[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
لم أتمالك نفسي، فانفجرت ضاحكاً بصوت عال لفت انتباه زوجتي وأبنائي عندما شاهدت فيلماً قصيراً جداً لعملية المخابرات المركزية الأميركية لاعتقال الإرهابي أبو أنس الليبي التي تمت خلال بضع دقائق، وخلال بضع دقائق أخرى وجد هذا "المسكين" نفسه على ظهر بارجة حربية تعود للأسطول الأميركي. ربما كان أبو أنس قبلئذ يمشي بين أقرانه وأصدقائه في طرابلس مرحاً وبشيء من الاعتداد والتبختر باعتباره أحد الذين هزموا أميركا وجلسوا يتندرون بها وبجبروتها "عن بُعد"، بيد أنه كان متوهماً لأنه اعتقد، كما هي حال زعيمه القتيل "أسامة بن لادن" أنه بأمان مع زوجاته وبمنأى عن الخطر.
مشكلة الإثنين، أسامة بن لادن وأبو أنس الليبي، تتلخص في أنهما توهما بأن العضلة تفوق العلم والتقنيات الحديثة، باعتبار خرافات الحركات الإرهابية المستوحاة من حلم سلفي يُحرم عليهم حتى شرب الماء البارد، لأنه من نتاج ثلاجة مصنوعة في العالم الغربي، كما هي حال الأسلحة التي يستخدمونها للقتل الأعمى ولكنهم لا يحرمونها!
إن الذي فاتهما، سوية مع بعض الأميركان المغرر بهم للعمل مع هذه الجماعات الإرهابية، هو أن العلم والتقنيات المتقدمة تطيل أذرع اللجم والبتر العسكرية والاستخبارية الأميركية، خاصة بعد التوظيف البراجماتي الدقيق للـ"درونات" اي الطائرات الصغيرة بدون طيار (راجع مقالتي "تمدين الدرونات"، في 2 يناير 2014).
يقودنا هذا النقاش إلى تأمل الفرق بين العضلة القوية وبين العقل القوي؛ أي بين القوة العضلية الخام التي يمتلكها الإرهابيون، من ناحية، وبين القوة العضلية المدعومة بالعلم والتقنيات الحديثة التي يمتلكها العالم الغربي، من الناحية الثانية: فلو كانت العضلة القوية كافية للسيطرة وتحقيق النصر، لما تمكن الإنسان من ركوب الجمال والخيول وسواهما من حيوانات الحمل، والطعام أحياناً. وهذا يقبع في لب جدل الصراع بين الحضارة والبربرية، فالحضارة تعتمد العقل ويكون حجمها أصغر بكثير من الكينونات البربرية التي تعتمد حجم الجسم، بدليل استعمار أوروبا (القارة الصغيرة) آسيا وإفريقيا (القارتين الكبيرتين).
والسبب واضح للغاية، وهو أن تفوق الذكاء البشري على ذكاء بقية الحيوانات (ربما بسبب حجم ووزن الدماغ)، بالدرجة الكافية لتمكينه من استغلالها والاستفادة منها، حملاً وطعاماً وزينة، من بين فوائد أخرى.
ربما كان يدور في خلد أبو أنس الليبي لحظة صف سيارته مقابل باب منزله، كيف ستتلقاه زوجته بالأحضان وكيف ستقدم له طبقاً لذيذاً للعشاء. إلا أن الذي احتضنه كان ضابطاً أميركياً مدرباً تدريباً رفيعاً بحيث ما إن أمسك برجل من القاعدة، فلن يترك له مخرجاً للهروب، وبدلاً عن القبلات، لا بد أن الليبي قد تلقى شيئاً مناسباً من اللكمات والركلات، ليتناول بعدها "المقسوم" من الغذاء المجفف الذي تزود به الشركات الأميركية القوات المسلحة، بما يزخر به من لحم خنزير أو دجاج مطبوخ بالنبيذ الأحمر!