[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
” .. بئر الخيانة لا ينضب والفساد لا يحصد إلا الفساد ليتكالب الخونة واللصوص مرة أخرى على بلدانهم وتشتعل ( ثورات الربيع العربى) التى أخذت فى طريقها الأخضر واليابس وتحتدم الصراعات والانقسامات والاحتراب وتعم الفوضى ويسود الخراب وتتحول الجيوش الوطنية الى مليشيات متحاربة لتعود الدول المتحضرة مرة أخرى عن طريق الخونة وتشتعل الفتن وتحرق مقدرات تلك الشعوب التعيسة،”
ـــــــــــــــــــــــ
لا تحزني يا أمي ان لم يجدوا جثتي فماذا ستفيدك الآن سوى تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء.
انا آسف يا امى وكان لا بد ان اسافر كغيري من البشر علما بأن احلامى لم تكن كبيرة كالآخرين .. كل احلامي كانت بحجم علبة دواء للقولون وثمن تصليح أسنانك.
انا آسف لك حبيبتي لأنني بنيت لك من الوهم كوخا فقيرا بعيدا عن الصراعات والاقتتال والانتماءات العرقية والاثنية.
انا آسف لك يا أخي الصغير لأننى لم استطع إرسال المبلغ الزهيد كي تأكل خبزا وتشتري حذاء جديدا.
انا آسف لكم جميعا. وآسف على حزنكم.
تلك رسالة وجدت مع جثة طافية لشاب قرب سواحل ايطاليا فى البحر المتوسط غرقت وألف أخرى تحطمت بهم قوارب الموت وماتوا جميعا فى رحلة الى الفردوس المفقود هربا من حروب وديكتاتوريات وارهاب ومآس ... هربت من الحروب والفوضى والاضطرابات والاقتتال المستمر. هربت من الفقر والعوز والحاجة وغلبة الدين وهموم الدنيا وذل العيش ومهانة البشر.... هربت من الموت الى الموت .. هربت الى القاع تحمل معها طموحات بسيطة واحلاما لم تكتمل لتطفوا جثثهم على شواطئ البحر المتوسط أمام أعين الدنيا تحمل رسالتهم الى البشرية المتحضرة بأنهم فقدوا الانسانية، فقدوا الرحمة، فقدوا الضمير، فقدوا الاخلاق كان ممكنا أن يقل عدد الغرقى لكن تركوهم لمصيرهم الأغبر والأسود لانهم غير شرعيين ولكلفة عملية انقاذهم ، ولسان حالهم يقول: " وفرنا لكم كل سبل الموت.. فلماذا تغرقون على شواطئنا؟" ويا للعجب.
فقد تم تشديد الاجراءات الامنية فى المعابر الأكثر امنا فى اوروبا وتعزيز الحواجز الحصينة حتى لم يجد هؤلاء المهاجرون التعساء سوى البحر وقوارب الموت يعبرون بها بعيدا عن ضنك العيش فى بلدانهم والمأساة غارقة فى التاريخ، فى الامس احتلوا بلدانهم واستعبدوا اهلهم ونهبوا خيراتهم واستولوا على مقدرات تلك الشعوب وسرقوا الاموال ونفائس المعادن وحولوها الى بلدانهم واقاموا دولهم الصناعية الكبرى ونهضتهم الحضارية الغنية من نزف ثروات وعقول واكتاف تلك الشعوب التعيسة، وبعدما تمت عملية الاستنزاف والسطو كاملة تركوا لهم ادارة بلادهم وتحت رعايتهم فتسرب الى الحكم فسدة الشعوب وحرامية القوم ولصوص السلطة وتغيرت السرقة من اجنبية الى وطنية وتندهش عندما يرسل ابناء تلك الشعوب الذين يعملون بطرق شرعية اموال غربتهم وتعبهم وكدهم الى بلدانهم بالعملة الاجنبية لتسهم فى النمو والتعمير لتحول مرة اخرى على ايدى لصوص الحكم اضافة الى ما استولوا عليه الى حسابات سرية فى بنوك العالم ليدوم الخراب والفقر والعوز والبطالة، فقد اجرموا هؤلاء فى حق شعوبهم واجبروهم الى الهروب من الموت الى الموت اجبروهم هؤلاء الحكام اللصوص على بيع بقايا امتعتهم وملابسهم ويستدينوا لدفع الكم الكبير من الاموال لسماسرة الهجرة غير المشروعة وتجار الموت ليلقوا مصيرهم المقدر والمحتوم ... لينعم هؤلاء اللصوص بالعقارات والسيارات الفارهة وارصدة لاحصر لها فى بنوك العالم وتركوا شعوبهم فى عيشة ذليلة ومشافى عفنة ومدارس آيلة للسقوط ومواصلات رثة وبطالة مقنعة وفقر مدقع فأين المفر لهؤلاء سوى الهروب حتى وان كان الموت هو المنتهى وهو المصير.
وبئر الخيانة لاينضب والفساد لايحصد الا الفساد ليتكالب الخونة واللصوص مرة اخرى على بلدانهم وتشتعل ( ثورات الربيع العربى) التى اخذت فى طريقها الاخضر واليابس وتحتدم الصراعات والانقسامات والاحتراب، وتعم الفوضى ويسود الخراب وتتحول الجيوش الوطنية الى مليشيات متحاربة لتعود الدول المتحضرة مرة اخرى عن طريق الخونة، وتشتعل الفتن وتحرق مقدرات تلك الشعوب التعيسة، وتبحث عن السبيل والمفر وما لهم سوى الهروب من الموت وعن طريق سماسرة المليشيات فى ليبيا ونتيجة للفراغ الأمني هناك يتم عقد الصفقات لتسهيل هجرة هؤلاء الفارين بنسائهم وأطفالهم من الجحيم فقط يلجأون اليهم هربا بحياتهم من جحيم صنعوه لهم وعلى قوارب الموت يتساقطون الى القاع لتنتهى احزانهم والى الابد وتذوب احلامهم فى مياة المتوسط وتطفوا جثثهم مع رسائلهم التى تشهد ان هجرتهم كانت مشروعة حتى ولو صنفت غير ذلك.
ولينعم مرة اخرى الاتحاد الاوروبي بحضاراته وبريق شوارع دوله ونضارة بشرة ابنائه ولينعم بصادراته التى تملأ اسواق الدنيا وليكتسى بالرفاهية والرخاء بل ولينعم الحكام اللصوص بثرواتهم وارصدتهم المحفوظة فى قرار مكين ... ولينعم سماسرة الموت بصفقاتهم وارباحهم وخستهم ولا مكان لضمير باع الوهم للفقراء وروج الأمن للملهوفين وتلاعب بأحلام البسطاء ولأنهم شعوب عوالمنا المغلوبة على امرها فلا قيمة لحياتهم ولا معنى لبقائهم ولا عزاء لموتهم، إنهم بشر من الدرجة الثالثة مالهم الا الموت حتى مجرد التفكير فى الهروب منه ولا يقبل أسفهم لأنهم غرقوا وما كان لهم أن يغرقوا على شواطئ بلاد الحرية فقد وفر لهم كل سبل الموت فى بلادهم فلماذا يموتون بعيدا عن أوطانهم.