[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
التطورات المتلاحقة في المنطقة عامة، وفي سوريا والعراق خاصة، أزاحت الستار عن منظومة دولية تدير الإرهاب الذي قذف "الحريق العربي" حممه على دول المنطقة، وتنقل الموت والخراب والدمار من مكان إلى آخر وفق عوامل الفشل والنجاح، حيث بتنا نشاهد ـ على وقع هذا الفشل ـ الاستدارة من ملف إلى ملف آخر بحثًا عن التعويض، مع ضخ ملحوظ وضخم لموجات الإرهاب خشية تكرار الفشل، فيكون واقع الحال مصداقًا لمقولة "ضربتان على الرأس موجعتان".
إن هذه الاستدارة لا تعني تراجعًا، وإنما هي لتدارك الإخفاق والغرز في وحْلِ ملف بالانتقال إلى ملف آخر؛ إما للابتزاز السياسي ولممارسة الضغط بغية تحقيق انتصار ـ ولو وهميًّا ـ ولتخفيف وقع الحرج والإخفاق في الملف الحاصل فيه الفشل، وإما لإحراز اختراق ميداني وسياسي يعوض به الفشل. وهذا بالنتيجة يعطي حقيقة مؤكدة وهي أن ترابط هذه الملفات دليل على أن الهدف في النهاية واحد، وهو إعادة رسم خريطة المنطقة وفق ما اعتمل في عقل المخطط الصهيو ـ غربي الذي أطلق عليه اسم "الشرق الأوسط الكبير" تمهيدًا لإعلان تنصيب المستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل" شرطيًّا على المنطقة، والمستهدف به (المشروع) تمزيق الدول العربية الكبرى وخاصة الدول التي نالت شرف الذود عن كرامة هذه الأمة وعن مناصرتها للحقوق العربية بمجابهة الاحتلال الصهيوني.
إذًا، ووفق هذا التقدير، هناك منظومة إرهاب عالمي هي من تقود حملات الإرهاب لتمزيق ملفات المنطقة، وما دام كيان الاحتلال الصهيوني هو سيد هذه المنظومة، فإن جميع مكوناتها عليه أن يقدم أوراق اعتماده وفروض الولاء والطاعة، وأن يعلن ولاءه لعَلَم كيان الاحتلال الصهيوني وقبوله العمل الإرهابي تحته، عبر ما يقدمه من مال وسلاح وتجنيد وتدريب وغيره من الدعم اللوجستي، وقبل كل ذلك أن يقيم علاقة سفاح مع الإرهاب وعصاباته، حتى لو أدى هذا الأمر إلى تسوية البنى التحتية بكاملها بالأرض وإبادة الجنس البشري وسالت الدماء البريئة وأغرقت البر، وحوَّلت البحر إلى الأحمر القاني.
وما نراه اليوم على أكثر من صعيد على أرض سوريا والعراق يؤكد حجم الولاء للعَلَم الصهيوني من قبل تجار الحروب ودعاة الحرية والديمقراطية والمتأسلمون والأعراب المتأبطون للإرهاب، فالمجازر والترويع والتخريب والتدمير التي ارتكبوها منذ فجر الخميس في محافظة إدلب وريفها وجسر الشغور، وفي ناظم الثرثار قرب مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار بالعراق، لا تؤكد ما وصل إليه حجم الولاء للعَلَم الصهيوني فحسب، وإنما استسهال الاعتداء على الإنسانية وحرماتها وعلى الشرعية الدولية والقانون الدولي بما فيه الإنساني ووضعه تحت أحذية عصابات الإرهاب وداعميها، حيث شن خَدَمُ العَلَم الصهيوني ذي النجمة الخماسية (الرامزة للماسونية والوثنية) هجومًا يعد الأول من نوعه من الحدود التركية باتجاه جسر الشغور بمحافظة إدلب في محاولة لاستكمال السيطرة عليها، مرتكبين فيها فظائع وجرائم، والمعلومات المتوافرة والمتداولة أن هذا الهجوم الإرهابي الأعنف قادته مجموعات إرهابية شيشانية ومعها مجموعات إرهابية خليط من عرب وخليجيين وأفغان وباكستانيين، والأهم في ذلك أن ثمة أنباء أن بين هؤلاء الاثني عشر ألف إرهابي، قوات نظامية تابعة لدول مكونة لمنظومة الإرهاب العالمي. في حين ارتكب "داعش" الإرهابي مجزرة بحق فوج عسكري عراقي كامل مكون من مئة وخمسين جنديًّا وضابطًا في ناظم الثرثار قرب مدينة الفلوجة.
من الواضح أن هذه الفظاعات وجرائم الحرب جاءت ردًّا أو مواكبةً لمستجدات شهدتها ملفات المنطقة:
أولًا: إخفاق المحاولات المتكررة لأطراف عربية وإقليمية في إفشال ملف التفاوض بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمجموعة السداسية الدولية حول البرنامج النووي الإيراني، حيث هناك تصميم من قبل الأطراف على الوصول إلى الأمتار الأخيرة للمفاوضات وتوقيع الاتفاق النهائي بنهاية يونيو المقبل، وكذلك الإخفاق في تحقيق انتصارات في ملفات أخرى بالمنطقة التي بدا المتدخلون فيها كمن يحرث في الماء، ولذلك يحاول هؤلاء الفاشلون تعويض خسائرهم بالدم السوري والعراقي.
ثانيًا: "الزعرنة" التركية على خلفية ما يتداول في منابر الإعلام والصحف عن الإبادة الأرمنية واتهام الدولة العثمانية بارتكابها في أوج عنفوانها، وبالتالي أراد التركي أن يخفف ضغوط الاتهام على طريقته المعروفة، والرد على منتقدي مجزرة الأرمن كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحليفة بلاده لسوريا، وذلك بفتح الحدود التركية والزج بمئات الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة الذين تكفلت أنقرة بتدريبهم، وكذلك بتجميع الآلاف من هؤلاء ودعمهم من خلال غرفة العمليات الاستخبارية في الأناضول.
ثالثًا: محاولة استباق موعد الحوار حول الأزمة السورية حيث بدأ ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا التمهيد وتقديم الدعوات للأطراف المعنية، ولهذا تحاول منظومة الإرهاب العالمي أن تضمن أوراقًا يمكنها صرفها في السياسة والمساومة عليها في الحوار المزمع، وهذا لا يتأتى إلا بتعديل موازين الميدان المائلة كفته لصالح الجيش العربي السوري.
رابعًا: من المحتمل أن يكون من ضمن المخططات محاولة فرض أمر واقع بمد رقعة الإرهاب على حدود سوريا الممتدة من الجنوب (القنيطرة وحماة ودرعا ودير الزور) والوسط وحتى الشمال (إدلب واللاذقية وحلب والحسكة والقامشلي) والسيطرة على هذه المناطق لإقامة منطقة عازلة أو حظر طيران وتهديد العاصمة دمشق، وذلك لاستخدامها ورقة ابتزاز في الحوار من ناحية، وللضغط بها على إيران في موضوع اليمن أو مبادلتها على طريقة عاصمة بعاصمة (دمشق مقابل صنعاء).
خامسًا: ما يراد في سوريا والعراق هو استكمال لمخطط الإبادة والتهجير للشعبين السوري والعراقي، فمن لم يجد مصيره على أرضه، يجد مصيره في الشتات حيث مراكب الموت تنتظره. وقد مهد الاتحاد الأوروبي لهذه النهاية المأساوية لاستكمال ما بدأه مع حلفائه وعملائه في المنطقة من تدمير وإبادة، باتفاقه في قمته الأخيرة حول الهجرة غير الشرعية على مراقبة السواحل مصدر الهجرة واستهداف المراكب بمن فيها حتى لا تصل هذه الهجرات إلى دول الاتحاد.
إنها منظومة إرهاب عالمي يحق لكيان الاحتلال الصهيوني أن يفخر بولائها لعَلَمه بخطيه الأزرقين ونجمته الخماسية التي تتوسطهما والمختزلة لكل الدلالات على ما يجري في المنطقة والعالم.