إن النتيجة المشرفة جدًّا التي حققتها السلطنة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتعد بذلك من أفضل الدول على مستوى المنطقة استنادًا إلى نتائج التقييم الذي خضعت له بالنسبة لدرجات الالتزام بإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تعد ثمرة جهود مضنية بذلتها حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في هذا المجال، من حيث إقامة بنية قانونية وتشريعية والعمل على تطويرها بصورة مستمرة ومواكبة لمستجدات المعايير والتشريعات الدولية في هذا الشأن.
وحسب مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينافاتف) فإن السلطنة بذلت جهدًا كبيرًا في هذا الموضوع خاصة في ما يتعلق بالجوانب التشريعية واللوائح التي صدرت، وأيضًا بالنسبة للعمل المؤسسي، مشيدةً بهذه الجهود في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتحقيقها لدرجات الالتزام بالإجراءات المطبقة في هذا المجال.
وما من شك أن هذه الإشادة لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت بناء على عمليات تقييم موضوعية لمعايير الأداء اتبعتها المجموعة بالتعاون مع المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمنتدى الاقتصادي الدولي، ومؤشرات الشفافية الدولية كمعيار مخاطر الفساد وتمويل الإرهاب وغسل الأموال، ومعايير مقومات الأداء المالية والشفافية، والمخاطر السياسية، والتبعات القانونية، والشفافية في الإفصاح للعامة والمحاسبة المجتمعية باعتبار المجتمع رقيبًا على أداء الدولة.
وينبع اهتمام السلطنة بهذا المجال من مسؤوليتها الأخلاقية تجاه أهمية تحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي والمعيشي والسياسي والنمو الاقتصادي في الداخل، حيث مقتضيات ذلك تفرض إقامة بنية تشريعية وقانونية تكفل حماية حقوق الناس على مختلف مستوياتهم وتوجهاتهم ونشاطاتهم، وتحقيق مظاهر الأمن والاستقرار. كما ينبع اهتمام السلطنة بأهمية الحزم تجاه مسائل غسل الأموال وتمويل الإرهاب من مسؤوليتها الأخلاقية تجاه القضايا الإقليمية والدولية التي هي الأخرى تحتل مساحة مهمة من اهتمامات جلالة السلطان المعظم وحكومته انطلاقًا من إيمانه العميق بموثوقية الروابط بين السلطنة ومحيطها العربي والآسيوي والإفريقي والدولي عامة، والمتبدية من خلال سلسلة من الفعاليات بمشاركة عمانية ملموسة وبخاصة ما يتعلق منها بمسائل الاستقرار والأمن والسلام والتنمية، فقضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب من القضايا التي تحتاج إلى تنسيق إقليمي ودولي وثيق. فجلالة عاهل البلاد المفدى ـ أيده الله ـ دائمًا ينطلق في أفكاره ورؤاه من منطلقات إنسانية تضع رفاهية الإنسان العماني واستقراره كأولوية الأوليات، وهي أمور تحتاج إلى التنسيق مع المحيط الحيوي للسلطنة في عالم تقتضي قوانينه وأعرافه دوام التواصل وتنسيق السياسات الدولية والإقليمية. كما أن القضايا الدولية وأهمها غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والفقر وحماية البيئة ودعم التحركات الدولية لإرساء قيم العدالة والحس الإنساني المشترك عبر الالتزام بقوانين الشرعية واحترام المواثيق المنظمة للعلاقات على المسرح الدولي، لا تزال تحتل مكانة مهمة في اهتمامات جلالته ـ أبقاه الله.
واليوم ما تعكسه التطورات المتسارعة التي أفرزتها أحداث ما يسمى "الربيع العربي" من مخاطر هو أكبر من ذي قبل وبات يمثل تهديدًا خطيرًا لاستقرار دول المنطقة والعالم جراء عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وعمليات الاحتيال، حيث أصبح هذا الأمر ماثلًا للعيان من خلال الدعم الهائل الذي تتلقاه التنظيمات الإرهابية، سواء عبر أطراف ممولة تتولى عمليات بيع النفط والآثار المسروقة من الدول المستهدفة كما هو حال العراق وسوريا وليبيا لصالح هذه التنظيمات الإرهابية، ومن ثم القيام بعملية غسل الأموال في عملية مرابحة بين الطرفين المموِّل والمموَّل، في خرق فاضح للقوانين والتشريعات الدولية ذات العلاقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ولهذا ليس هناك من بديل سوى الإقرار بأن هذا النوع من الممارسات غير الشرعية يمثل خطرًا إن لم يكن حاضرًا فمستقبلًا، إذ إن خرق القوانين والتشريعات أو التحايل عليها يعد مقدمة لانهيار شامل في الدولة المتجاوزة حيث ستكون مرتعًا للفساد والإرهاب وبالتالي عدم الاستقرار.
ولا تزال هناك فرصة سانحة أمام المجتمع الدولي وخاصة الدول المنغمسة في مثل هذه الممارسات لالتقاط اللحظة وتدارك مخاطر ارتدادات تجاوزاتها وتحايلها، وهذا هو المؤمل منها.