[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
”ارتباط أبو تريكة بجماعة الإخوان له علاقة بنشأته المبكرة في أسرة فقيرة بقرية ناهيا التابعة لمدينة كرداسة التي تمثل مع مدينة أوسيم مثلثاً إخوانيًّا عتيداً بمحافظة الجيزة، ولهذه المنطقة "ثأر بايت" مع الجيش والشرطة والسلطة المركزية في القاهرة، يعود إلى عام 1965م؛ عندما قرر مكتب الإرشاد إعادة نشاط الجناح العسكري للإخوان...”
ـــــــــــــــــــــ
اصطدمت شعبية نجم كرة القدم الأشهر في مصر محمد أبو تريكة بقرار صادر من لجنة حصر ومصادرة أموال جماعة الإخوان المسلمين، بالتحفظ على شركة سياحية يمتلك اللاعب أسهماً فيها ـ بتهمة تمويل عمليات إرهابية ضد مرافق الدولة .. أثار القرار غضب عشاق أبو تريكة الذين استنكروا القرار وأعلنوا تضامنهم مع اللاعب الشهير، واستبعد معظمهم أن يكون أبو تريكة من داعمي أو ممولي الإرهاب، فيما أيد قليلون القرار، وأدانوا علاقته أو حتى تعاطفه مع الإخوان.
وأبو تريكة سبق وأعلن عقب قيام ثورة يناير 2011م عن ميوله الإخوانية ورغبته في وصول الإخوان المسلمين للحكم، عقب تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، ورغم نفي أبو تريكة لعضويته للجماعة أو حزب الحرية والعدالة ولكنه جاهر بتأييده لمرشحي الإخوان في أول انتخابات برلمانية عقب ثورة 25يناير، وشارك في المؤتمرات الانتخابية التي نظمها حزب الحرية والعدالة لدعم ترشيح الرئيس السابق محمد مرسي لانتخابات الرئاسة عام 2012م.
وكان لأبو تريكة موقف قوي من مجزرة أحداث بورسعيد، وحمل وقتها المشير طنطاوي والمجلس العسكري مسؤولية ما حدث عقب مباراة الأهلي والمصري، والهجوم الوحشي على جمهور "ألتراس أهلوي" الذي سقط منهم 74 قتيلاً وعشرات المصابين، ورفض أبو تريكة بعدها المشاركة في مباراة السوبر تضامناً مع أهالي الشهداء، وروابط " الألتراس" التي كانت ترفض اللعب قبل القصاص لشهداء بورسعيد، ولم يلتفت أبو تريكة للعقوبات التي وقعها عليه ناديه ولا انتقادات الأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة، واتهامه بتهييج الجماهير على زملائه الذين شاركوا في المباراة.
ولأبوتريكة سيرة طيبة في الملاعب المصرية، فنادراً ما شاهدناه يحصل على إنذار أو يرتكب خشونة أو مخالفة متعمدة طوال فترة وجوده في الملاعب، كما أن له مواقف إنسانية وخيرية لا ينكرها أحد، فكلنا يتذكر موقفه المشرف عندما كشف عن قميص مكتوب عليه "انقذوا أطفال غزة" عقب إحرازه هدفاً في بطولة الأمم الإفريقية بغانا عام 2008م تضامناً مع أهالي غزة ضد العدوان الإسرائيلي في ذلك الوقت، وكذلك زياراته المتكررة للأطفال المرضى المنومين في المستشفيات، ومشاركته في أعمال خيرية عديدة بمسقط رأسه "ناهيا" لمساعدة الطلاب الفقراء على استكمال تعليمهم، والأسر المحتاجة على تحمل نفقات الحياة ولم يكن غريباً اختيار الاتحاد الإفريقي له سفيراً للنوايا الحسنة لدوره في مساعدة الأطفال الفقراء بالقارة الإفريقية.
وارتباط أبو تريكة بجماعة الإخوان له علاقة بنشأته المبكرة في أسرة فقيرة بقرية ناهيا التابعة لمدينة كرداسة التي تمثل مع مدينة أوسيم مثلثاً إخوانيًّا عتيداً بمحافظة الجيزة، ولهذه المنطقة "ثأر بايت" مع الجيش والشرطة والسلطة المركزية في القاهرة، يعود إلى عام 1965م؛ عندما قرر مكتب الإرشاد إعادة نشاط الجناح العسكري للإخوان بعد توقفه عن العمل في عام 1954م بسبب القبض على التنظيم ودخول معظم قياداته السجون بتهمة الشروع في قلب نظام الحكم ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في حادث المنشية الشهير بالإسكندرية.
واستغل مرشد الإخوان آنذاك حسن الهضيبي انشغال عبد الناصر والجيش المصري بحرب اليمن، وأعطى أوامره بإعادة العمل السري المسلح للجماعة، وأسند إلى سيد قضب ـ مؤلف كتاب "معالم على الطريق" والذي كفر فيه عبد الناصر وأركان حكمه وأباح دم الوزراء وقادة الجيش وحرض الضباط والجنود المصريين على عصيان الأوامر وعدم الذهاب لمقاتلة الملكيين في اليمن ـ مهمة قيادة المجموعة المكلفة باغتيال عبد الناصر، ونشر الفوضى عن طريق الاغتيالات والتفجيرات للإطاحة بالنظام، والاستيلاء على الحكم.
وتسربت خطط الجماعة للأجهزة الأمنية، وصدرت الأوامر باعتقال أعضائها في جميع محافظات مصر، وتوجهت مأمورية من رجال المباحث الجنائية بمديرية أمن الجيزة إلى منطقة كرداسة، بعد وصول معلومات بتحصن قيادات الجماعة في منزل (سيد النزيلي) أحد الكوادر الناشطة للإخوان، وعندما أحس النزيلي باقتراب رجال المباحث وكانوا يرتدون الزي المدني من منزله، أمر نساء منزله بالصياح والصريخ بصوت عال، مدعين أن هناك لصوصاً يحاولون اقتحام المنزل لسرقته، وبدافع المروءة والشهامة تجمع أهل القرية، وهبوا لنجدة عائلة النزيلي المشهود لها بالورع والاستقامة، والتف المئات حول ضباط وعساكر المباحث وأمسكوا بهم وأوسعوهم ضرباً، خصوصاً بعد محاولة الضباط إشهار أسلحتهم الشخصية لتفريق الأهالي دون جدوى، واستغل النزيلي ورفاقه الفرصة للهرب وسط الزراعات، واستطاع بعض رجال المباحث الإفلات من أيدي الأهالي وإبلاغ قياداتهم بالأمر وسقط الباقون مغشياً عليهم من فرط الضرب.
وتكهرب الجو ووصل الموضوع إلى شمس بدران وزير الحربية الذي كان يتولى مهام الحاكم العسكري في ذلك الوقت، وأرسل قوات الشرطة العسكرية والعربات المدرعة لمحاصرة كرداسة وناهيا وأوسيم، وتم فرض حظر التجوال لأسابيع، والتحقيق مع الأهالي والقبض على المشتبه فيهم بالاعتداء على رجال المباحث ومن ساعدوا النزيلي وصحبه على الهرب، ومنذ هذه الواقعة حدث شرخ بين أهالي المنطقة والسلطة، وحُرمت كرداسة وتوابعها من الخدمات الحكومية ومُنع أهلها من دخول الشرطة والكليات العسكرية، أو سلك القضاء لسنين طويلة واستغل الإخوان الوضع ليسيطروا على المنطقة بتوفير الخدمات والمساعدات وإدخال المرافق وإنشاء الملاعب والمدارس والمستشفيات.
وسط هذه الأجواء نشأ أبو تريكة المتدين بطبعه والمرتبط بالمسجد الذي سيطر عليه الإخوان ولم ير فيهم سوى أناس طيبين خيرين يعملون لصالح الفقراء والضعفاء، بل إنهم أنشأوا الملعب الوحيد بالقرية الذي مارس فيه كرة القدم، وساعدوه على ثقل هوايته والانتقال من اللعب حافي القدمين بالشارع إلى ملعب معشب، ووفروا له حذاء وملابس رياضية لم يكن يحلم باقتنائها، لتكون سبباً بعد ذلك لانتقاله لنادي الترسانة ومن ثم النادي الأهلي ومنتخب مصر.
كنت أتمنى ألاّ ينزلق محمد أبو تريكة لمستنقع السياسة وأن ينأى بنفسه عن صراع الانتماءات الذي يمزق المجتمع المصري حالياً، وينشر حالة من الشك والريبة والتخوين بين أبناء البلد الواحد، وبغض النظر عن المواقف العاطفية المؤيدة أو المعترضة على قرار التحفظ على أموال أبو تريكة، أتمنى أن يكون القانون هو الفيصل في هذا الموضوع بعيداً عن التدخلات السياسية وضغوط الرأي العام، وإلاّ ستتحول مصر لحالة شبيهة بالمكارثية؛ عندما وجه عضو مجلس الشيوخ الأميركي جوزيف مكارثي تهمة اعتناق الشيوعية والعمل لصالح الاتحاد السوفييتي السابق؛ ضد كل من يختلف معه في الرأي مستغلاً حالة الهلع التي انتشرت بين الأميركيين من خطر الغزو الشيوعي لأميركا في خمسينيات القرن الماضي، ولكن مع مرور الوقت قل حماس الأميركيين لمكارثي بعدما تأكدوا بأنه محتال وغوغائي ويوزع الاتهامات يميناً ويساراً بدون أدلة.
لا بد من الاعتراف بأن الإخوان أو المتعاطفين معهم مكون أساسي في نسيج المجتمع المصري, وإن كان بعض أعضاء الجماعة ارتكب جرائم، أو مارس التحريض أو التمويل أو المشاركة في حوادث إرهاب ضد الجيش أو الشرطة أو مرافق الدولة، فليقدم للمحاكمة بعد ثبوت التهمة عليه بالأدلة التي تثبتها تحقيقات النيابة، وليس نتيجة ظن أو كيد أو وشاية أو بسبب المكايدة أو الاختلاف السياسي.
الغريب أن نظام التقاضي المعمول به في مصر يتيح لأي شخص عن طريق محامٍ أو بدون محامٍ تقديم بلاغ للنائب العام ضد شخص آخر يتهمه فيه بالفساد أو الانتماء لجماعة محظورة ويسارع بإبلاغ أجهزة الإعلام ببلاغه المزعوم ليخلق رأياً عاماً ضاغطاً، ليحول البلاغ للنيابة ويتم استدعاء المدعو في حقه للتحقيق دون وجود أدلة كافية، وهو ما تعرض له العديد من الكتّاب والسياسيين وشباب الثورة الذين منعوا من السفر، وتحفظ على أموالهم وتحددت إقامتهم وتلوثت سمعتهم، وعاشوا أياماً سوداء بين التوتر والقلق، قبل أن يتم الإفراج عنهم لاحقاً لعدم كفاية الأدلة.
ومنذ الإطاحة بحكم الإخوان في 30يونيو 2013م ، تم التحفظ على مدارس وشركات، ومراكز تجارية ملك لأعضاء في جماعة الإخوان بتهمة تمويل الإرهاب ثم تبين بعد فترة أن الإخوان لا يمتلكون سوى نسبة بسيطة في هذه الشركات، وأن النسبة الأكبر من الأسهم يملكها أناس عاديون تضرروا من هذه القرارات وبعد لجوئهم إلى المحاكم تبين سلامة تصرفات الشركة المالية، وعدم تورطها في تمويل أي نوع من الإرهاب، وتم رد الشركات والمحلات لأصحابها، ولكن بعد تعرضها للنهب والتخريب.