بهدف دراسة بعض أنواع الأدب السردي العماني وبالتعاون مع مجلس البحث العلمي

متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي :
تختتم اليوم في النادي الثقافي فعاليات ندوة "القصة القصيرة جداً في عمان" والتي انطلقت مساء أمس بالتعاون مع مجلس البحث العلمي، حيث يشتمل برنامج اليوم الثاني على تقديم ثلاث شهادات إبداعية حول تجارب إبداعية في كتابة القصة القصيرة جداً لكل من عبدالله حبيب والخطاب المزروعي ووليد النبهاني، ويدير الجلسة يحيى بن سلام المنذري.

البنية السّردية
وكانت الجلسة الاولى قد بدأت أمس متضمنة ثلاث أوراق عمل، قدمت الجلسة فاطمة العليانية، وقدم الدكتور يوسف حطيني ورقة بعنوان "البنية السّردية للقصة القصيرة جداً" وجاء في ورقته "ثمّةَ تساؤلٌ يطرحه المشكّكون باستقلالية القصة القصيرة جداً (بوصفها نوعاً أدبياً داخل جنس السرد) حول الفروق الجوهرية التي تجعل منه فنّاً مستقلاً، ما دام يشترك مع فنون السرد الأخرى (وخاصة القصة القصيرة) في كثير من الأركان، ويستخدم التقنياتِ ذاتها، ليمنح الحكاياتِ دلالاتِها المرجوّة.
سنبدأ من التأكيد أنّ نقاط الاشتراك بين الأنواع الأدبية، لا تنفي استقلالية أحدها عن الآخر، فالرواية تشترك في كثير من صفاتها مع القصة القصيرة، إلا أنّ لكلّ منهما حدوداً فاصلة تميّزه من الآخر، وسنحاول في الورقة البحثية الإجابة ـ اعتماداً على ما يقوله السرديون ـ عن بعض الأسئلة المتعلقة بالقصة القصيرة جداً من مثل: كم يبلغ طول أقصر قصة قصيرة جداً؟ إلى أي حدّ يمكن أن تطول؟ وكم واقعة تحتمل؟ كما حاولت الورقة أن تكشف خصائص مكوّنات الحكاية في هذا الفن الأدبي، وطبيعة الوظائف التي تقوم بها الشخصيات، وطبيعة الأحداث التي تتجنّب مادة الحكي الثانوي، والتكثيف الذي يتطلبه هذا النوع من السرد، وانعكاس ذلك على عناصر النص جميعاً.
وفي نهاية ورقته وضع "حطيني" سؤالا أخيرا وهو: هل يكفي أن يلتزم الكاتب بجميع عناصر القصة القصيرة جداً، لإنتاج قصة ناجحة؟ وتكون الإجابة: بالطبع لا؛ لأن العمل الأدبي أكبر بكثير من مجموع مكوّناته، ولأنّ كيمياء الإبداع ليست لها وصفة نهائية.

أفق التّعريف وتحليل نماذج
بعدها قدم الدكتور إحسان بن صادق اللواتي الأستاذ المشارك في جامعة السلطان قابوس ورقة تناولت "القصة القصيرة جدًّا .. في أفق التّعريف وتحليل نماذج" حيث سعت هذه الدراسة إلى مقاربة هذا اللون الكتابي الحديث نسبيًا، وهو المتمثل في القصة القصيرة جدا، من منظور قرائي تطبيقي، يتخذ لنفسه نماذج من بعض الإصدارات الأدبية العمانية الحديثة، وأهمها: مسامير، لعبد العزيز الفارسي ، وسيرة الخوف، للخطاب المزروعي ، وسرنمات، لوليد النبهاني.
وقال "اللواتي": إنّ هذه القراءة التطبيقية تنطلق من واحدة من أهم الخصائص المميزة التي تميز هذا النمط الكتابي الأدبي، وهي الخاصية التي اتخذت لنفسها مكانًا في تسمية النمط نفسه، أعني كون القصص "قصيرة جدا": - فما الأثر أو الآثار الإيجابية التي تتمثل في كون القصص مبنية على أساس الاقتصاد الشديد في الألفاظ؟ وما علاقة ذلك بمبحث الإيجاز في البلاغة العربية التقليدية؟ وما صلته بنظرية التلقي الحديثة؟ وهل هناك مخاطر على الأديب أن يحذرها في هذه الناحية لئلا يقع أدبه في بعض المشكلات والسلبيات التي هو منها في غنى؟ وما مدى التوفيق الذي حظيت به التجارب العمانية ـ على جدّتها ومحدوديتها ـ في هذا المجال؟ كل هذه الأسئلة حاولت الدراسة إثارتها.

قراءة في الذات والتاريخ
أما الباحثة نادية الأزمي فقدمت ورقة عمل تناقش "القصة الومضة .. قراءة في الذات .. قراءة في التاريخ والمستقبل" وتقول في ورقتها: القصة القصيرة جداً فنّ أدبي قديم، قِدَم الحكايةِ نفسِها، ولكنّه أخذ يتطور وتتطور معه النظرية النقدية ابتداءً من بلاد الشام ووصولاً للمغرب العربي. وهناك في القصص القصيرة جداً نماذج مشرقة تتوفر على مجموعة من الخصائص والسمات التي تمنح النصوص جماليتها، في مقابل قصص تعاني بعض النواحي السلبية، تعود إلى عدم فهم حدود تداخل القصيرة جداً مع غيرها من فنون الكتابة، وإلى الاستسهال وسهولة النشر التي توفرها الشبكة العنكبوتية. وهذا ما أدى إلى إنتاج نصوص قصصية تفتقر إلى الحكائية، أو تنتصر فيها الشعرية على الحكائية، أو تتحكم فيها الأيديولوجية بمنطق السرد الفني، فترهقها لغة ذهنية تقريرية.
وبالطبع فإن من التسرّع أن يسنتتج المرء أنّ القصة القصيرة جداً عاجزة عن قول ما هو سياسي أو اجتماعي، فهي قادرة على قول كلّ شيء، والإسهام في بلورة الوعي السياسي والاجتماعي، ولكن من غير أن تطفو الأيديولوجية على سطح النص، وفي الوطن العربي عدد جيد من النماذج التي تسهم في بلورة الوعي الاجتماعي والسياسي دون أن تخضع لوطأة الأيديولوجيا.
وإلى جانب كل ما تعانيه القصة القصيرة جداً من جهة الكتاب، فهي تعاني أيضاً من خلال النقاد المصابين في الغالب بداء المجاملة، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتضيف الباحثة نادية الأزمي: يبقى مستقبل القصة القصيرة جداً مرهوناً بأمرين: وجود نصوص إبداعية جيدة صالحة للاقتداء من قبل الأجيال القادمة، ووجود نقد حقيقي متوازن يوازي الجهد الإبداعي. ولا شك أنّ الأيام والسنوات قادرة على التخلص من الأدب الرديء، والاحتفاظ بالأدب الجيد. (فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض).. صدق الله العظيم.
تهدف هذه الندوة العلمية إلى دراسة بعض أنواع الأدب السردي العماني، ومشاركة الباحثين المتميزين في حقل القصة القصيرة جداً، وتبادل الخبرات والمعارف والأفكار حول هذا الجنس الأدبي الجديد في الساحة الثقافية العربية ، وتنمية الروح الإبداعية لدى كتاب القصة القصيرة جداً، والمساهمة في التعريف بهذا الإنتاج على مستوى واسع. وتسلط هذه الندوة الضوء على نمط محدّد من أنماط الحكي؛ هو نمط القصّة القصيرة جداً التي تميل إلى درجة من التكثيف والتركيز عالية جدًّا، ولعلّ التّعريف النقديّ الأجناسيّ لا يميل إلى هذا الحد من القطع والتخصيص في تعريف فنّ لم يزل يتلمّس طريقه بين الأجناس السرديّة العريقة الكثيرة والقارّة والمتحوّلة كذلك على مرّ الزمن. وقد برزت في السنوات الأخيرة، تحديداً منذ بداية الألفية، مجموعات قصصية قصيرة جداً، لاقت أصداء واسعة وباتت من صلب اهتمام الأدباء والقراء على حدّ سواء.
الأمر الذي قاد إلى التفكير بإقامة ندوة لنقاد وكتّاب القصة القصيرة جداً، بغية تشكيل تيار أدبي مستقل بذاته، يقوم على عناصر عدة من بينها جذب القارئ عبر عنصري الدهشة والاختصار، ومجاراة لعصر تخلى عن التفاصيل واهتم بالجوهر.