تُستخدم كلمة " الإبداع " فى مجالات علم النفس ، لتحديد بعض الملامح والخصائص والمميزات الشخصية ، مثل التلقائية والأصالة والذكاء الحاد ، وتشير الكتابات الأدبية إلى ما هو أصيل ومبتكر ، وإلى حَدّ ماَ مُثْمِر.
والاهتمام الجاد بدراسة الإبداع وبطريقة علمية منظمة ، لم يبدأ إلا فى أواخر القرن التاسع عشر ، عن طريق ملاحظات قام بها العلماء حول العباقرة والنوابغ ، فبدأ الحديث عن قدرات وإمكانيات تتمثل فى التلقائية والسيولة غير العادية فى طرح الأفكار والصور. فالعقل المبدع الخلاق يَزْخَرُ دائمًا بالأفكار والتصورات الجديدة، بالإضافة إلى قدرة ذلك العقل على تقبل الجديد والاستجابة له ، ثم الحَدْس ونَفَاذ البَصيرة.
ويرى كثير من علماء النفس وعلماء التربية ، أن العبقرية لا تورث ، وإنما تُصنع ، فعوامل البيئة والتربية والإعداد والمران ، كل هذه عناصر أساسية ، حتى بالنسبة لمن منحتهم الطبيعة العديد من المواهب ، أما الوراثة ، فإنها لا تقدم سوى " البذرة " ، التى يجب أن تُغرس فى التربة الملائمة ، ثم نتولاها بالرعاية والتهذيب قبل أن تنضج وتتفتح.
إن الإبداع هو حصيلة توافق عدد من العناصر الذاتية الداخلية ، مع عوامل أخرى خارجية أو بيئية.
وتكشف الدراسات أن كل شخص يمتلك قدرًا ما من تلك المقدرة الخاصة ، التى نسميها " الإبداع " ، وأنه يمكن تعهد هذه المقدرة وتنميتها بالتدريب والمران . ذلك أن السلوك الإبداعى يتضمن كثيرًا من عناصر: حب الاستطلاع ، والرغبة فى الكشف والارتياد ، وإثارة التساؤلات ، وتقديم إجابات غير تقليدية وغير مألوفة عن هذه التساؤلات ، وظهور كثير من علامات الاستقلال والتمايز فى التفكير والتجربة.
إن الإبداع هو القدرة على التعامل - بطريقة متميزة - مع المشكلات الغامضة أو غير المحددة ، والعثور على افتراضات جديدة وأصيلة ، وتجريب أساليب وتطبيقات جديدة تمامًا.
والتفكير الإبداعى تفكير غير تقليدى أو غير مألوف ، لذلك فإن الإبداع يجب أن تُتاح له الفرصة لإثبات أهميته وفائدته. لكن هذا ليس معناه أن النشاط الإبداعى يجب أن يدور دائمًا حول الأمور النافعة أو المجدية.
إن معظم العلماء يعطون أولوية لعنصر " الجِدَّة " ، التى تشير إلى الأصالة والابتكار . وأن تكون هذه الجدة قادرة على التكيف مع الواقع ، بحيث يكون العمل الإبداعى استجابة لمشكلة معينة ، أو تقديم حَلّ لمشكلة ، ويشترط بعض الباحثين فى العمل الإبداعى أن يكون جديدًا ومفيدًا نافعًا . وهناك باحثون يكتفون بكون العمل الإبداعى مقبولاً من الناحية الجمالية.
ولابد من التمييز بين الإبداع والذكاء ، فلا توجد بالضرورة علاقة تطابق بين الاثنين . فمقاييس الذكاء المعروفة ليست معيارًا صحيحًا لقياس مستوى الأصالة والإبداع.
فهناك عدد كبير من العلماء يميلون إلى التمييز بين نوعين مختلفين من القدرات، العقلية :
الأولى : هى القدرات التى يمكن قياسها باختبارات الذكاء المعروفة ، بينما الثانية : هى قدرات استثنائية ، يُطلق عليها اسم " القدرات الإبداعية ".
إن مستوى الذكاء المطلوب للإبداع يختلف من مجال لآخر ، بحيث إنه قد يكون منخفضًا فى بعض الأحيان إلى درجة تثير الدهشة . فالمهم فى الإبداع ، هو مدى قدرة الشخص المبدع على استخدام ذلك القدر من الذكاء الذى يتمتع به فى إنتاج أعمال إبداعية وفى قدرته على أن يُوَجِّه هذا القدر من الذكاء لهذا الغرض بفاعلية واقتدار.
والإبداع ظاهرة عامة ، يمكن أن نجدها فى كل المجتمعات الإنسانية ، وفى مختلف مراحل التطور الاجتماعى والثقافي.
كذلك لا يقتصر الإبداع على سن دون أخرى ، وإنما يمكن أن نجد إبداعًا فكريًّا أو فنيًّا لدى الأفراد من مختلف الأعمار ، فهناك الكثير من الإنجازات الكبرى فى مجالات العلوم والفنون ، قد قام بها أشخاص مبدعون فى مراحل متأخرة من العمر.
وكثير من الأعمال قد تُدْخِل على التجربة الإنسانية العادية كثيرًا من عناصر التحوير والتعديل ، التى قد تؤدى فى النهاية إلى تغييرها تغييرًا شاملاً بحيث تتعارض مع الأوضاع التقليدية ، مما قد يمثل تحديًا لها.

القدرات المميزة للتفكير الإبداعى :
وهناك مظاهر أساسية تكاد تكون مشتركة لدى أغلب المبدعين ، منها ما يذكرونه هم أنفسهم " المبدعون " من أن الشقاء والتعاسة التى لازمت طفولتهم ، كانت من أهم العوامل التى فجرت ينابيع الإبداع الكامنة فى أعماقهم . ولكن ليس معنى هذا أن شقاء الطفولة شرط ضرورى لتنمية المواهب الإبداعية ، فالطفولة السعيدة لا تتعارض مع الموهبة ولا تقتل المقدرة الإبداعية.
ولعل أهم المظاهر المشتركة بين المبدعين ، هو مدى ما تتيحه العلاقة بين الوالدين والطفل من فرصة لتحرر الطفل وانطلاقه ، وبالتالى استقلال شخصيته. بالإضافة إلى كثرة الفرص المتاحة للاحتكاك بالثقافات الأخرى المختلفة والاتصال بالآخرين ، وغير ذلك من العوامل التى تساهم فى تعميق التجربة الذاتية وتنوعها ، وزيادة الخبرة وشمولها.
إن الإبداع يحتاج إلى الشعور والإحساس بالحرية والانطلاق ، وعدم الكبت أو الرضوخ لأى نوع من أنواع القهر.

عوامل القدرة الإبداعية
1 -الطلاقة:
وقُصد بها القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية . فالشخص المبدع شخص متفوق من حيث رصيد الأفكار التى يقترحها حول موضوع معين ، وفى وحُدة زمنية ثابتة ، مقارنة بغيره ... أى أنه على درجة مرتفعة من القدرة على سيولة الأفكار ، وسيولة توليدها.
وللتدريب على هذه القدرة ، هناك تدريبات لسرعة التفكير ، وذلك بأن نطلب من الطفل إعطاء كلمات فى نسق محدد ، تبدأ مثلاً بحرف معين أو مقطع معين ، أو تنتهى بحرف معين أو مقطع معين ، أو تصنيف الأفكار أو الكلمات حسب متطلبات معينة ، مثل القدرة على سرعة ذكر أكبر عدد من أسماء الجمع أو الأشياء الصلبة أو البيضاء ، أو إعطاء أكبر عدد من العناوين لقصة ، أو القدرة على وضع كلمة معينة فى أكبر قدر ممكن من الجمل والعبارات ذات المعنى.
2 - المرونة:
ويُقصد بها القدرة على أن يغير الشخص وجهته الذهنية عندما يتغير الموقف ، أى قدرته على التحرر من الأفكار النمطية ، ومن الانغلاق داخل معتقداته الذاتية ، وهى بهذا المعنى عكس التصلب العقلى. إن الوقوف عند أسلوب واحد تقليدى ، يقضي على كثير من مظاهر الثراء والتنوع الإبداعى ، خاصة فى ميدان الفنون.
3 - الحساسية للمشكلات:
فالشخص المبدع يكتشف الأخطاء بسرعة ، كما يتبين نواحى النقص والقصور والضعف الكامنة فى الأشياء أوضح وأسرع من غيره ، ويحس بالمشكلات إحساسًا مرهفًا ، كما تكون لديه القدرة على اقتراح حلول إبداعية لإكمال النقص والضعف ، فهذه القدرة ، تزيد احتمالات وصول المبدع إلى الخلق والابتكار ، لأنه من الحساسية للمشكلات ، تنطلق الإمكانيات نحو سد الثغرات ، أو فهم الغموض وإزالته. فالمبدع يتنبه للأشياء التى لا يلحظها غيره ، ويراقبها ، وهو بهذا أكثر تفتحًا على بيئته.
4 - الأصالة:
فالشخص المبدع لا يقتبس أو يردد أفكار المحيطين به . ويمكن الحكم على الفكرة بالأصالة فى ضوء عدم خضوعها للأفكار الشائعة . والشخص صاحب التفكير الأصيل ، هو الشخص الذى ينفر من تكرار أفكار الآخرين ، ومن حلولهم التقليدية للمشكلات.
5 - الاحتفاظ بالاتجاه ومواصلته:
فالشخص المبدع يتميز بقدرته على التركيز لفترات طويلة جدًّا فى مجال اهتمامه. فالإبداع ليس شيئًا عابرًا أو سريعًا ، وليس أمرًا يقوم به الإنسان عفو الخاطر أو بشكل لا إرادى ، بل إن المبدع يجب أن يكون صاحب قدرة على التركيز المصحوب بالانتباه طويل الأمد تجاه هدف معين بالرغم من المشتتات والمعوقات ، فهو يستطيع أن يتخطى العقبات ويلتف حولها ، ولا يتركها تقف على سبيله.
6 - القدرة على تكوين ترابطات واكتشاف علاقات:
فكل فكر إبداعى يقوم فى حقيقته على خلق نظام جديد من العلاقات بين الأشياء بعضها والبعض الآخر ، أو بربطها بعالم الخبرة الذاتية والوجدانية ، والقدرة على القيام بتكوينات كبيرة من فكرة أو أفكار قليلة.
7 - النفاذ:
وقد يسمى " الاستشفاف ". وهذه القدرة تعنى تمكن المبدع من النظر البعيد . إنها تعنى قدرة العقل المبدع على اختراق حواجز الزمان والمكان ، ورؤية ما يكمن خلفهما. فهناك مناطق مجهولة من المعرفة الإنسانية ، تخفيها المظاهر السطحية للأشياء. والقدرة على الذهاب إلى تلك المناطق البعيدة ، بشكل يتجاوز الحواجز والقيود ، هو ما يقصده العلماء باسم " النفاذ ".
8 - قدرة المبدع على القيام بعمليات التحليل والتركيب:
وتمكنه من أن يتحرك ذهنيًّا من البسيط إلى المركب ، ومن المألوف إلى غير المألوف ، ومن المحسوس إلى المجرد ، ومن الماضى إلى الحاضر ثم إلى المستقبل بقدرات الخيال.
9 - القدرة على تنظيم الأفكار:
وتلك من خصائص الطفل الابتكارى المبدع ، وإعادة تنظيمها مستخدمًا المهارات الإبداعية ، حتى يتهيأ له أن يرى بوضوح قيمة ما جمعه من أفكار ، وما توصل إليه من حقائق ، ليستطيع أن ينطلق إلى أفكار أصيلة أو حقائق جديدة.
وفى ضوء هذه القدرات للإنسان المبدع ، نستطيع أن نفسر السبب فى المقاومة العنيفة التى يواجهها المبدعون على مر التاريخ . فقد أثبت علماء السلوك الاجتماعى ، وجود مقاومة اجتماعية مستمرة للأفكار الجديدة . فالناس ينزعجون لإلغاء أو نقد أو تغيير ما استقروا عليه من نظام ثابت من الأفكار . وبذلك يكون على المبدع أن ينمى قدرته على تكوين ترابطات جديدة ، وعلى تحرير نفسه من الارتباط بما هو تقليدى ، وعليه أيضًا أن يتفنن فى التغلب على المقاومة الاجتماعية التى تواجه آراءه واكتشافاته.

كيفية تنمية القدرات الإبداعية
لقد أكد العلماء على أننا نستطيع زيادة قدراتنا وطاقاتنا على الخلق والإبداع ، إما من خلال التدريب ، أو من خلال أساليب التربية التى تساعد على احتضان الشخصية الإبداعية وإثارة مناخ اجتماعى يحمى التفكير الإبداعى ويرعاه ويشجعه.
إن التشجيع على إعطاء استجابات مبتكرة ومتنوعة ، يؤدى بلا شك إلى زيادة فى شيوع الاستجابات الأصيلة فى سلوك الفرد.
كما أن تهنئة الشخص على الفكرة الجديدة التى ينتجها ، تساعد كثيرًا على نمو القدرة على إمكانية تقديم استجابات أصيلة .
كذلك فإن إتاحة الفرصة للاستخدام العملى للأفكار الإبداعية ، يعزز من الأصالة ويزيد من تواترها .
ولا شك أن اهتمام المجتمع أو الأشخاص المحيطين بالمبدع - بأن يؤكدوا له دائمًا أن استجاباته جديدة وطريفة ومناسبة - سيؤدى إلى أن تزداد ثقة المبدع بنفسه ، كما ستنمي قدرته على المبادأة وعلى القيادة.
كما أن الحرص على أن يكتسب الفرد ثروة من الأفكار خلال مراحل الخبرة، يعد مقدمة ضرورية لكى يجد المبدع المادة التى يستطيع أن يصوغها صياغة جديدة ، أو يضعها فى تركيب جديد. ومن هنا تظهر أهمية إعطاء الفرصة للأطفال فى اكتساب خبرات جديدة ، منها زيارات الحقول والمتاحف والمصانع ، والقراءة وإجراء التجارب ، ومشاهدة الآخرين وهم يعملون. فكما يحوِّل الفنان خبرته المكتسبة إلى رواية أو مسرحية أو قصيدة ، فإن العالم يحول خبرته التى تدور حول المعلومات والوقائع والنظريات والبيانات التى عرفها واكتسبها ، إلى صياغة نظريات جديدة.
كذلك فإن تشجيع الطفل على الربط بين العناصر المتعارضة ، أو التى تبدو متعارضة ، من أهم أساليب تنمية وتدريب القدرة الإبداعية.

دور البيئة التى تحيط بالطفل
ومما يساعد على تنمية الإبداع وتدريبه ، أن يوجد الطفل فى وسط جماعة تتسامح مع الأخطاء ، وتشجع على الاختلاف ، ولا تكثر من النقد ، وتأخذ موقفًا تشجيعيًّا لأفكار أفرادها.
بينما يقضى على الإبداع ، وجود الطفل فى وسط جماعه تسلطية ، تكثر من النقد ، ولا تتسامح إزاء الأخطاء ، وتنبذ من يخرج عن المألوف ، وتسخر من الجديد ، وتتسم بالصلابة وضيق حرية الحركة المسموح بها ، وممارسة أنواع من الضبط والعدوان والإحباط.
إن الإسراف فى الانتقاد واللوم وإظهار السلبيات ، خاصة عند بداية ظهور الأفكار الجديدة ، يؤدى عادة إلى خوف الشخص ، وعندئذ يتراجع معيار تفكيره ، وتنخفض بالتالى الأفكار المبدعة لديه.
إن كثيرًا من أفكار العلماء العميقة ، بدأت من ظواهر كانت تبدو للبعض تافهة أو لا تستحق الالتفات. وقد كتب ابن " داروين " عن أبيه يقول: "كثير من الناس عندما تصادفهم نقطة تبدو أنها تافهة ولا صلة لها بما بين أيديهم من أعمال ، يمرون عليها دون أن يحسوا بها تقريبًا. وقد كانت هذه بعينها هى الأمور التى يقف عندها داروين ليبدأ منها".
إن الآباء والأمهات الذين يمكن أن يساعدوا على نمو قدرات أطفالهم الابتكارية والإبداعية ، هم الذين يتميزون بتفتح الذهن ، والمرونة العقلية ، والقدرة على التكيف ، والبعد عن التزمت ، وعدم التسلط ، والقدرة على تناول وجهات نظر متعددة ، والقدرة على منح الطفل قدرًا من الاستقلالية ، مع توفير جو من التشجيع والأمان ، والثناء على النجاح ، حتى يكتسب الطفل نوعًا من الثقة والتفاؤل والرضا ، ونسبة مرتفعة من توقع النجاح ، واختيارًا لمستوى أعلى من المُخاطرة.
إن ارتفاع مستوى الطموح، وبمعنى آخر : " قوة جاذبية المستويات الأصعب من الأداء"، إنما يحدده قوة توقع النجاح . ومن المؤكد أن جو الأمان والتشجيع على النجاح ، يساهم بدرجة كبيرة فى نسبة توقع النجاح ، والإقبال على المخاطرة.
فلابد أن يسود الأسرة إطار من التَقـبُّل للأبناء ، وشعورهم بالأمان من العقاب كجزاء على التجديد أو الاستقلال ، لكى تنمو عادات التفكير والسلوك الإبداعى لديهم.

احترام خيال الأطفال
كما يجب أن نحترم خيال الأطفال ، وأن نتجنب تعطيله وتعويقه ، وأن يكف الكبار عن الاعتقاد الراسخ لديهم بأن ما يفكر فيه البالغون هو الصحيح والحقيقي فقط.
فالوالدان عندما يحاولان باستمرار توجيه ابنهما إلى الواقع ، وإلى ما يعتقدان أنه مفيد وعملي - كلما وجدا ابنهما مُحَلِّقًا فى سماء الخيال - إنما يعوقان نمو خيال ابنهما بدرجة كبيرة ، أي أننا حينما نستهين بخيال الطفل ، نوصد أمامه هذا الباب السحرى إلى الأبد.
وهناك الكثير من الآباء يتملكهم القلق إزاء تخيلات الطفل فى سن الثالثة معتقدين أنها قد تتحول فى ذاكرته إلى أكاذيب وأوهام ، وأنه لن يتعلم التمييز بين الواقع والخيال. أما الحقيقة ، فهي أنه من الصعب أن يفرق الطفل فى هذه السن بين الواقع والخيال ، وعلى الكبار أن يُظهروا اهتمامهم بتصورات الأطفال الخيالية وأن يشاركوهم فيها ، بتأليف قصة مثلاً تدور حول تصورات الطفل الخيالية ، فيحس الطفل أن الحاضن يشاركه خياله ويتخيل معه. وكلما شب الطفل وترعرع ، كلما اتضح له ، طبيعيًّا ، الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال.

احترام قدرات الطفل الموهوب
ولتنمية قدرات الطفل الموهوب ومواهبه الإبداعية ، فإن علينا احترام رأيه ، والإجابة عن أسئلته بحسن تصرف ، وأن ندرس معه أى مشكلة يبحث لها عن حل ، مع تشجيعه ومناقشته فى المسائل المختلفة ، مع مراعاة مستواه العقلي ، واحترام قدرته على التفكير. كذلك فإن علينا أن نتوقع من الطفل العمل الذى يتناسب مع قدراته ، وألا نطلب منه ما لا يتناسب إلا مع من هم أكبر منه سنًّا.

الاهتمام بالميول الإبداعية للأطفال
كذلك فإن علينا - لتنمية قدرات الطفل الإبداعية - أن نهيئ له بيئة تقدم له فرصًا لمواجهة مختلف الميول ، كما نقدم ما يمكن أن يتحدى قدرات الطفل فى الحدود المعقولة ، ليكون هذا حافزًا على نموها وتطورها. وعلينا أن نعطي الطفل حرية العمل فى شتى مجالات ميوله ، وأن نساعده على استخدام مواهبه من حيث القدرة على الخلق والابتكار.
كذلك يجب أن نتجنب أن نطلب من الطفل الموهوب تحقيق مستويات مرتفعة من التحصيل فى كل المواد الدراسية. إن الطفل الموهوب لا يميل عادة إلى جميع هذه المواد بدرجة واحدة ، وبالتالى لا يكون مستوى تفوقه فيها واحدًا.

حرية الأطفال فى الرسم
كذلك يجب أن نمتنع عن أن نقدم للطفل كراسات التلوين ذات الرسوم الجاهزة ، أو أن نطلب منه نقل الرسوم من الكتب والنماذج ، بل لابد أن نترك للطفل حرية اختيار موضوعات رسومه ، يعبر فيها عن نفسه بخياله المنطلق ، وبالألوان التى يحبها ، وبالأسلوب الذى يروق له ، غير مقيد لا بنسب ولا بمنظور ، ولا بتطابق مع الطبيعة لا فى الشكل ولا فى الألوان ، فهذا هو السبيل الأمثل لكى يكون التعبير الفنى مستجيبًا ومفجرًا لطاقات الإبداع عند الطفل.

العمل على زيادة خبرات الأطفال
كما أن حجرة الطفل فى البيت أو المدرسة ، التى تستثير أعلى مستوى من التعبير الخلاق عند الأطفال ، هى التى تزودهم بشتى الفرص التى يختارون من بينها ما يناسبهم. فالأشياء والأنشطة والمواقف التى تؤدى بطفل ما إلى التعبير عن تفكيره الإبداعى ، ليست هى ذاتها دائمًا التى تكون دافعًا لغيره فى نفس الاتجاه.
إن الأنشطة التى تتطلب البحث عن المعلومات ، وعن المعاني ، وتوسع أفق الفهم والمعرفة ، والتى تفتح آفاقًا جديدة للإدراك ، تؤدى إلى أن يستعمل الطفل قدرًا متزايدًا من المهارات الناضجة ، التى تؤدى إلى زيادة قدراته الابتكارية والإبداعية.

الإجابة عن أسئلة الأطفال
والطفل يواجه مواقف لا يفهمها ، لا لشيء إلا لأنه لم يجد جوابًا عنها. ولابد أن نوفر المثيرات اليومية التى تشجع الأطفال على الإقبال على التساؤل ، وتحملهم على إلقاء الأسئلة التى تبدأ بأدوات الاستفهام : لماذا ، وكيف ، ومتى ، وأين ؟
ويجب أن يكسب الطفل القدرة والثقة بالنفس فى بحثه عن الإجابات ، حتى يكون مستعدًا لمواجهة المجهول ، والتفكير الخلاق ، بثقة واطمئنان.
علينا أن نوجه الطفل ، ليس فقط ليلقى مزيدًا من الأسئلة ، بل أيضًا ليبحث بنفسه عن الإجابات ، سواء فى الكتب أو عن طريق سؤال المربين ، أو عن طريق الملاحظة ، أو باختبار الاحتمالات المختلفة. وليس هناك سن يكون الطفل فيه أصغر من أن يتعلم عن طريق التفكير فى المشكلات التى تثير اهتمامه بها.

إنشاء النوادي للهوايات
كذلك يمكن تكوين نوادٍ خاصة للأطفال والتلاميذ ، الذين يهوون الرسم ، أو التصوير ، أو الموسيقى ، أو العلوم ، أو الأشغال اليدوية ، أو جمع طوابع البريد ، وغيرها من الميول
والهوايات. إن مثل هذه النوادى والأماكن المخصصة لممارسة الهوايات - والتى تنمي الإبداع ، والتى تقوم على أساس ميول الأطفال - تزيد من حماس التلاميذ ورغبتهم فى العلم ، وتساعد على الكشف عن الموهوبين منهم ، كما تعمل على تنمية قدراتهم على الخلق والإبداع . كما يجب توفير أماكن وأدوات ممارسة مثل هذه الهوايات فى المدارس والأحياء لتنمية الإبداع وتشجيع المبدعين ، وإشعارهم بتقدير المجتمع لهم ، تشجيعًا لهم على مواصلة الجهود ، واستمرارهم فى البحث والاستقصاء.

اللعب الدرامى والإبداعي
كذلك فإنه عندما يضع الطفل على رأسه وعاء طبخ صغير متخيلاً أنه الخوذة التى يلبسها رجل المطافئ ، أو عندما يريد الطفل أن يمثل دور هذا الرجل فى لعبة من ألعابه التخيلية ، أو عندما يعمل الطفل من أحد أكياس النايلون ما يتصور أنه بالون يصعد به إلى الفضاء ، أو عندما يأخذ قطعة كبيرة من البلاستيك ويربط حوافها بقطع الدوبارة لكى يصنع منها مظلة هبوط ، متصورًا أنه يقفز من طائرة ، أو عندما يأخذ بعض حبات البازلاء فى الطبق ويصفها على شكل زخرفى قبل أن يأكلها .. فى كل هذه الأحوال أو ما يماثلها ، يعيد الطفل تنظيم أشياء أو مواد مألوفة ، لكي يستخدمها فى مواقف أو أغراض غير مألوفة.
إن تشجيع الطفل على استحداث استخدامات جديدة لأشياء أو لمواد مألوفة ، هو شكل من أبرز أشكال تنمية التفكير الإبداعى عند الأطفال. إن الأطفال يبحثون دائمًا عن مواد مألوفة حولهم لاستخدامها فى لعبهم الإيهامي، وهم يفعلون ذلك عندما لا يجدون المواد الحقيقية ، وذلك لكي يتخذ الدور الذى يلعبونه الشكل الأقرب إلى الواقع. وكلما كان نشاط الطفل فى لعب الأدوار الإيهامية أو التمثيلية حافزًا على البحث والوصول إلى أفكار جديدة وبعيدة عن المألوف ، كلما يكون قد حقق عنصرًا أساسيًا من عناصر الابتكار والتفكير الإبداعي.

خاتمة
إن علينا أن نعامل أطفالنا كلهم ، على أنهم جميعًا لديهم شرارة النبوغ. والآباء يستطيعون أن يلهبوا هذه الشرارة من النبوغ ، أو يضعفوها أو يخمدوها. والواجب علينا تنمية هذه الميزة الرئيسية فى أطفالنا ، حتى يصبح لدينا جيل كامل من المبدعين والعباقرة.

أهم مراجع البحث
- " الحضانة : نفسية الطفل فى السنوات الخمس الأولى " - تأليف سوزان إيزكس - ترجمة وتقديم د . سمية أحمد فهمى - نشر مكتبة الأنجلو المصرية 1968 .
- " النشاط التلقائى والتعلم الخلاق " - تأليف : هيلين وارد وآخر - ترجمة : د . مصطفى فهمى وآخر - نشر دار النهضة العربية 1963 .
- " كيف يلعب الأطفال : للمتعة والتعلم " - تأليف جان شك جروسمان - ترجمة : محمد عبد الحميد أبو العزم - نشر مكتبة النهضة المصرية .
- " تربية الطفل قبل المدرسة " - تأليف : د . سعد مرسى أحمد وكوثر كوجك - نشر عالم الكتب 1983 .
- " الأطفال مرآة المجتمع : النمو النفسى الاجتماعى للطفل فى سنواته التكوينية " - تأليف د . محمد عماد الدين إسماعيل - سلسلة عالم المعرفة - يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب - الكويت العدد 99 - مارس 1986 .
- " التقرير الختامى لحلقة النهوض بالتعليم قبل المدرسى فى جمهورية مصر العربية " - نشر المركز القومى للبحوث التربوية ، بالتعاون مع مكتب اليونسكو الإقليمى للتربية فى البلاد العربية - يونيو 1981 .
- " دراسة حول خدمات الجمعية العامة لتدريب العاملين فى ميادين الأسرة والطفولة لإنتاج لعب الأطفال " - بقلم عبد المحسن عفيفى محمد .
- " الطفل يمكن أن يتعلم منذ نعومة أظفاره " - بقلم بوريس ينكتين - مجلة رسالة اليونسكو العدد 204 .
- " كيف يلعب الأطفال لكى يتعلموا " - بقلم : كيمخامازوكا - مجلة رسالة اليونسكو العدد 204 .
- " مجلة العلم والمجتمع - العدد 50 سند 13 - مارس / مايو 1983 " - عدد خاص عن العلم والألعاب - التعلم عن طريق اللعب المنظم - صادرة عن اليونسكو .
- " سيكولوجية اللعب " - تأليف سوزانا ميلر - ترجمة رمزى حليم يسى - نشر الهيئة العامة للكتاب 1972 .
- " تكوين مدركات الأطفال العلمية " - تأليف مارى شكلن - ترجمة د . محمد صابر سليم - سلسلة التعليم فى ضوء التجارب رقم 19 - مكتبة النهضة العربية 1966 .
- " التنشئة العلمية " - تأليف : ماريان بيسر - ترجمة : أحمد محمود سليمان - الناشر : الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 .
- " نمو الذكاء عند الطفل " - تأليف : برنار فوازو - ترجمة : منير العصر - نشر : مكتبة النهضة المصرية 1976 .
- " تنمية الإبداع كهدف من أهداف عقد حماية الطفل المصرى " - إعداد : يعقوب الشارونى - دراسة قُدمت إلى الحلقة الدراسية عن وثيقة الرئيس مبارك حول عقد حماية الطفل المصرى ورعايته - نوفمبر 1989 .

يعقوب الشاروني