[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
لا يختلف اثنان على أن ثورة الاتصالات أحدثت أنماطا جديدة في مسارحياتنا، وقلبت موازين كانت سائدة بفعل مسايرتها لحاجات أضحت ملحة لقطاعات كبيرة تناغمت مع وقع الحياة واستحقاقاتها ومتغيراتها في جميع الميادين.
وعندما نشير إلى هذه الأنماط الجديدة التي دخلت حياتنا فإننا نتوقف عن سلطة جديدة فرضت وجودها علينا بعد أن أزاحت سلطتنا الرابعة (الصحافة)، حيث تمكنت صحافة الشبكات الاجتماعية، لاسيما الفيسبوكوتويتر، بالقيام بدور المنبئ الجوي ـ إن جاز التعبير ـ في رصد للأحداث التي نعيشها يوميا في قبل وقوعها.
وبموجب هذا النمط الجديد في عالم الصحافة والإعلام فإن العاملين فيه تحولوا إلى جيش من المخبرين والمراسلين والمصورين بعد أن تمكنوا من إزاحة صاحبة الجلالة من موقعها كسلطة رابعة بفعل سلطة جديدة من دون مكاتب ومطابع وورق وجهد وظيفي، اختصروا هذا الجهد وهم في بيوتهم وحتى من خلال هواتفهم النقالة.
لقد تجاوزت السلطة التي نتوقف عند تأثيراتها في حياتنا ثوابت كانت سائدة، حتى أضحت من الماضي لأن السلطة الجديدة أوجدت فضاءً للحريات لم تستطع وسائل الإعلام التقليدية الوصول إلى سقفها الجديد وبيسر وسهولة.
أهمية سلطة الشبكات الاجتماعية أصبحت تمثل سلطة جديدة، من دون جيوش وأسلحة وقوانين يفوق تأثيرها تأثير السلطة الرابعة، وهددت مستقبلها التي احتلتها منذ ظهور الصحافة الورقية وحتى الآن.
وفتحت السلطة الجديدة الباب على مصراعيه أمام الراغبين في التغيير ومنحت روادها في العالم عبر شبكة الإنترنت فرصا غير محدودة في ممارسة الرقابة الشعبية على السلطات الثلاث، بما فيها الرقابة على السلطة الرابعة التي كان الصحفيون يتغنون بأمجادها على مدى القرون الماضية.
ومايكرس سلطان السلطة الجديدة وقوانينها وانعكاسها على حياتنا كصحفيين التحديات التي تواجه الصحافة الورقية وتراجع دورها إلى حد توقف العشرات إما عن الصدور أو تحولها إلى صحيفة إلكترونية، غير أن الأزمة المالية التي تعيشها الصحف الورقية هي التحدي الأكبر.
وأصبح بإمكان المواطن أن ينشئ صفحة يكتب ويهاجم من يشاء وخلال ثوانٍ يطلع المتصفحون على آرائه بأعداد تفوق أعداد قراء الصحيفة الورقية إلى حد إطلاق أحد المغردين على السلطة الجديدة أنها سلطة الشعب، أو سلطة المواطن.
السلطة الجديدة قلبت مفهوم وثوابت الصحافة والإعلام التقليديين وشكلت خطرا على مستقبلها، وأضحت سببا رئيسيا في الأزمة التي تمر بها الصحافة الورقية في العالم،الأمر الذي يتطلب من المعنيين لمواجهة استحقاقات السلطة الجديدة مراجعة واقعية تستند إلى تغيير في نمط وطريقة التفكير في الاستثمار الإعلامي، وليس فقط إصدار مطبوعة وانتظار تمويلها من مردود الإعلان التجاري الذي استدار مروجوه إلى التلفزيون الفضائي وشبكة التواصل الاجتماعي عموما.
إن سقف الحريات الممنوح للمشتغلين في فضاء السلطة الجديدة ينبغي أن يكرس لإشاعة روح المواطنة، وتكريس مفهوم الشراكة في صياغة مستقبل الأوطان، وتكريس موجبات العيش المشترك والابتعاد عن ممارسات التشهير وتكريسه للإسقاط السياسي أو الأخلاقي.
وعلى الرغم من أن اشتراطات السلطة الجديدة ليس لها حدود بعد فرضت واقعا مغايرا لأنماط كانت سائدة،إلا أن دواعي المسؤولية الوطنية تستدعي تكريس واستثمار هذه الأنماط الجديدة في حياتنا لتكون آمنة ومستقرة، وليس وسيلة للعبث والاستخدام غير المسؤول الذي قد يحول هذا المنجز إلى غير مقاصده النبيلة كما نتمنى.