الكويت ـ العمانية :
عندما تقرأ للشاعرة سعدية مفرح عبر مجموع دواوينها التي جمعتها مؤخرا في " مشية الإوزة" تستطيع أن تتلمس عذابات الإنسان وتمسك بها وهي تتهادى بين ردهات الحياة وأزقتها الأكثر ضيقا وتخرج بسرعة من بين انبثاقات اللغة لتعيش تفاصيل الحياة المنعكسة في شعرها إنها مرحلة الإبداع التي يصل فيها الشاعر أو المبدع أيا كان حين يخرج نصه من القالب اللغوي إلى الحياة بكل تجلياتها. وترسم الشاعرة لنفسها "وطنا" أجمل من وطن تقرره الوثيقة الرسمية لتعيش في حبه وغرامه لا بأس في ذلك فهو الوطن الذي رسمته بنفسها وتأملته لذلك هو " المنتظر" الذي يأتي ولا يأتي. وتتحدث سعدية مفرح الشاعرة والناقدة والصحفية عن "مشية الإوزة" فتقول إنه يضم ستة كتب شعرية سبق وأن صدرت متفرقة على مدى عشرين عاما تقريبا، وعندما أردت إعادة طبع ما نفد منها اقترح علي الناشر أن نعيد طبع كل المجموعات السابقة في كتاب واحد، وهذا ما حدث، لكن لم يكن في بالي أبدا أن يصدر الكتاب في سياق ما يعرف بالأعمال الكاملة، ولذلك اسميتها "مشية الإوزة.. خطواتها موزعة على ستة كتب شعرية" خاصة وأنني شديدة النفور من مصطلح الأعمال الكاملة ربما لأنه فعلا يوحي باكتمال مشروع الشاعر، وهو أمر لا ينطبق على مشروعي وربما لا ينطبق على مشروع أي شاعر آخر مستمر في إنتاج نصه الشعري ومشروعي الشعري مستمر وربما ما زال في بداياته أيضا فهناك الكثير مما أفكر به في سياق هذا المشروع ولم أستطع تنفيذه حتى الآن أما ما لم أفكر به فأتمنى أن يكون هو اساس ذلك المشروع. وتقول مفرح أنا لا أرقب الانبثاقات الشعرية أو لعلي كنت أحاول مراقبتها في بداياتي لكنني عجزت عن ذلك حتى أنني تخليت عن محاولاتي وفي كل مرة أكتب فيها نصا شعريا جديدا لا أكتشفه الا بعد أن أنتهي من كتابته فلا أعرف كيف بدأ والأغرب أنني لا أعرف كيف ينتهي أيضا هذا لا يعني أن الوعي الذاتي لا يتدخل في انتاج النص الشعري على الاطلاق ولكنه يعني أن النص لا يخضع لاشتراطات الوعي بشكل سافر ومباشر، بل يأتي نتيجة نهائية لدور هذا الوعي في تكوين شخصية الشاعر وصقل موهبته الشعرية. وتشرح سعدية مفرح علاقتها بالوطن فتقول: "صحيح أنني بدون جنسية لكنني لست بدون وطن" وهذا حقيقي وواضح وليس بحاجة لأي شرح أو تفسير أو تبرير ولا أدري لماذا يفترض بي أن أحمل موقفا شعريا أو حساسية ما تجاه الوثيقة ما دامت شكلية، وصحيح أن المتلقي لقصيدتي قد يرصد فيها ما يمكن أن يشي بها الوضع لكنه بالتأكيد سيكتشف أنني لا أتعمد ذلك بل إنه يأتي في سياق مرجعيتي الانسانية والمعرفية. وتضيف مفرح في حديثها: أنا لا أتجاهل المشكلة لكنني أحاول أن أتعالى عليها ما أمكنني ذلك فرغم أنني أحتاج لتلك الوثيقة فعلا لكن حاجتي لها لا تعني أبدا أنها تشكل عقدة بالنسبة لي وقد حرصت دائما ألا اسمح لتلك الحاجة أن تكون عقبة أمامي وتدربت جيدا على أن أنطلق في تلك الجغرافيات التي أستطيع اكتشافها والتحليق في فضاءاتها من دون جواز سفر واذا كنت ترى أن نصوصي باذخة بالحضور المكاني فربما لأنني أحتفي بالمكان لقلة المساحة المكانية التي اتحرك في سياقها نفسيا على الأقل هذا ما أستطيع تفسيره مع انني لا أحبذ تفسير قصيدتي بأي شكل من الأشكال واترك تلك المهمة للمتلقي لأنه بالتأكيد سيكون الأقدر على أدائها.
وتشير إلى أن كل مكوناتنا الثقافية والاجتماعية والفكرية والنفسية تساهم في إيجاد حالاتنا الشعرية ولا بد لكل حالة شعرية حقيقية أن تكون مختلفة عن بقية الحالات والابداع عدو التكرار فهو حالة فردية جدا وخاصة جدا حتى في سياق التجربة الواحدة أي أن كل قصيدة ينبغي أن تكون مختلفة عن البقية بغض النظر عن موضوعها أو الحالة الشعرية التي تنطلق منها وفي الحالة التي نتحدث عنها دعني أقول إنني لست الشخص الأفضل لاستكشاف نصوصي التي استلهمتها. وحول المعاناة التي يمر بها المبدع وتخلق لديه حالة إبداعية اقرب إلى نبض الإنسان المهمش تقول سعدية إن كل ما يمر به المبدع يساعده على خلق مثل تلك الحالة الابداعية وليست المعاناة وحدها من تفعل ذلك حتى الفرح قادر على استفزاز كوامن الابداع وأقاصي النصوص لست مع من يرى المعاناة وحدها هي القادرة على ذلك. وتوضح سعيدة مفر أن الابداع حالة مسؤولة عنها الموهبة وحدها بغض النظر عن صفات من يمتلك تلك الموهبة وعما اذا كان انسانا مهمشا أم غير ذلك والأمثلة كثيرة حول الهم الإنساني الذي يؤرق سعدية هي هموم وهموم وهموم وأنا اتشارك مع كل سكان هذا الكوكب في أغلب الهموم لكنني لا أحب أن استسلم لها حتى تلك الهموم الخاصة أو التي لا تعني سواي وأحاول أن أتعامل معها بما تستحق من اهتمام وأعطيها ما تسحقه من وقت لا أكثر ولا أقل. وترى مفرح أن بداياتها الشعرية كانت تقليدية وربما ذلك لأن ذائقتنا الشعرية بشكل عام نتاج تربية شعرية عمودية خاصة وخصوصا في المناهج الدراسية وأنا لم أطلع على نص شعري يخالف سياق العمود إلا في المرحلة الثانوية من الدراسة ثم في الجامعة ربما لهذا فعلا بدأت بداية عمودية لكنني سرعان ما تعلقت بقصيدة التفعيلة وبدأت النشر من خلالها قبل أن أجد في قصيدة النثر ما يعبر عن هواجسي الشعرية بشكل أكثر عفوية وبساطة ورهافة أيضا وهذا لا يعني أن قصيدة النثر هي خياري الأخير بل يعني أن معظم قصائدي في السنوات الأخيرة جاءت وفقا لخيارها فقط لكنني في الأونة الأخيرة صرت انفر من كل تلك التسميات. وأضافت سعيدة " اقتنعت أنني اكتب شعرا فقط بغض النظر عن التوصيفات واللافتات التي يمكن أن يضعها له أو عليه الآخرون وانا في بحث دائم وحقيقي ودؤوب عن كل ما يمكن أن تأتي قصيدتي في سياقه من خيار شعري ولا أتمنى أن أقف عند حدود قصيدة النثر ولا أتمنى أن تكون مغادرتي لمحطة القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة مغادرة نهائية.. بل كل ما أتمناه أن أتخلص بشكل نهائي من كل تلك التسميات لتكون قصيدة مجرد قصيدة.