[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” الحضارة الإسلامية فهي الفتوحات الرائدة وأسلمة الفرس وتحويل القسطنطينية الرومية إلى قوة إسلامية عظمى وجعل الأندلس مصدر حوار الحضارات ونقل علوم الإغريق للأوروبيين بعد أن ترجمها العلماء المسلمون وفتح المأمون باب الترجمة من اليونانية وتأسيس بيت الحكمة وتطوير الطب والكيمياء والرياضيات والفلك وتأسيس الخوارزمي لعلم الكسور في الرياضيات ”
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الدهاء الغربي عجيب لأن يمينه العنصري يريد الربط بين عنف الجماعات المتطرفة ومبدأ وحدة المسلمين ونحن نتصدى للخلط المبرمج بين الإرهاب الذي نندد به وبين عقيدة توحيد الأمة وهي رسالة كل مسلم كما أن النفاق الغربي عجيب لأنه يجمع معتنقي أديانه في تكتلات عقيدية ويندد بكل نداء لتوحيد المسلمين في حين يتكلم أكبر خبراء أميركا في استشرافهم للمستقبل فيقرون بعودة نوع جديد من الوحدة الإسلامية سنة 2020 ونحن طبعا نندد بكل أشكال الإرهاب باسم الدين وأولها الصهيوني باستشهاد 2500 فلسطيني في غزة منذ شهور و الإرهاب الصليبي الذي قتل آلاف المسلمين في افريقيا الوسطى وبورما ومع دعوتنا لإسلام التسامح والتعايش مع مختلف الأمم وأولوية حوار الحضارات ننشر هذه الاستشرافات للقراء العرب والمسلمين. لعل أغلب المسؤولين لا يقرأون التقارير التي تنشرها مركزية المخابرات الأميركية (سي أي إي) سنويا والعجيب أن مهمة مستشاري حكوماتنا هي على أقل تقدير مد أصحاب القرار بهذه التقارير فهي تباع منشورة بكل اللغات (ماعدا العربية!) في العالم وأنا أثابر على مطالعتها منذ سنوات منشورة بالفرنسية من موقعي كأكاديمي مهتم بشؤون أمتي! وأغرب ما يلفت أنظار المراقبين لأحداث العالم الإسلامي ما بعد التحولات والحروب الطائفية هو وقوع الأغلبية من النخب في فخ أعدائهم التاريخيين أي العنصريين والمحافظين الجدد وأدعياء صراع الحضارات فأصبح بعض العرب يتخذ مبدأ وحدة المسلمين هزءا مهما كان شكلها بينما أمر الله سبحانه بها حين قال عز من قائل (إنما المؤمنون إخوة) و (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) فالوحدة مطلب المسلمين جميعا في عالم شكل فيه المسيحيون ثلاث تكتلات أشبه بالخلافة (حسب تحليل صامويل هنتنجتن صاحب نظرية صدام الحضارات لا حسب رأيي أنا) وهي الخلافة الكاتوليكية في الإتحاد الأوروبي والأنغليكانية في الولايات المتحدة وبريطانيا والأرتودكسية في اتحاد الجمهوريات الروسية! إلى جانب خلافتين عملاقتين على أساس ديني هما الكنفوشية في الصين والهندوسية في الهند وما استفحال الاستبداد والقهر واتشار التخلف والفقر إلا بسبب التخلي عن مبدأ وحدة المسلمين وتمسك النخب المعادية للدين بالحداثة الدخيلة والتخلي عن الحداثة الأصيلة تحت شعارات مغلوطة منها الشعار الذي كان يرفعه المستغربون وهو التمسك بتقليد قشور مدنية الغرب المادية المائعة وليس تقليد الغرب في قوة مؤسساته الدستورية واحترامه لحقوق الإنسان! ونستعرض في هذا المقال ما جاء في تقرير علماء أمريكان من أكبر عقولهم يستشرفون مستقبل حضارة الإسلام في كتاب صدر في سبتمبر 2007 قبل منعرج المسلمين الراهن وقبل موجة صعود الحركات الإسلامية للحكم ثم فشلها الذريع فيه منذ 2011. في الصفحة 83 من التقرير الصادر عن مؤسسة (روبيرلافون) للنشر الباريسية بعنوان: كيف ترى المخابرات الأميركية العالم عام 2020 ؟ نقرأ الفقرة التالية:
"سوف يتمتع الإسلام السياسي من هنا إلى عام 2020 بانتشار واسع على الصعيد العالمي، ونتوقع أن ترتبط الحركات الإسلامية العرقية والوطنية ببعضها البعض وتسعى ربما إلى تأسيس سلطة تتجاوز الحدود القومية".
هذا ما يتوقعه علماء أميركيون وأشهرهم على الإطلاق عالم الاجتماع وأكبر خبراء استشراف المستقبل (ألفين توفلر) صاحب كتاب صدمة المستقبل والعالم (تيد غوردن) أكبر خبراء مشروع: ميلينيوم بروجكت الذي أنجزته منظمة الأمم المتحدة والعالم (جيم ديوار) من مؤسسة راند كوربوريشن و العالم (جاد ديفيس) المخطط لكل برامج شركة شال البترولية وغير هؤلاء من الأعلام الذين لا يشق لهم غبار في علوم استشراف المصير. هذه الكوكبة من الأساتذة الجهابذة عملوا لمدة عامين لفائدة الوكالة المركزية للمخابرات بواشنطن
وخرجوا بتقرير خطير وأكاديمي يرسم ملامح العالم بعد ست سنوات من اليوم من خلال المؤشرات التي حللوها. وسبق أن أشرنا إلى التقرير المذكور بعجالة في بعض وسائل الإعلام العربية لكننا لا بد أن نتوقف عند نقاط نراها هامة جدا أو تستحق التركيز حتى نفيد الرأي العام العربي بهذا الصنف من الإستشراف السياسي الرفيع المؤسس على العلم لا على الرجم بالغيب.
إن مبدأ الوحدة الإسلامية مبدأ مؤسس للأمة المسلمة وللحضارة الإسلامية منذ فجر النبوة بقيام دولة الخلافة الراشدة، و لعل كتاب الشيخ محمد عبده بعنوان (الوحدة الإسلامية) أفضل من جمع تلك القيم التي دعا إليها القران الكريم حتى تكون الأمة المسلمة أمة واحدة. ولكن لقائل أن يقول، كما كان الحال دائما بأن تاريخ المسلمين كان باستمرار تاريخا مليئا بالحروب والانقلابات وانهيار الدول، وهذا قول مردود لأن تاريخ الحضارة الإسلامية التي أنارت الدنيا بالعلوم والفكر والسماحة لا يجوز أن نختصره في تاريخ الصراع السياسي لدى الشعوب المسلمة أو في انتهاك حقوق الإنسان من قبل مجموعات عشوائية فالسياسة أينما كانت هي تاريخ التناحر على الحكم لدى المسلمين ولدى غير المسلمين، ومن التجني معاداة مبدأ الوحدة الإسلامية برفع أشباح التدافع العنيف حول السلطة، فالعروش في كل الحضارات مواقع صراع والنفس البشرية مسلمة كانت أو مسيحية أو بوذية أو ملحدة هي ذاتها النفس البشرية التي ألهمها الله سبحانه فجورها وتقواها، كما جاء في الذكر الحكيم. أما الحضارة الإسلامية فهي الفتوحات الرائدة وأسلمة الفرس وتحويل القسطنطينية الرومية إلى قوة إسلامية عظمى وجعل الأندلس مصدر حوار الحضارات ونقل علوم الإغريق للأوروبيين بعد أن ترجمها العلماء المسلمون وفتح المأمون باب الترجمة من اليونانية وتأسيس بيت الحكمة وتطوير الطب والكيمياء والرياضيات والفلك وتأسيس الخوارزمي لعلم الكسور في الرياضيات وهو أصل الكمبيوترحتى أن مصطلح (اللوغاريتم) ما هو إلا تحريف لاسم الخوارزمي! ورسم الإدريسي لخريطته للعالم على ظهر جمل وهي أم الخرائط و فكر العلامة ابن خلدون وقبله الجاحظ والمعري والأدب السياسي لابن المقفع و حكمة ابن سينا وابن الجزار وعهد صلاح الدين الأيوبي واستقلال القضاء عند الإمام سحنون ... إلى أخر القائمة التي تمتد إلى العالم الحقوقي أبو الدساتير العربية المرحوم عبد الرزاق السنهوري الذي أنجز رسالة الدكتوراه في جامعة باريس عام 1924 حول الإتحاد الإسلامي وكيف نبعثه من جديد على أسس العصر الحديث. وهذه الرسالة القيمة المتميزة نشرتها ابنة السنهوري وزوجها الدكتور توفيق الشاوي في التسعينيات بالعربية و لم يحظ هذا الكتاب الجليل بما يستحقه من الرواج والتعريف، ولكن إعتمده الأوروبيون لتأسيس اتحادهم الأوروبي ! بالرغم من أنه كتاب لم يصدر عن شيخ أزهري ولا زيتوني ولا عن متطرف، بل عن عقل قانوني مستنير تخرج من السربون لكنه لم ير سوى الاتحاد الإسلامي طريقا نحو التقدم والمناعة والاستقلال، وحتى يصبح المسلمون قوة من قوى العالم الحديث كبقية القوى و كما كانوا في الماضي القريب. وهكذا فكر وخطط رجال دولة من أمثال نجم الدين أربكان وعلي عزت بيجوفيتش ومهاتير محمد. أي إن فكرة الوحدة ليست دينية محض بل تنطلق من وحدة العقيدة لتؤسس للتعاون الاقتصادي والتكامل التجاري والتلاحم الثقافي وتحصن الشعوب المسلمة من المؤامرات والتهميش والظلم وهو ما أنجزه الزعيم بورقيبة والملك فيصل بن عبد العزيز عندما دعيا سنة 1966 إلى إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي. فالإتحاد الأوروبي اليوم هو 27 دولة تتكلم 22 لغة من أعراق متباينة ثم هي دخلت فيما بينها ثلاث حروب ذهب ضحيتها مئات الملايين من الضحايا في ظرف قرن واحد، وهي حروب 1871 و 1914و 1939 وقريبا منا حرب الكاتوليك والبروتستان في ايرلندا وحرب التطهير العرقي في يوغسلافيا. ولكن على عكس المسلمين لم يقل من الأوروبيين قائل بأن هذا التاريخ المشحون بالدماء والتناحر والعدوان هو المانع من الوحدة.