[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
لم نبخل خلال السنوات العشر الماضية في الاحتفاء بالمشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة انسجامًا مع من يرى أنها المفتاح التنموي اللازم لإنعاش الاقتصادات العربية بعيدًا من نزعات الاحتكار، ولأنها تضمن خفض نسبة البطالة وتوسيع دائرة الاستثمار في مجالات عديدة، منها ما يتصل بتطوير الأرياف خدميًّا وتوسيع الرقعة الزراعية واستقطاب أكبر عدد ممكن من خريجي المعاهد والجامعات لسوق العمل الخاص.
لقد حرقنا كثيرًا من (البخور) لإذكاء رائحة هذه المشاريع، بل ذهب البعض إلى اعتبارها (وصفة سحرية) من أجل إرساء دعائم التنمية على الأصعدة الحياتية كافة، وفي كل ذلك علينا الاعتراف أن الاحتفاء بهذا النوع من الاستثمار التنموي لم يكن وليد مبادرات عربية ذاتية خالصة، بل تلقفنا التنويه بأهميتها من مؤسسات دولية بعضها تابع للأمم المتحدة مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك منظمة الزراعة والأغذية (الفاو)، ومن تلميحات ثقافية وإعلامية صادرة عن دول سبقتنا إلى ذلك.
كان التلويح بها كمنقذ للكثير من الكساد الاقتصادي، ولكن تبين عربيًّا أننا لم نتحرك بما يتناسب وصخب الاحتفاء بها على الرغم من عديد حلقات العمل التي عقدت لهذا الغرض في أغلب البلدان العربية، فلقد صنفت دراسات جديدة تناولت هذا التوجه الحيوي بأن خطواتها ظلت متواضعة، إن لم تكن منخفضة في الدعم المالي المصرفي لها.
لقد أفادت تقارير موثقة أحدها صادر عن المنتدى المصرفي العربي أن القروض المصرفية المقدمة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية كانت ضمن ثلاث مجموعات من البلدان، المجموعة الأولى لم تتجاوز معدلات الإقراض فيها 10%، والمجموعة الثانية تراوحت معدلاتها من 10 إلى 15%، في حين تزيد معدلات الإقراض في المجموعة الثالثة على 15% وهي تقل كثيرًا عن المعدلات المعتمدة لدى دول أخرى أخذت بهذه النشاطات الاستثمارية.
وحسابًا على مبدأ مقارنة من هذا النوع، نجد أن الدول العربية هي الآن في نهاية قائمة البلدان التي تبنت استثمارات مالية لدعم تلك المشاريع بشهادة منظمة العمل العربية وهيئات اقتصادية أخرى قدمت أوراق تصور تحث على ضرورة إعطاء نسبة اهتمام بالقروض يصل في حدوده العليا إلى نصف المعدلات المعطاة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في الهند وباكستان على الأقل، كما أننا في البلاد العربية لم نصل أيضًا إلى المعدلات المتحققة في البرازيل وجنوب إفريقيا وأندونيسيا ودول أخرى، وعلينا أن لا ننسى كيف أن القائمين على جائزة نوبل للسلام منحوا المصرفي الباكستاني محمد خان جائزة الاقتصاد لأنه كان المبادر الأول على صعيد العالم في تسليف الفقراء حتى إلى حد تقديم قرض لشراء بقرة حلوب واحدة، أو إقامة حقل زراعي صغير، أو مصنع صغير للغزل والنسيج، أو إنتاج أدوات كهربائية ومنزلية، كما ينبغي أن لا نتجاهل كيف انتبهت دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وما يعرف بدول النمور الآسيوية إلى الاستثمارات المصرفية في المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وهنا لا بدّ لنا في البلاد العربية أن نرصد بعض اهتمامنا لصالح نشاطات مصرفية تعطي أولوية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وليس هناك من نجاح ممكن على هذا الطريق إلا بوجود تشريعات تحكم نشاطات البنوك الحكومية والأهلية على هذا الطريق، فضلًا عن ضرورة أن نعيد هيكلة المواقف الاقتصادية بما يصب في مجرى النشاطات التنموية ذات البعد العائلي والمناطقي، فضلًا عن أهمية اعتماد معايير للجودة في ذلك من خلال مراجعة هذه النشاطات المصرفية دوريًّا لمعرفة مدى جدية تطبيقها.
ولا شك في أن تسهيلات بهذا الاتجاه تحتاج قطعًا إلى بيئة مصرفية تمتد إلى المدن والبلدات الصغيرة بل والقرى مع هامش من النشاطات الإعلامية الموظفة لهذا الغرض.