[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
أصبح يحكم عمل المؤسسات الحكومية والفاعلين فيها مبدآن من أهم المبادئ الإنسانية الكونية على الإطلاق، وهما ،، العدالة والمساواة ،، صحيح هما منصوص عليهما في النظام الأساسي الصادر عام 1996، لكن لم تثر قضية تطبيقهما كتوجه سياسي ومجتمعي إلا منذ صدور الأوامر السامية بتوحيد جدول الدرجات والرواتب لموظفي القطاع المدني وتوحيد منافع التقاعد وفقا لنظام تقاعد موظفي ديوان البلاط السلطاني، وما يلفت الانتباه في الأوامر ورود لفظ ،، العدالة ،، مرتين بشكل صريح، بينما يمكن تلمسها في روح كل التوجهات الآمرة لعاهل البلاد المفدى ـ حفظه الله ـ لماذا؟ وهل تساءلنا كذلك، لماذا المؤسسة السلطانية تستخدم مفردة ،، أوامر وليس توجيهات ،، وكيف تصطبغ الأوامر بصبغ العدالة ظاهرة وباطنة؟
إذا لم تتمكن الجهات الحكومية التنفيذية من الإجابة الصحيحة على مثل تلك التساؤلات، فلن تكسب كل المجتمع من خلال أي عمل تنفيذي للأوامر والتوجيهات، وهذا ما نحاول الاقتراب منه رغم أن مقالاتنا السابقة كان جلها ينصب على عملية رفع الوعي السياسي بطبيعة المرحلة الجديدة التي تشكلت في بلادنا منذ عام 2011، وكيف تناغمت معها قيادتنا السياسية العليا بصورة مدهشة، ليس في تفاعليتها وتلقائيتها الآنية، وإنما في ماهية الأجندة التي تحققت نتيجة هذا التناغم، ولا نتصور أنها سوف تقف عند ما أعلن أو ما تحقق حتى الآن، بل إن كل المؤشرات تدعونا إلى الترقب الأكبر، والأكبر هنا ليس حالة مفردة، كما قد يفهم منه، وإنما مجموعة مسارات وتطورات جديدة ـ هنا قوة استنتاج فقط ـ لكن هل يدرك الجهاز الحكومي التنفيذي الغاية من وراء كل ما يحدث في بلادنا؟ التساؤل مكرر، وقد يتكرر معنا، لأن فيه الإشكالية التي تتحطم فوق صخرته أي أمر أو توجه سام، علينا هنا أن نحدد ماهية هذه الغاية في ثنائية مهمة جدا، ومن خلالهما سوف تتحدد ملامح هذه الغاية، وهما، تأسيس مرحلة جديدة من التطلعات الاجتماعية، وتصحيح الاختلالات البنيوية التي تمس كثيرا الحياة الكريمة للمواطنين أي إيجاد الحياة الكريمة لهم، سواء كان المواطن هنا رب أسرة أو شابا مقبلا على تأسيس حياة جديدة، وسواء كان المواطن هنا على رأس عمله أو متقاعدا، ولم تترك المؤسسة السلطانية الجهود الحكومية لتحقيق تلك الثنائية وفق أهوائها واجتهاداتها، وإنما جعلت لها ضابطين مهمين وهما العدالة والمساواة، فنجاح أو فشل أي عملية تنفيذية لأمر أو توجيه سام أو سياسة .. قد أصبحت مرهونة بمدى وحجم تحقيق العدالة والمساواة فقط، ولو جعلنا هذين الضابطين المهمين القياس المعياري على نجاح أو فشل عمليات تنفيذ الأوامر السامية، فهل سوف نجد عمليات التنفيذ قد تمكنت من تحقيق الغاية السلطانية؟ سوف نؤجل الإجابة على هذا التساؤل المهم لمقال قادم رغم أنها أي الإجابة واضحة وليست في حاجة لاستنطاق، ونجدها في المرتبات المتدنية الجديدة التي لم يطرأ عليها زيادة سوى قليلة جدا، أقلها (25) ريالا في حين كان الحديث الرسمي عن زيادة (100) كحد أدنى، فأين العدالة والمساواة مع المرتبات المتدنية؟ يبدو أن قدر الفرحة في بلادنا أن لا تأتي كاملة وشاملة؟ وهذا مرجعه الخلل وإشكاليات التنفيذ وليس الأمر السامي، والذي يهمنا اليوم وضع المتقاعدين الذين تم إحالتهم للتقاعد قبل الأوامر السامية الجديدة، الحديثي العهد والقدامى على السواء، فهؤلاء من حقهم أن تشملهم مظلة العدالة والمساواة كأن يسري عليهم القانون الجديد، فكل الاعتبارات والاستحقاقات التي تدفع بعملية توحيد المرتبات ومنافع التقاعد تنطبق عليهم، بل إنهم يتميزون بميزة تاريخية وإنسانية عن غيرهم، فهم الذين عاصروا مسيرة بناء الدولة العمانية المعاصرة، وهم الذين حملوا همها وهمومها، وهم الذين يعانون الآن من عدم مقدرتهم الوفاء بالتزاماتهم الأسرية والاجتماعية رغم ما طرأ من تحسينات على أوضاعهم التقاعدية، وهذا التحسن لا يسقط حقهم في المساواة والاعتداد الاجتماعي والإنساني للمواطنين أسوة بالموظفين الذين تم تأجيل إحالتهم للتقاعد لسنة أخرى حتى لا يحرموا من ميزات التقاعد الجديدة، وهذا اعتبار واعتداد حاسم في معركة كسب القلوب المفتوحة .. وهذا الاعتداد هو الذي يتناغم مع الغاية السامية من توحيد جدول المرتبات ومنافع التقاعد، وهذا الاعتداد هو الذي يستقيم مضمونه في دولة تحس بثقلها الاجتماعي أكثر وأكبر من أية حمولات أخرى، وهذا الاعتداد هو الذي من أجله فقط جاءت الأوامر السامية لتنحاز للثقل الاجتماعي الوطني، ويتغير التوقع السلبي لمستقبل النفط إلى التوقع الإيجابي، ومعه تنهال الخيرات علينا وكأنها تنهمر من السماء ـ موضوع مقال قادم ـ وهذا الاعتداد هو الذي يجعلنا نطالب بسريانه على المتقاعدين الذين قضوا في خدمة الدولة،، ولاء وانتماء،، وطلعوا بمستحقات مالية بعيدة كل البعد عن أبسط مفهوم العدالة، حيث إن بعضهم حصل على (ستة) آلاف ريال عماني فقط وبمرتبات ضعيفة خاصة أصحاب الدراجات المتدنية نظير أربعين سنة خدمة في الدولة .. بينما القانون الجديد يعطي مرتبات تقاعد مريحة ومكافآت مضاعفة عن السابق .. فلماذا لا يتم تصحيح الأخطاء بأثر رجعي؟ ليس من العدالة استثناء المتقاعدين السابقين من مبدأ القانون إذا احتكمنا لحاكم توحيد منافع التقاعد، وهو مبدأ المساواة الذي يقف كدافع لتوحيد منافع التقاعد وفق نظام ديوان البلاط السلطاني الذي يعد نموذجا مثاليًّا لحفظ كرامة المتقاعد، ومبدأ العدالة الذي يجب أن يسود بين الكل في إطار الدولة الواحدة؟ مرجعيتنا هنا سياسية ودستورية، وتتمثل في النظام الأساسي للدولة وأوامر توحيد المرتبات والتقاعد بمحدداتها وضوابطها ومبادئها الواضحة التي لا تقبل سوى تفسير واحد فقط، فهل سنسمع قريبا نبأ يرفع معنويات المتقاعدين؟ فالأصل في القضية بل كل القضايا، العدالة والمساواة، وما عداهما .. القضية مفتوحة.