[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في أبجديات سياسات الدول الاستعمارية ليست لغة الكذب سوى حرفة ووسيلة تحمل على متونها أجندات ومشاريع وأهداف يراد تحقيقها، سواء كان على مستوى المصلحة الفردية أو على مستوى المصلحة العامة، بل غدت (لغة الكذب) جراء الاعتماد عليها في تقديم الخطط والمشاريع والأهداف نهجًا ممارسًا يتجاوز حدود المنطق والقيم والمبادئ والجوانب الإنسانية والأخلاقية.
فالحديث اليوم عن محاربة الإرهاب ليس إلا تكريسًا للغة الكذب لتعطي تموضعها المراد ليناسب مسارات المشاهد العامة لإنزال العقول من عليائها وسموها إلى أدنى مراتب التجهيل والاستخفاف وسلب قدراتها عبر عناوين رئيسية وفرعية تتفرد حينًا وتتداخل أحيانًا، لإبقاء أصحاب هذه العقول في شرنقة الجهل وصراع الفكر، لتتضاعف عملية التكريس للغة الكذب في مقابل ذلك بالعزف على أوتار الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والدولة المدنية، مرسِلةً موجات اهتزازية لخلخلة العقل والفكر وتغييبهما، على النحو المشاهد في عموم المنطقة التي باتت تئن تحت ضربات كذب القول بمحاربة الإرهاب، ودعم الديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الإنسان، لا لهدف سوى تشظية المنطقة إلى شظايا حارقة بعد النجاح في تعبئتها ببارود الفتن الطائفية والمذهبية.
والمؤسف أن تعميم لغة الكذب لم ينجح فقط في تعويم الإرهاب والفوضى والفتن الطائفية والمذهبية وتقطيع أنسجة المجتمعات في دول المنطقة، بل تعدى ذلك إلى النجاح بصورة لافتة ومذهلة في تكوين ائتلافات ومعارضات استخبارية أعطيت أوصافًا لا تستفز وتستصغر العقول السليمة والفطر السوية للبشر، بل حتى الشجر والحجر في الأرض العربية التي ارتوت بالسلام والأمن والاستقرار، ورفضت الشر والإرهاب والاستعمار والاحتلال، واغتسلت بعرق شرفائها وعظمائها ورموزها، فليس الوصف من قبيل "ائتلاف وطني" و"معارضة معتدلة" إلا ترجمة عملية للغة الكذب وتعميمها، وبالتالي كيف يتفق عقلًا ومنطقًا الوصفان "الوطني والمعتدلة" مع شلل تديرها غرف استخبارات غربية وإقليمية، وباتت كقطعان ماشية يسوقها رعاتها، وتنفذ أجندات رعاتها وأسيادها، بل تعلن ولاءها المطلق لهم دون أدنى حياء أو وجل، وتأييدها إبادة البشر سواء بالإرهاب أو بالتدخل العسكري الأجنبي المباشر.
المشهد الممتد من أفغانستان وباكستان مرورًا بليبيا ومصر ثم العراق وسوريا واليمن، يُعرِّي دعاة محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الإنسان إلى درجة الافتضاح، ففي الوقت الذي يتحدثون فيه عن محاربتهم تنظيم القاعدة الإرهابي، يستمرون في تبني مشتقاته والخارجة من رحمه ودعمها كتنظيم "داعش والنصرة وأحرار الشام والجبهة الإسلامية وجيش الإسلام، وجيش الفتح الذي أصبح مزيجًا من تلك التنظيمات الإرهابية التكفيرية"، وتجميع صفوفها تحت مظلة "المعارضة المعتدلة" والمجاهرة إلى حد المباهاة بالمباشرة في تدريب عناصرها الإرهابية والتكفيرية، والاتفاق على تزويدها بالسلاح المتطور، وضخ الأموال اللازمة لتمويل ذلك، في خرق واضح وفاضح للقانون الدولي وللشرعية الدولية التي تجرم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وانتهاك سيادتها، وفي تناقض صارخ مع ما يعلنه هؤلاء المدَّعون عن أن الذي بينهم وبين تنظيم القاعدة ما صنع الحداد.
اليوم تقدم معركة القلمون في سوريا وفي إدلب وتحديدًا جسر الشغور وباقي المعارك الدائرة رحاها بين الجيش العربي السوري ومشتقات تنظيم القاعدة الإرهابي، وكذلك معارك الجيش العراقي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، تقدم صورة حية عن مدى الاعتماد على لغة الكذب في تسيير دفة مشاريع التدمير والتخريب، وإنتاج الإرهاب وعصاباته لا محاربته، ونشر الفوضى والإرهاب والفتن الطائفية والمذهبية وتعميمها في المنطقة، لا نشر الديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الإنسان، حيث أصبح الرهان واضحًا لا لبس فيه على سواطير إرهاب التنظيمات الإرهابية في تحقيق الأهداف، مع الاستمرار في تضخيم أعدادها بجلب المزيد من الإرهابيين من الشيشان والأفغان والباكستانيين والمغاربة والخليج ومن أوروبا والولايات المتحدة، وتضخيم عتادها من السلاح المتطور، وفي مقدمته الصواريخ المضادة للدبابات والخارقة للدروع.
إنها مؤامرة كبرى حيكت بليل ضد المنطقة بوابتها الكذب وتأجيج نار الفتن.