بين العقل والعضلة
مشكلة الإثنين، أسامة بن لادن وأبو أنس الليبي، تتلخص في أنهما توهما بأن العضلة تفوق العلم والتقنيات الحديثة، باعتبار خرافات الحركات الإرهابية المستوحاة من حلم سلفي يُحرم عليهم حتى شرب الماء البارد، لأنه من نتاج ثلاجة مصنوعة في العالم الغربي، كما هي حال الأسلحة التي يستخدمونها للقتل الأعمى ولكنهم لا يحرمونها!
إن الذي فاتهما، سوية مع بعض الأميركان المغرر بهم للعمل مع هذه الجماعات الإرهابية، هو أن العلم والتقنيات المتقدمة تطيل أذرع اللجم والبتر العسكرية والاستخبارية الأميركية، خاصة بعد التوظيف البراجماتي الدقيق للـ”درونات” اي الطائرات الصغيرة بدون طيار (راجع مقالتي “تمدين الدرونات”، في 2 يناير 2014).
يقودنا هذا النقاش إلى تأمل الفرق بين العضلة القوية وبين العقل القوي؛ أي بين القوة العضلية الخام التي يمتلكها الإرهابيون، من ناحية، وبين القوة العضلية المدعومة بالعلم والتقنيات الحديثة التي يمتلكها العالم الغربي، من الناحية الثانية: فلو كانت العضلة القوية كافية للسيطرة وتحقيق النصر، لما تمكن الإنسان من ركوب الجمال والخيول وسواهما من حيوانات الحمل، والطعام أحياناً. وهذا يقبع في لب جدل الصراع بين الحضارة والبربرية، فالحضارة تعتمد العقل ويكون حجمها أصغر بكثير من الكينونات البربرية التي تعتمد حجم الجسم، بدليل استعمار أوروبا (القارة الصغيرة) آسيا وإفريقيا (القارتين الكبيرتين).
والسبب واضح للغاية، وهو أن تفوق الذكاء البشري على ذكاء بقية الحيوانات (ربما بسبب حجم ووزن الدماغ)، بالدرجة الكافية لتمكينه من استغلالها والاستفادة منها، حملاً وطعاماً وزينة، من بين فوائد أخرى.
ربما كان يدور في خلد أبو أنس الليبي لحظة صف سيارته مقابل باب منزله، كيف ستتلقاه زوجته بالأحضان وكيف ستقدم له طبقاً لذيذاً للعشاء. إلا أن الذي احتضنه كان ضابطاً أميركياً مدرباً تدريباً رفيعاً بحيث ما إن أمسك برجل من القاعدة، فلن يترك له مخرجاً للهروب، وبدلاً عن القبلات، لا بد أن الليبي قد تلقى شيئاً مناسباً من اللكمات والركلات، ليتناول بعدها “المقسوم” من الغذاء المجفف الذي تزود به الشركات الأميركية القوات المسلحة، بما يزخر به من لحم خنزير أو دجاج مطبوخ بالنبيذ الأحمر!