يبدو أن وفد "الائتلاف" المسمى اصطلاحًا بـ"المعارضة" لم يتلقَّ بعد الجملة الثانية من مشغِّليه، حيث لا يزال يردد الجملة الأولى التي تم تلقينه إياها في الجولة الأولى لمؤتمر جنيف الثاني وهي "لا إرهاب في سوريا ولا بند نتفاوض عليه سوى البحث في هيئة الحكم الانتقالي"، ولذلك ظل يدور في الحلقة المفرغة محاولًا تدوير الوفد السوري الرسمي معه، وإفراغ جلسات التفاوض من أي مضمون يذكر.
ويبدو أيضًا من إعادة تدوير أسطوانة "هيئة الحكم الانتقالي" قبل الشروع في أي بند آخر، أنه لا يزال في جعبة رعاة الإرهاب وأدواته والداعمين له الكثير من الأجندات، ولديهم قوائم طويلة من القرى والمدن والأرياف السورية يجب أن ترتكب فيها عصابات الإرهاب المجازر تلو المجازر، وعدم التوقف عن ذلك حتى تحرير شهادة فناء الشعب السوري، وخلو سوريا من شعبها، وأن سوريا غدت أطلالًا وحدثًا من الماضي، لذا فإن الحل السياسي في مؤتمر جنيف الثاني لا يزال مفتاحه بقبضة الداعمين للإرهاب، ولا أولوية له في الاعتبارات والأدبيات السياسية لهم، وبالتالي ووفق هذا المنطق المستفز والمنافي للفطرة الإنسانية السليمة والأخلاقيات، ووفق تلك "الأسطوانة المشروخة" اللازم تدويرها في إطار موجبات الدفاع عن الإرهاب والهروب من المسؤولية القانونية والأخلاقية وتبعاته، فإن ما ارتكبته العصابات الإرهابية في معان ـ على سبيل المثال ـ في أعراف الداعمين للإرهاب والمنافحين عنه لم يكن إرهابًا، وإنما هو "دفاع" عن الشعب السوري، ونوع من الوسائل المستخدمة في "تلبية" مطالبه، ونوع من "الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة" في اختيار إنهاء مصيره.
لذلك فإن من مستلزمات نجاح التفاوض في الجولة الثانية لمؤتمر جنيف أن تكون قدرة وفد "الائتلاف" المسمى "المعارضة" على الدفاع عن تلك الممارسات الإرهابية وجرائم الحرب، وتحويل جلسات التفاوض إلى عصف ذهني يكتسب من خلالها الوفد "المعارض" القدرة على إقناع الخصوم، حيث تترتب عليه مسؤولية إعطاء مساحة زمنية كافية لأن توغل خنجر إرهابهم في أجساد الشعب السوري في جميع الجغرافيا السورية.
إذن، ليس مفاجئًا أن يخرج الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي إلى سوريا عقب كل جلسة تفاوض بتصريحات مشبعة بالإحباط والإعلان عن عدم حدوث أي اختراق في جدار التفاوض، لأن الإشارة لا تزال على اللون الأحمر من قبل الأسياد والمشغِّلين لأدواتهم بعدم الانتقال إلى أي بند آخر غير بند "هيئة الحكم الانتقالي"، الأمر الذي يستحث العقل والمنطق على إثارة علامات استفهام كثيرة من حيث: كيف يمكن تصور الانتقال إلى بحث تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة ولا تزال أجواء سوريا ملبدة بالإرهاب وأرضها تفيض بدماء الأبرياء وتعيث فيها فسادًا وإرهابًا العصابات الإرهابية صباح مساء؟ وكيف تستطيع هذه الهيئة الانتقالية إدارة دولة الكثير من مناطقها تمارس فيها عصابات الإرهاب عمليات تطهير عرقي وجرائم حرب؟ والمؤسف أن الإبراهيمي نفسه لم يكن عند مستوى الآمال المعلقة عليه كوسيط بالمقاربة التي أراد من خلالها تقريب وفدي التفاوض، إذ لا يعقل أن يتم التطرق إلى الإرهاب في يوم والحكم الانتقالي في اليوم الذي يليه دون البحث في آليات إنهاء الإرهاب والقضاء عليه وإعلان الأطراف الداعمة له التوقف عن الدعم. ولا ندري إن كان الإبراهيمي يقاسم وفد "الائتلاف" المسمى اصطلاحًا بـ"المعارضة" الرؤية ذاتها بأنه لا يوجد إرهاب في سوريا.
على أي حال، بالموقف القديم ـ الجديد لما يسمى وفد "الائتلاف" المسمى "المعارضة" من الإرهاب والدفاع عنه، يكون قد خسر نقطة أخرى، فضلًا عن تزايد الرافضين من الأطراف والجماعات التي تمارس الإرهاب لأن يكون ممثلًا عنهم.