”يجب على واشنطن مواصلة الاستثمار في بناء القدرات مع بلدان مثل الفلبين وفيتنام المهددة في الغالب بشكل مباشر من التعزيز العسكري المتسارع للصين. وبشكل خاص، يجب عليها دعم جهود دول جنوب شرق آسيا في تحسين قدرات استطلاعاتهم البحرية حتى يتمكنوا من وضع صورة عاملة موثوق بها لبحر الصين الجنوبي.”
ــــ
خلال بضعة أشهر، حولت بكين عددا من الشعاب والصخور الصغيرة في بحر الصين الجنوبي إلى ست قواعد عسكرية صغيرة الأمر الذي يثير مخاوف البلدان الصغيرة مثل الفلبين وفيتنام فضلا عن تحصين منطقة يمر عبرها ثلث سفن الشحن في العالم.
وتلك القواعد هي الأحدث في سلسلة من التحركات الاستفزازية من قبل الصين، التي تؤكد ان المنطقة تخضع لسيادتها. ففي 2012، قامت القوات البحرية الصينية بإبعاد الفلبين من منطقة سكاربورو شوال إلى مواقع جديدة في شمال جزر سبراتلي؛ وفي نفس العام، أعلنت بكين ان المنطقة تقع ضمن منطقتها الإدارية الجديدة في جزر نانشا؛ وفي الربيع الماضي، اقتادت سفن خفر سواحل صينية حفار نفط متحرك ضخم إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة في فيتنام. وسوف تسمح الأحواض الجافة والممرات في قواعد سبراتلي للقوات الصينية بتعزيز تواجد جوي وبحري دائم لها عبر بحر الصين الجنوبي بدون العودة إلى الوطن الأم للتزود بالوقود أو للتصليح. وحذر مسئولون صينيون من انه في النهاية فإن المنطقة يمكن ان يتم تحديدها بوصفها منطقة دفاع جوي محددة الأمر الذي يتطلب من كل طائرة تحلق فيها ان تسجل نفسها لدى بكين كما حدث قبل عام في بحر الصين الشرقي.
حتى الآن تعمل بكين داخل المناطق الرمادية في القانون الدولي. فاستصلاح واسترداد الاراضي ليس بالأمر غير القانوني بشكل واضح، واصحاب المطالبات الأخرى يقومون بأعمال بناء فيما يحتلونه من جزر سبراتلي. كما اختارت بكين بحذر بناء قواعد في الجزر التي توجد فيها قوات محلية غير قوية بشكل يكفي للمقاومة والتزامات اتفاقيات التأمين الأميركية غير واضحة فيها تماما- خلاف الحال في بحر الصين الشرقي حيث يتعين عليها الحذر من التصادم مع القوات البحرية اليابانية القوية أو إثارة تدخل أميركي في جزر سينكاكو.
الولايات المتحدة ليس لها مصلحة أو هي غير معنية بدعاوي السيادة على المنطقة، لكن لديها اهتمام قوي بضمان عدم استخدام الصين للقوة في تغيير الوضع القائم. ويظهر النهج الصيني انها تنوي عمل ذلك فقط. فوقف استصلاح اراض صينية أو بناء قواعد يعد امرا صعبا، لكن هناك خطوات أخرى يمكن اتخاذها لثني بكين عن المضي في طريق استخدام القوة منها:-
أولا: يجب على واشنطن مواصلة الاستثمار في بناء القدرات مع بلدان مثل الفلبين وفيتنام المهددة في الغالب بشكل مباشر من التعزيز العسكري المتسارع للصين. وبشكل خاص، يجب عليها دعم جهود دول جنوب شرق آسيا في تحسين قدرات استطلاعاتهم البحرية حتى يتمكنوا من وضع صورة عاملة موثوق بها لبحر الصين الجنوبي. وتستعد اليابان والحلفاء الآخرين للمساعدة بالاستثمار في البنية الأساسية ونقل المعدات.
ثانيا: على البحرية الأميركية ان تظهر ان تحركات الصين لن تعيق حرية الملاحة في المنطقة. فالانتشار المتناوب لأربع سفن قتالية حتى سنغافورة سيساعد، وان كان يجب على هذه السفن والقوات الأخرى للأسطول السابع ان تزيد من تدريباتها مع شركاء في المنطقة. كما يجب ايضا ان تدرك بكين ان اي اعلان بإقامة منطقة دفاع جوي خالصة فوق بحر الصين الجنوبي لن تكون مقبولة. وعندما اعلنت بكين مثل هذه المنطقة فوق بحر الصين الجنوبي، أرسلت الولايات المتحدة قاذفات بي 52 مباشرة إلى هناك لإظهار انه لن يكون هناك أي تأثير لإجراء الصين على العمليات الاميركية، وان كان ذلك جاء بعد وقوع الحدث. فيجب ان تعي بكين قبل ذلك بأن اقامة منطقة دفاع جوي لها في بحر الصين الجنوبي سوف يستدعي ردا قويا.
ثالثا: يجب على الولايات المتحدة مساعدة جنوب شرق آسيا في الاجراءات الدبلوماسية والقانونية التي تتخذها للتصدي للمحاولات الصينية. وان تشجع الولايات المتحدة الاتفاق بين الصين وبلدان شرق اسيا بشأن تنمية بحر الصين الجنوبي، لكن يبدو ان بكين تتراخى في المحادثات المتعلقة بذلك. ومع ذلك فأمام الولايات المتحدة مساحة لزيادة الجهود القانونية الدولية القائمة. ويبدو ان عمليات البناء الصينية تهدف في جزء منها على الاقل إلى تقويض الدعوى القانونية البحرية التي ترفعها الفلبين ضدها والتي يجري نظرها في لاهاي. فعلى واشنطن ان تزود المحكمة بمعلومات مفصلة عن الوضع في جزر سبراتلي التي تقوم الصين بتحويلها من اجل التصدي لمانيلا في المحاكم. كما يمكن للولايات المتحدة ان تعزز أيضا مبادرات واتفاقيات سلام بحر الصين الشرقي ذات الصلة بين تايوان واليابان والفلبين بشأن تقاسم الموارد والتنمية المشتركة. ولا يجب ان يكون هدف السياسة الأميركية هو هزيمة الدبلوماسية الصينية في آسيا بل استخدام النصح والشفافية في دفع الصين صوب دبلوماسية أكثر مسئولية.
وقد اتخذت الإدارة الاميركية خطوات صغيرة في هذه الاتجاهات، وان كانت تستمر في الجدل فيما اذا كان حقيقة هذا هو الوقت المناسب لتوتر متزايد مع بكين. لكن التعزيزات السريعة للصين في بحر الصين الجنوبي يمكن ان تظهر للجميع انه بدون رد قوي الآن، فمن المؤكد تقريبا انه سيكون هناك مواجهة أكثر خطورة فيما بعد.

ميشيل جرين* وميرا راب هوبر** • جرين نائب رئيس كرسي اسيا واليابان في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية واستاذ مساعد في جامعة جورجتاون ** وهوبر باحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. خدمة واشنطن بوست ـ بلومبيرج نيوز خاص"الوطن"