[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. أقام العماني علاقة ود وحميمية مع النخلة التي تلاقت هي الأخرى في طبيعتها وصلاح حياتها وجودة انتاجها مع الأرض العمانية طبيعة وطقسا وتربة, وارتبطت حياته أي العماني ومعيشته بما تنتجه من رطب وبسر وتمر وعلف لحيواناته, واستخدم مخلفاتها في صناعة عدد من الحرف التي وظفها للكثير من استعمالاته,”
ــــــــــــــــــــــــــــــ
يصف عبدالرحمن الداخل في أبيات مؤثرة وعاطفية نخلة بدت له وهو في مهجره بالأندلس قائلا :
تبدت لنا وسط الرصـافة نخــة تناءت بأرض الغرب عن وطن النخل
فقلت : شبيهي في التغرب والنوى وطول التنائي عن بني و عن أهلـي
نشأت بأرض أنـت فيها غريبـة فمثلك في الإقصاء والمنتآي مثلـي
سقتك غوادي المزن في المنتأى الذي يسح ويستمري السماكين بالويــل
ويقول الدكتور عبدالجبار البكر في كتابه النخلة: (( قدست جميع الأديان الروحية قبل الإسلام النخلة وأحاطتها بهالة من الاحترام والتقدير, فقد ذكرتها التوراة وأشادت بها, كما ذكرها الانجيل وعظمها لأنها الشجرة التي ولد تحتها السيد المسيح, ولقد فرش طريق السيد المسيح بسعف النخيل عند دخوله مدينة القدس كما حمل عيسى عليه السلام فسيلة نخلة بين ذراعيه أثناء دخوله القدس)), وذكرت النخلة في القرآن الكريم أكثر من مرة, ووردت في العديد من الأحاديث النبوية والموروثات والتاريخ والتراث العربي والإسلامي وكانت في كل ذلك محل احترام وتقدير وإشادة ومديح في مكوناتها وعناصرها وأصنافها وبركة وفوائد ثمارها الصحية والغذائية وما يصلح لها وما يؤثر على قوتها وثمارها, وشبهت بالإنسان من جهات وأوجه كثيرة عددها كتاب (( النخلة )) للشيخ / سالم بن حمد الحارثي في 25 وجها.
وقد أقام العماني علاقة ود وحميمية مع النخلة التي تلاقت هي الأخرى في طبيعتها وصلاح حياتها وجودة انتاجها مع الأرض العمانية طبيعة وطقسا وتربة, وارتبطت حياته أي العماني ومعيشته بما تنتجه من رطب وبسر وتمر وعلف لحيواناته, واستخدم مخلفاتها في صناعة عدد من الحرف التي وظفها للكثير من استعمالاته, وكانت دوافع هجراته في أغلبها متصل بالحال الذي عليه اقتصاد النخلة فإن كانت بحال من العافية وتحصل على مياه وفيرة وانتاجها غزير أصبحت حياته يسيرة وكان قادرا على توفير متطلباتها, وإن كانت غير ذلك قرر الهجرة والبحث عن مصادر رزق في مناطق أخرى من العالم, ولم يكن ذلك مقصورا على ملاك النخيل فقط بل إن عائدها الاقتصادي الوفير أم الشحيح يعود بالأثر على الجميع ملاكا وعاملين ومنتفعين ومستثمرين بشراء الحصاد ومن تجب لهم صدقاتها وزكاتها, وقد أظهر العمانيون اهتماما بالغا بالنخلة وبرزت خبراتهم في كيفية التعامل معها وتطويرها للأسباب المشار إليها وذلك من حيث نجاحهم الواسع في العمل والسعي من أجل تنوع وجودة أصنافها ودراسة واستناج ما يصلح لمنطقة وما لا يصلح للأخرى وفقا لطقسها وجغرافيتها وقربها من البحر أو وقوعها في الصحارى أو في الأودية والجبال فلكل منطقة أنواعها من تلك النخيل وأصناف تختلف من مكان إلى آخر, وما يصلح منها كذلك رطبا أوبسرا أوتمرا أوعلفا للحيوانات واستثمار البسر وتصديره إلى الخارج بمنتجات وفيرة تعود بقيمة محترمة وهو ما ساهم في ثراء الكثير من ملاك النخيل في مراحل تاريخية وعندما يكون الحصاد وفيرا , وقد تبارى العمانيون وتنافسوا في حب النخلة ورعايتها وتعهدها درجة أنهم نظموا الشعر تعبيرا عن تعظيمهم وتفضيلهم لصنف من النخيل على آخر , خاصة تلك التي تقدم رطبها في وقت واحد مثل ( الخلاص) و( الخنيزي) أو (النغل ) و( الزبد), وبلغت أهمية النخلة لدى العماني أن بالغ في البكاء عليها وفي رثائها وهي على وشك الموت أو قد ماتت فعلا, فهذا الأستاذ سعود بن حميد السالمي يرثي نخلة زبد:
أبكي شبابك يا صريمة الزبد ما كان عمرك في الحياة له مدد
قد كنت فينا بالرجاء جديرة لكن أمر اللـه حقـا لا يــرد
ففراق جذعك لا يزال فجيعة عندي ودمع العين مني كالبـرد
فأجابه الشيخ العالم/ سالم بن حمد الحارثي بقصيدة يواسيه على فقده ويحتج على تصغيره للزبد بزبيد في واحد من أبيات القصيدة:
زبدا فقدت فهـل أبـاه فقدتــه كلا له ولد فدونـك ما ولـد
صغرت اسما في الحقيقة أكبـرا من أن يقال له زبيـد بل زبد
من عنصر يعلو الصحون مفتحا ينسيك نغلا أصفرا مثل البرد
ويتضح من البيت حب الشيخ للزبد وامتداحه لرطبه وانحيازه مع من يرفع من شأنه على حساب النغل, أوالمسمى بخلاص عمان في بعض المناطق. فتجاوب مع الحدث الشيخ/ سعيد بن حمد الحارثي بقصيدة يصطف فيها مع أخيه في مدحه كذلك لنخلة الزبد ورطبها من بين أبياتها:
إن قيل لي من أي جنس تبتغي أكلا إذا وضعت فقلت من الزبـد
فانظر فسيلتـه تجـد أثمانهـا تعلو القرين بغير حصر في العدد
وإذا دخلت حديقـة مصطـورة ملكا تراه على الأرائـك معتمـد
يسليك منظره وحسـن جمالـه وترى الجميع يشير ذاك هو الزبد
وفي الإطار ذاته وما دمنا مع الشعر فهذا أحمد شوقي يقول محتجا على عدم انشغال الشعراء والكتاب وانصرافهم عن وصف ومدح النخلة وعدم توجيه الفكر والقلم إلى مزاياها ومحاسنها وعدم تخصيص مناسبة سنوية للاحتفال بالنخيل وهي ما هي في العطاء والكرم ومعاناة العطش والقدرة على التأقلم مع أقسى الظروف الجغرافية والمناخية :
أليس حراما خلو القصائـد من وصفكن وعطل الكتب
وأنتن في الهاجرات الظلال كأن أعاليكـن العبــب
وأعجب كيف طوى ذكركن ولم يحتفل شعراء العرب
وللشيخ ابي يحيى عبدالله بن سليمان النبهاني قصيدة طويلة يشيد فيها بعمان وأشجارها, ومما قاله في النخلة ما يلي :
وكفاك أن النخل فيـك كثيـرة فضلا فقد أحرزت أقوات الأمم
إن كانت الأشجار صاح شريفة في كل أقطار الأعارب والعجم
فالنخل فيها باسقـات طلعـها متناضد يزهو بأسرار الحكـم
وقد ألف الشيخ سالم بن حمد الحارثي رسالة ظريفة في (( النخلة )) تحدثت عن فضلها وأسرارها وأشعار وأقوال العرب فيها وغرسها وتطورها وأصنافها وصفة تلقيحها وعلاج أمراضها ... , ومما قاله في ذكر قبائل النخل وأنواعه في عمان (( أما أهل الجبال من شرقية عمان فيفضلون المدلوكي والبونارنجة حتى أنه يطلق على المدلوكي بمدلوكي وادي بني خالد, والحجريون يفضلون النغل والمبسلي والحرث يفضلون الزبد والخلاص, وأهل جعلان يفضلون بو دعن, وأهل الباطنة تكثر معهم نخلة أم السلا فيما مضى أما الآن فقد انتشرت معهم أنواع النخيل, ويختص أهل سمد الشأن وأهل سمائل بنخلة الفرض ولا يجود في غيرها .. أما أنواع النخيل في العالم فتقدر بألفي نوع , ووجدت في عمان أكثر من مئة نوع فيما استطعت على جمعه وحصره)). وقد وصف الأزدي العماني الذي التقاه عمر بن العلاء في مكة فطرح عليه بضعة أسئلة, عن نسبه وبلاده وماله, وصف النخل بأن (( حملها غذاء, وسعفها ضيـاء, وكربها صلاء, وليفها رشاء, وجذعها غماء, وفروها إناء)).
هذا هو شأن النخلة ومكانتها عند العمانيين وعند من يدرك قيمتها وعائدها الاقتصادي, وما يصلح من ثمارها في صناعات مهمة وثمينة وهو ما أدركته الكثير من دول العالم التي تصلنا صناعاتها القائمة على النخلة وتباع بأغلى الأثمان في مختلف المحلات التحارية ..(( فشجرة النخيل كانت تعتبر العنصر الأساسي في تشكيل النظام الزراعي الجديد, فهي تعطي كلا من الغذاء الغني والبيئة المناسبة لزراعة نباتات أخرى تحت ظلالها ... ولا ريب أن أي شخص له تجربة التفيؤ تحت ظلال النخيل لا ينسى البتة الشمس التي لا تحرق والرياح التي لا تعصف وأن كل الأصوات بما فيها الأصوات الإنسانية تبدو مسموعة بوضوح ممتزجة بخرير المياه الهادرة. وتحت هذه المظلة الواقية, فإن الفاكهة والبقوليات يمكن حصادها عدة مرات خلال العام ... )). يقول ويلستد في معرض حديثه عن تنقلاته بين مناطق عمان (( أن بساتين النخيل تتصل فيما بينها لمسافات طويلة قد تصل نحو مائة وخمسين ميلا حتى يتخيل للمرء أنها لا تكاد تنقطع ... )) من كتاب عمان في عهدي الإمام سعيد والسيد سلطان بن أحمد البوسعيدي للدكتور صالح بن عامر الخروصي. فهل انتهى عصر النخلة بالنسبة للعمانيين في أيامنا الراهنة ؟ وهل انفصلت علاقتها بالإنسان العماني فأصبحت تمثل عبئا ماليا وجهدا مضنيا وجزءا من الماضي لا يمكن الاستمرار في المحافظة عليها ؟ وإذا كان هذا حال ونظرة الجيل المعاصر وتعاملهم مع النخلة فماذا سيكون عليه حال الأبناء؟ إذا كنا نرى واحاتنا الخضراء تتحول إلى مجرد عبوات إسمنتية وشوارع مرصوفة، ونخيلنا الباسقة التي تحكي التاريخ والعزة والكرامة والامتداد والمورد الأساسي للعمانيين في الماضي ويعول عليها في المستقبل إلى جذوع وأخشاب لا حياة تنبض فيها، وأفلاجنا التي تتميز بها عمان إلى قنوات جافة لا قطرة ماء تنساب في سواقيها فلا يتحرك وجداننا ولا تنفطر قلوبنا أفلا يعني ذلك بأن هناك خللا ما أصابت ثقافتنا وأثرت على قيمنا وأضعفت علاقتنا بموروثاتنا الحضارية والتاريخية ؟ صحيح أن سلطان البلاد ـ حفظه الله ورعاه ـ كان ومازال الداعم الأول, وما زلنا نتذكر توجيهاته السامية بغرس مليون نخلة ولا أحد يعلم شيئا عن مصير هذا المشروع وأين وصل به الحال؟ والحكومة من جانبها لم تقصر في المحافظة على النخلة فقد غرست آلاف الفسلات على الشوارع وفي المؤسسات الحكومية تعبيرا عن أهمية النخلة ومدى ارتباطها بالعماني تاريخا واقتصادا وغذاء ووجدانا .. ولكن ألا يدخل هذا العمل في إطار الأعمال الجمالية والترفيهية ويتركز أيضا في محافظة مسقط ؟ أما الأصل والمركز والامتداد فيعود إلى تلك النخيل التي تمتد في آلاف القرى وعشرات الولايات على امتداد الرقعة الزراعية، وعليه فإنه يجب المحافظة والتمسك بالأصل والجذر, فلا ينبغي الارتكان إلى ثروة نابضة غير متجددة والتفريط في ثروة عاش العماني على اقتصادها قرونا من الزمن واعتمد عليها في غذائه وفي حياته العامة. نختتم هذا العنوان بما ورد في (( سيل من شعاب العشق )) للكاتب مكي الحاج عربي يناجي النخلة ويتحدث إليها ويصفها بأسلوب بارع أخاذ وبلغة جميلة سلسة تدخل إلى القلب مباشرة وبدون حواجز: (( قيل بأنها أول شجرة قطنت الأرض, شجرة تنمو في صمت, وتصمد في وجه الجفاف في صبر, وتعمر طويلا .. وقد عرف الإنسان فوائدها وكرمها وفضلها منذ تلك العهود السحيقة لما توفره له من سعف غليظ, وحبال قوية وغذاء مفيد وكساء وسكن.)) وقدم كتاب(( النخيل في سلطنة عمان)) الذي أصدرته المديرية العامة للزراعة والبيطرة, معلومات مهمة عن النخيل في عمان وأصنافها وأعدادها موزعة على مناطق السلطنة. وقد تعرضت الموسوعة العمانية لمختلف أنواع التمور التي تشتهر بها السلطنة مع الصور والشروحات.