[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
تحدثنا في مقالين سابقين عن ظاهرة اطلاق النار في المناسبات الوطنية والخاصة، وطالبنا بالقضاء على هذه الظاهرة، غير أن الظاهرة وبالذات في مناسبات الزواج لم تردع حتى الآن، فهى لا تزال تمارس في عدد من الولايات، فلماذا لم تردع بقوة القانون رغم وجود قواعد قانونية تجرم تلك الأفعال؟ ولماذا لم تصل رسالة التشديد في المنع عبر مؤسسة الوالي الى كل الولايات؟ وقد لاحظنا هذه الظاهرة كذلك تمارس مؤخرا في مناسبة وطنية غالية وعزيزة على كل مواطن، ومن قبل الكبار ثم انتشرت على مختلف الشرائح الاجتماعية رغم أن القانون يحظر اطلاق النار كذلك في المناسبات الوطنية، فمن ينتصر للقانون؟ وهل يمكننا أن نعزو استمرار هذه الظاهرة الى التراخي الذي اصاب المؤسسات الحكومية وفق تشخيصات معالي الوزير المسئول عن الشئون الخارجية؟
إن اصاب مرض التراخي مثل هذه المؤسسات وأبرز حالاته (التباطؤ، التقاعس، والتكاسل ..) فسوف يكون ذلك مؤشرا على تداعيات مستقبلية أكبر وأخطر، وبالتالي لابد أن نطلق هنا تساؤلا كبيرا حول المستقبل السياسي لاستخدام اطلاق النار في مختلف المناسبات؟ وهذا يجرنا بالتبعية الى طرح مجموعة تساؤلات فرعية عن الهيبة الاجتماعية للقانون ؟ وعن موقع السلطة المختصة في القناعات المجتمعية؟ إذا كان القانون يجرم افعالا، ولا يطبق، وتشاهد الانتهاكات عبر مرأى ومسمع الكل، وتتناقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهل هناك كبير وصغير في تطبيق القانون أم ينبغي أن يكون الكل على قدم المساواة أمامه؟ فالالتزام بالقانون ومساواته يصنع لنا الفرق الكبير بين احترامنا للقانون من عدمه، وكذلك بين الرهان عليه في حسم خلافاتنا أم اللجوء الى القوة، ومن رؤى استشرافية مبنية على فهم للسياقات السياسية المجتمعية لظاهرة استعمال السلاح في المناسبات، حاضرها ومستقبلها، نقول بصوت مرتفع، أنه ينبغي أن يمنع بكل الوسائل اطلاق النار في مختلف المناسبات، منعا مزدجرا ومغلظا بقوة القانون وبتطبيقه، وأن يطبق القانون على المخالفين مهما كانت مواقعهم الوظيفية، وكل من يحرص على ديمومة امن هذا الوطن واستقراره من ابنائه المخلصين؛ ينبغي أن يرفع صوته معنا بضرورة التشديد على المخالفين الكبار والصغار معا،، لكي نضع حدا فاصلا لكثير من الانتهاكات الامنية والخروقات المستمرة في هذا المجال، ولأننا نخشى أن تكون لها انعكاسات سلبية في العديد من المناسبات، فقد ينقلب الفرح الى ترح، والبهجة الى حزن بفعل رصاصة طائشة قد يطلقها احد المراهقين دون اكتراث بالعواقب، وتأملوا ماذا يحدث في مجتمعات خليجية وأخرى مجاورة لنا ، كما أن مسألة الاعتياد والتكرار في اطلاق النار، سيخلق علاقة نفسية مفتوحة ودون قيود بين مستخدمي السلاح، والسلاح نفسه، فمن خلالها قد يستخدم السلاح فجأة ودون حسابات عقلانية عند تفجر الخلافات .. لأن هناك حالة اعتيادية في الممارسة العملية والتهيئة النفسية، ولا ننسى ولا يجب حتى نتناسى كذلك في ان التغاضي عن استخدام الاسلحة سوف يشجع عمليات تهريب الاسلحة والذخائر، وتشجيعا كذلك للأفراد والجماعات على امتلاكها بطريقة قانونية وغير قانونية، كما أنها تعطي انطباعات سياحية غير عصرية في مرحلة تراهن بلادنا على قطاع السياحة كمصدر دخل، فلنتصور تأثير ظاهرة اطلاق النار على السياح، هل سيحسون بالأمن السياحي أم القلق؟ وهل سيفرقون بين بلادنا وجوار جغرافي انفلت من سيطرته المجتمعية والسياسية استعمال السلاح، واصبح أي السلاح وسيلة لحسم اية خلافات ، كما أن هذه الظاهرة إذا لم تردع، سوف تخلق لنا حالات سياسية قد تصطدم أمامها مسيرة دولة المؤسسات والقانون، وإذا كانت الظاهرة الان تحت السيطرة، فلربما غدا تكون خارجه، فلا مجال للتراخي المؤسساتي في تطبيق القانون بل والتشديد عليه، فالعقلاء من بني وطننا يدركون أهمية الرهان على دولة المؤسسات والقانون، دولة الحق والمساواة ، دولة اساسها المواطنة في الحقوق والواجبات ، ولن يقبلوا عن هذا المسار بديلا ، لأن معناه دخولنا كأفراد وجماعات في متون صراعات لا نهاية لها ، وليس فيها فائز ولا مهزوم ، لكن ، كيف قبل البعض منهم ، الاحتكام للقوة ؟ ليس لانهم الاقوى، بل لان المؤسسات لم تمارس قوتها .. فتعطلت القوة ، مما ظهر قوى أخرى فوق الساحة، وهذا شئ طبيعي لوجود الفراغ ، بل أكبر من ذلك، فالبعض أشعرنا في مرحلة ما، أنه الدولة بذاتها، لسانها، وفكرها، وأدواتها، لكننا اكتشفنا، أنهم لم يكونوا سوى نتاج غياب أو تغيب قوة الدولة، وينبغي على الدولة الآن أن تقوم بتصحيح أخطاء ،، تاريخية ،، في الاشخاص وفي السياسات .. ومن منطلق هذه الرؤية نفسها ، نقدم هنا ظاهرة السلاح حتى لا تدخل في عداد الأخطاء التاريخية.
وتلكم مسئولية الحكومة بالدرجة الاولى، فالمشرع الدستورى ألزم الحكومة بتوفير الحياة الآمنة لكل مواطن فى البلاد، ولكل مقيم على أراضيها باعتبارها من الحقوق الأساسية لكل إنسان، فاستخدام السلاح غير المرخص والمرخص به بغير مبرر مشروع أو بدون وعي بمخاطر وأضرار استخدامه ليس من مظاهر الحياة الآمنة، كإطلاق الأعيرة النارية للتباهي والتفاخر فى الأفراح والمناسبات الاجتماعية والوطنية، كما أنه لا يستقيم مع دولة القانون والمؤسسات، هذه الدولة قد جرمت اطلاق النار بمواد قانونية صريحة جدا في إطار قانون الاسلحة والذخائر، لكنها تحتاج الى التشديد للزوم الردع، وتحتاج الى توعية اعلامية وتفعيل مؤسسة الوالي حتى تصل رسالة القضاء على هذه الظاهرة لكل الولايات بما فيها الحدودية.