بما يشبه الهزيمة النكراء، وحب البقاء فيه ايام رخائه، هو للعيش في كل الاوقات وفي كل اشكالها، لا أمل في من يسلم نفسه وعائلته للريح، ليس من الحكمة أن نأكل الوطن لحما ونرميه في لحظاته الصعبة التي تحتاج لكل منا، بل ليس الوطن مجرد محفظة نحملها ساعة نشاء .
من المؤسف أن من يركب البحر على علم مسبق بما سيواجهه في رحلته، بل يعرف أن البحر أكل كثيرين قبله، وأن صاحب المركب يكذب عليه لأن همه الوحيد أجور الرحلة فقط ، ومع ذلك لايتوقف العبث ، كأنما الحياة رخيصة الى هذا الحد، في حين يمكن لها أن تظل الأغلى في وطن يستحق العيش فيه كيفما كانت ظروفه.