إعداد :أحمد بن سعود الكندي
وحاولت (أم سامي) أن ترفض ـ لكن علياء أصرت على ذلك، أي على الاتصال بـ (سامي) بل بادرت بالاتصال على منزل (سامي) ـ كان المجيب على الهاتف في هذه المدة هو (سامي) نفسه، ما ان سمعت علياء صوته حتى أعطت السماعة لـ (أم سامي) التي ما ان سمعت صوت ابنها الحبيب وهو يقول: نعم .. من المتحدث؟ حتى بادرت تقول والعبرة تخنقها: أنا أمك يا (سامي) .. لماذا لم تأتِ لزيارتي في يوم العيد؟! .. إني مشتاقة لك وإلى رؤياك.
ظنت الأم أنها تسمع من (سامي) كلمات الاعتذار وعبارات الأسف لعدم زيارته لها منذ دخولها هذه الدار قرابة السنة .. ولكنها فوجئت به يقول: أمي .. ثم أغلق السماعة وأقفل الخط.
لم تتمالك (أم سامي) نفسها وأعصابها فأفلتت السماعة من يدها وسقطت على الأرض مغمياً عليها من هول الصدمة .. ولم تدر أن التي أغلقت السماعة هي (سوزان) التي كانت وقتها جالسة بجوار (سامي).
أسرعت علياء وبمساعدة بعض العاملات في الدار في حمل (أم سامي) ونقلها إلى غرفتها واستدعت لها الطبيبة للكشف عليها وفحصها .. أتمت الطبيبة الفحوصات ثم قالت لـ (علياء): لا أكتمك سراً ـ وضع المذكورة لا يبشر بخير ولا يدعو للتفاؤل ـ حرارتها مرتفعة جداً ودقات القلب مضطربة وضغط الدم منخفض وهي الآن في حالة غيبوبة وأخشى أن تكون مصابة بجلطة دماغية.
صدمت (علياء) لسماع تلك التفاصيل ولم تدر ما تفعله ولا تدري كيف تتصرف ..
خطر على بالها أن تتصل بـ (سامي) وترجوه أن يأتي لزيارة أمه وهي في هذه اللحظات العصيبة لعله لا يراها بعد هذه اليوم أبداً.
اتصلت (علياء) على منزل (سامي) وكان المتحدث هو (سامي) نفسه ـ عرّفته بنفسها وشرحت له حالة أمه المريضة ورجته أن يعجل لزيارتها لعل ذلك يكون سبباً لشفائها ـ طلب منها أن تبقى على الخط قليلا ـ سمعته يتناقش ويتحدث مع امرأة بجواره فعرفت أنها زوجته (سوزان)، ثم رد عليها قائلا: بأنه متأسف ـ لأنه في هذه اليوم مسافر مع عائلته مساء لقضاء إجازة العيد في باريس وقال لـ (علياء): عندما أعود من رحلة باريس سآتي لزيارة أمي.
خيّل الوجوم على وجه (علياء) وسيطر الذهول على تفكيرها وقالت في نفسها: هل من المعقول أن يصل العقوق إلى هذه الدرجة البشعة الدامية؟!.
لازمت (علياء) فراش (أم سامي) وظلت بجوارها .. ولكن (أم سامي) المسكينة كانت في شبه غيبوبة وهي مستلقية في فراشها تردد عبارة واحدة لا تتغير: وهي :(اللهم انتقم منه ومن زوجته).
ازدادت حالة (أم سامي) سوءاً مع حلول المساء فاستدعت لها (علياء) الطبيبة والتي قررت بعد فحصها ضرورة نقلها إلى المستشفى ووعدت بإرسال سيارة الإسعاف لها في أقرب فرصة.
جلست علياء بجوار (أم سامي) تضع على رأسها الكمادات لتخفيف حرارتها المرتفعة .. لكن شاء الله تعالى أن تتأخر هذه السيارة عن الحضور في الوقت المناسب, فاشتدت الآلام على (أم سامي) التي أخذت تفيق تارة ويغمى عليها تارة أخرى.
وفجأه أفاقت (أم سامي) من غيبوبتها واستعادت بعضاً من وعيها .. فأسندتها علياء حتى اتكأت على الوسادة، ثم قالت لها بصوت متحشرج: ابنتي (علياء) انني أشعر أن ساعتي قد اقتربت وسكرات الموت قد أحلّت.
فأجابتها (علياء) ـ والعبرة تخنقها: لا تقولي هذا الكلام يا أمي .. ستأتي سيارة الإسعاف بعد قليل لتنقلك إلى المستشفى.
تململت (أم سامي) في موضعها، ثم قالت: (علياء) يا ابنتي لا تضيعي الوقت في هذا الكلام التافه، وصيتي إليك إن جاء سامي لاستلام جثتي بعد موتي أن تبلغيه هذه الرسالة ، قولي له: أمك تقول لك: الله لا يسامحك لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ثم انفجرت الأم بالبكاء وعاودتها نوبة الإغماء ونزلت بها سكرات الموت فاقتربت منها (علياء) تلقنها الشهادة فتلفظت بها ثم فاضت روحها إلى بارئها ـ جل وعلا ـ فأغمضت (علياء) عينيها وغطت وجهها، ثم غادرت الغرفة واتجهت إلى مكتبها وانخرطت في البكاء.
أما (سامي) وزوجته فقد عجّل الله عقوبتهما في الدنيا قبل الآخرة .. لقد كان (سامي) متوجهاً إلى المطار استعداداً للسفر إلى باريس وكان يقود سيارته بسرعة لأنه تأخر عن موعد الرحلة هو وزوجته وفي إحدى منحنيات الطريق ومع السرعة الزائدة شاء الله تعالى أن تنفجر إحدى إطارات السيارة .. وفقد (سامي) السيطرة عليها فتقلبت السيارة في الهواء عدة مرات ثم اصطدمت بحاجز خرساني ضخم وفي غمضة عين تحول (سامي) و(سوزان) وطفلهما الصغير إلى أشلاء ممزقة وقطع متفرقة - إنه مشهد فظيع جدا وعبرة لمن يعتبر.
أما في الآخرة فعلمهما عند الله إن شاء عفى وإن شاء عذبهما ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
لقد انتصر الله تعالى لتلك الأم المسكينة العجوز واستجاب دعاءها فانتقم لها من ظلمها بحيث عجّل له هذه العقوبة في الدنيا.
* الدروس المستفادة من هذه القصة:
ـ إن أوامر الله وطاعته ليس تعقيداً وتشديداً بل هو معناه .. الإنفتاح والتعقل.
ـ ضرورة الحرص على إختيار الزوجة الصالحة المستقيمة على طاعة الله وطاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأنها عون على الخير والصلاح وإنها بركة وخير.
ـ من خالف وصية رسول الله (عليه الصلاة والسلام) القائل:(فاظفر بذات الدين تربت يداك فلا يلومّن الا نفسه ولا يأمنن عاقبة تلك المخالفة فإن الله قد يسلط عليه زوجة تقلب حياته جحيماً ومشاكل .. ومن يزرع الشوك لم يحصد العنب أو الورد.
ـ الجزاء من جنس العمل وإن الله لبالمرصاد .. فليحذر العاق لوالديه عقوبة الله وهو لاهٍ غافل وحينها لا ينفع الندم.
ـ إجابة الله تعالى لدعاء المضطر المكروب المظلوم مصداقاً لقوله (عليه الصلاة والسلام):"اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
ـ صحيح أن (سامي) آثر زوجته على أمه ولكن ليت هذه الأم لو ابتهلت إلى الله أن يبعد ولدها (سامي) عن زوجته التي كانت سبباً في شقائه وأن يبعدها عنه ويوفقه إلى الندم والتوبة والإستغفار ويرجع إلى أمه معتذراً اليها.
ولكن كل شيء بقضاء وقدر وكان ذلك في الكتاب مسطوراً .. ولا حول ولاقوه الا بالله العلي العظيم.

مكتبة (الوطن)