المعارك الشرسة والطاحنة التي تجري في منطقة ادلب بسوريا ليست عفوية ولا هي من تدبير التنظيم الذي يخوضها، إنها معنى لمجمل ما تشهده الأرض العربية من مخطط تفتيت وإضعاف هذه الأمة والتي مطلوب في مقدمة استحقاقاتها رأس سوريا، وهو ما يعني دخول الأدوات الاقليمية على الخط مباشرة عن طريق الدفع ببعض قواتها، إضافة الى العدد الكبير من المهاجمين وما تقوله المعلومات المستقاة من المعركة انه بلغ 12 الف مسلح.
وسط لهيب الوضع المتأزم في المنطقة، تدور إذن أعنف المعارك على الأرض السورية، ونكاد نقول إنها أشبه بمعركة الحسم ان لم تكن كذلك، ويتبين من طبيعة مجرياتها ان خططها وشكلها اللوجستي ليست من اختراع جبهة "النصرة " ولا من تنفيذها، فليس باستطاعة هكذا تنظيم ولا غيره من التنظيمات الارهابية المتحالفة معه تنفيذ معركة بهذه الخطط وهذا الشمول والاتساع، كما أنه ليس بامكان تلك الجبهة التي خاضت معارك سابقة مع الجيش العربي السوري الوصول الى هذا المستوى المميز بهذه السرعة وهذا الاتقان، ونقلا عن بعض المختصين، فان الهجوم على الجيش العربي السوري يدار من مكان قريب جدا حيث تسمع الاتصالات الجارية وبعضها ليس باللغة العربية.
ليس عبثا إذن، أن تأتي تلك المعركة الكبرى وسط مناخ موائم، لكن المعلومات المتوفرة من أرض المعركة ان الجيش العربي السوري يقوم بصد المهاجمين على أكثر من مكان، بل هنالك ما يقر بأنه قد يقوم بهجمات معاكسة تبدد الهجوم الارهابي وتمنع استيلاءه او تشبثه بأي أرض مهما كانت مساحتها.
وليس صعبا أن نعرف كيف تدار المعركة وما هي مجرياتها طالما إنها على تماس مع الحدود التركية. ويهدف هذا الهجوم الكبير حسب خططه والمعنى الذي يحمله، فرض منطقة عازلة، بعد الانتقال في الهجوم اذا تم انجاز نجاحه إلى إحدى منطقتين اما منطقة حلب وهي الهدف الدائم للمتدخلين الإقليميين ولأدواتهم الارهابية هناك، واما محاولة تضييق الخناق على منطقة اللاذقية بغية إثارة هدوئها الذي تعيشه. آخر المعلومات تؤكد ان الجيش العربي السوري انتشر في منطقة جسر الشغور في حين دخلت المجموعات الارهابية المسلحة مدينة ادلب بعد المعارك العنيفة التي لم تشهد مثيلا لها المنطقة كلها، بل تعتبر الاعنف في تاريخ المعارك التي جرت على الأرض السورية. وفي كل الأحوال، فهي كالعادة لن تكون مستقرا لجبهة " النصرة "، ولا لأي من الأدوات الارهابية المأجورة ، ولن تكون واقعا مريحا لها، فالجيش العربي السوري سيقرر ولا شك في وقت قريب اعادة الامور إلى نصابها ووضعها الطبيعي. فما جرى معارك يمكن تغيير طبيعتها كما جرى دائما، والذين يقفون وراء هذه المعركة على ضخامتها، يعرفون أيضا إن غدا لناظره قريب وانه لن يهدأ بال لهم ولتنظيماتهم الارهابية، وأن تصميمهم البقاء على لعبة الحرب لن يوصلهم الى اهدافهم، فسوريا ثابتة على أهدافها، ولقد ولى الوقت الذي يظن فيه ان معركة من هذا النوع سوف تؤثر على ثوابت سوريا. ومن الآن وحتى اللحظة التي تعود فيها ادلب الى كنف الدولة كما عادت مواقع كثيرة في الجمهورية العربية السورية، فلن يهدأ بال من يقف وراء المعركة ولا اولئك المسلحين الارهابيين الذي ظنوا ان الدنيا ابتسمت لهم!.