[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
ارتباك وفوضى وخوف اجتاح العراقيين منذ اليوم الاول لوجود القوات الأميركية في بغداد، ولم يتضح بعد أي ملمح حقيقي من مخالب الأميركيين، فقد انتشرت الدبابات في احياء العاصمة ولم توفر الحماية لأي مؤسسة أو وزارة ما عدا وزارة النفط التي وقفت دبابة أو أكثر لتوفر لها الحماية، ما ساد تصور عند بعض العراقيين من أن هدف الولايات المتحدة من برنامج غزو العراق واحتلاله، إنما هو هدف اقتصادي يتمثل بالسيطرة على النفط العراقي ومن خلاله على اقتصاديات المنطقة.
وبعد عدة أيام على بدء الاحتلال المتمثل بهذا الحجم من الدبابات والطائرات التي تحوم في سماء بغداد والعسكر من المارينز المنتشرون في احياء العاصمة، بدأ توافد أعداد كبيرة من عراقيي الخارج، ويتواجد غالبية هؤلاء في فندق الميريديان المطل على نهر دجلة وبجواره ساحة الفردوس التي أصبحت أشهر ساحات العالم في ذلك الوقت، وما يتميز به القادمون من الخارج، أولا علامات الفرح والسعادة الغامرة التي تتقافز على وجوههم، والتهاني التي يتبادلونها فيما بينهم، وتكرار مفردة " التحرير" بمناسبة وبدون مناسبة" يضاف إلى ذلك أنهم يحملون معهم علب المياه المعدنية في مظاهر تنم عن اشارات واضحة أنهم قادمون من الخارج، وكلما ارادوا الحديث عن حسنات وتقديم ايات الشكر والعرفات للقوات الأميركية يرفعون نبرات اصواتهم ويحدجون الآخرين من عراقيي الداخل بنظرات مبهمة.
وفي إشارة للعلاقة بين فرض قوات الاحتلال الأميركية حراسة على وزارة النفط العراقية الواقعة بجانب الرصافة وسلوكيات هؤلاء القادمون من الخارج، فقد لفت صراخ أحدهم، وكان متأنقا، ويحمل قنينة مياه معدنية بيده، وإذا به يعنف أحد الصبية الذي يرتدي ملابس متواضعة، ويجلس امام فندق المريديان، يضع أمامه عدته الخاصة بصباغة الاحذية، ليكسب قوته وعائلته في ظرف معيشي صعب جدا.
نهره صاحب المياه المعدنية، وقال له بصوت مرتفع، انهض واذهب إلى بيتك وأهلك، ولا يمكن بعد اليوم أن تمارس هذه المهنة، نحن في زمن آخر، وذكر في السياق التحرير طبعا، وأن نفط العراق من هذه اللحظة أصبح لأبناء العراق، وسيصلك وعائلتك من واردات النفط ما يجعلك تعيش افضل من البشر في كل مكان.
انهى صاحب علبة المياه المعدنية زمجرته وانسحب إلى داخل الفندق، متغطرسا كالطاووس، في حين بقي الصبي مضطربا، لا يعرف ماذا يعمل، وكيف يعود إلى عائلته دون أن يحمل معه ما يسد رمقهم.
طبعا لا نعرف ماذا حل بصاحب المياه المعدنية، لكن في أغلب الأحيان أصبح من أصحاب الفلل والقصور في لندن ودول اخرى، اما الصبي فربما اعتقلته أو قتلته قوات الاحتلال الأميركي، أو مات بسبب التشرد والمرض والجوع، وبالتأكيد طحنته آلة الاحتلال المجرمة.